هي قضية من أثقل الملفات التي تستدعي كثير من الجدّية لفكّ شفراتها، لم تخلُ أبدا من طرائف كسرت روتين متابعتها، بسبب خفة ضل قاضي الجلسة عنتر منور، ومتدخلين آخرين من متهمين ومحامين يقولون ما يقولون، وأحيانا لا ينتبهون إلى هيستيريا الضحك التي يثيرونها في القاعة. سكرتيرة الخليفة تدخل الحضور في هستيريا ضحك، متهم يحتفل بعيد ميلاده في الجلسة، محامي يرافع بأحمد مطر وأحلام مستغانمي، وسفيه يغني ل"الغولدن بوي". ومثلما أغرقت محاكمة القرن الحضور في الضحك لحظات، حملت أيضا من المواقف ما يكفي لتحرّك أحاسيسهم وتفيض دموعهم، كلّ هذا وغيره، عشناه وننقل لكم ما دار في القاعة رقم "1" بمجلس قضاء البليدة في انتظار صدور الحكام يوم 23 جوان الجاري.. سكرتيرة الخليفة.. "شاهد ماشفش حاجة" من وثيقة استدعائها إلى دخولها قاعة الجلسة إلى خروجها منها، كلّ مراحل شهادتها طبعتها الطرافة. دخلت القاعة متأخرة تتبختر بمشية "البطة"، وقطعت دخلتها شهادة وزير المالية السابق جلاب محمد، كما أثار دخولها انفجار خليفة عبد المومن ضحكا، فمنذ انطلاق جلسة المحاكمة، أثارت بتكرار اسمها والوظيفة التي كانت تشغلها في البنك جدلا كبيرا حولها، وطرحت تساؤلات حول سرّ احتفاظ عبد المومن بها، إنها أمينة أسراره عيواز نجية التي أنكر عنها هذه الصفة، وقال للقاضي "أنا سكرتيرتي هذيك.. أبدا". السكرتيرة ورغم أنها أبقيت كآخر شاهد في الجلسة، إلا أن فضول الصحافيين جعلهم لا يبرحون المكان إلى حين سماعها، فاجتاحوا القاعة بمجرّد المناداة عليها، وبدخولها تعرّف عليها عبد المومن خليفة وأكد أنها كاتبة بالمجمع ولم تكن يوما كاتبته الخاصة. "هذا هو الخليفة.. يخاه واشبيه شيان"! وبدا على الشاهدة عيواز نجية هي تمثل للشهادة، ارتباكها وخوفها وحتى دهشتها من نحول رفيق خليفة الذي فقد كيلوغرامات بعد سنوات، لم تبرح عيناها الفتى الذهبي حتى وهي ترد على أسئلة القاضي، وقالت بتلقائية خلقت أجواء من المرح في الجلسة وأعادت النشاط في كل من أنهكه سماع الشهود ليوم كامل "هذا هو الخليفة.. يخاه واشبيه شيان هكذا". النائب العام واصل مساءلة الشاهدة، لكن عيناها بقيتا مرشوقتين في الخليفة تتابعانه بنظرة أسف، ما جعل النيابة تنبهها بالقول "راني نسقسي فيك جاوبيني.. واشبيك ما زلتي تخزري في خليفة".. فردّت الشاهدة بارتباك وحزن بدا من حركاتها ونبرة صوتها "لا يمكنني أن أقول عليه شيئا سوى أنه رجل رائع جدا"، وخرجت الشاهدة من القاعة وهي تحتمي خلف زوجها وتخبأ رأسها في ظهره، دون أن تتوقف عن سبّ كاميرات الإعلام التي صوّبت عدستها نحوها إلى خارج المجلس. خطأ في العنوان وحمل استدعاء الشاهدة طرافة أكثر من غيره، فمصالح الأمن وبدل أن تسلّمه لصاحبته الأصلية التي تحمل في جعبتها تصريحات من شأنها أن تفك ألغاز القضية، وقعت في خطأ العنوان، وراحت تدق باب عائلة إحدى الزميلات الصحفيات لتسلمه لوالدتها، ومن باب الصدفة أن المرأتان تحملان نفس الاسم واللقب، إلى جانب اسم الوالدة والوالد، وحتى مكان ميلادهما "بجاية"، وسنة ميلادهما 1966 ومقرّ إقامتهما "العاصمة"، ولم يكن الفارق إلا طفيفا في شهر ويوم الميلاد بين الشاهدة الحقيقية والشاهد "مشافش حاجة"، ولأن الأخيرة ربة بيت من عائلة محافظة، استغربت سؤال الشرطة عنها وهي التي لا تعرف غير الطهو والغسيل، حتى أنها لم تسمع يوما لا بالخليفة ولا بفضيحة القرن، ما جعل مصالح الشرطة تطوف على بيتها من جديد في صبيحة اليوم الموالي، ولكنها جاءت هذه المرة لطلب الاعتذار على الإزعاج، بعدما تبيّن لهم موقع الخطأ والفرق الواقع، فكان رد الأم لأبنائها "زادو رجعو.. واش يحوسو عندي، شكون خليفة هذا؟. وبقيت علامات الاستفهام تدور في مخيلتها إلى أن تمّ إفهامها رويدا رويدا. مرافعات بأحمد مطر، أحلام مستغانمي ومالك بن نبي "كنت أود أن أرافع بلغة الأرقام، ولكني خشيت تأنيب الضمير، لهذا اخترت أن أفصل في مرافعتي لأنام مرتاح البال يا سيدي القاضي". وتابع الدفاع "وأنا أتابع أمس نشرة الأخبار رحت أقارن بلدي الجزائر بأحد البلدان" وواصل الدفاع مقارنته بين البلدين، ليأخذنا فجأة إلى شخصيات بارزة في الشعر والنثر، وأخذ من عمر المحاكمة ما يكفي ليرافع بكل أريحية وواصل "تقول أحلام مستغانمي.. وقال أحمد مطر، ومثلما قال مالك بن نبي" وكان يبدو أن قائمته لا تزال طويلة، لو لم يوقفه القاضي بعبارة "روح روح للإسمنت يا أستاذ، عندنا برنامج طويل ولازم نكملوه"، ما جعل الحضور يمسكون بطونهم من الضحك. إنها مرافعة المحامي يوسف فلوح، الذي تأسس طرفا مدنيا في حق مؤسسة الإسمنت ومشتقاته بالشلف، وبدل أن يبذل قصارى جهده ويستغل كل ثانية من عمر مرافعته لاسترجاع الملايير المودعة من طرف المؤسسة التي وكلته، ذهب المحامي ليرافع بعظماء الثقافة، فهل يا ترى ستنفع أحلام مستغانمي وأحمد مطر ومالك بن نبي في إرجاع مؤسسة الإسمنت 183 مليار سنتيم التي أودعتها؟. مدير معمل خمر لم يتذوّقه يوما "مكاش لي يخدم في العسل وما يذوقوش"، مثل جزائري شعبي يعني، أنه من النادر أن لا ننتفع بشيء نمسك به بين أيدينا يوميا، لكن المتهم "ب،ح" أراد أن يسير في الطريق المعاكس للمثل، لأن المنفعة جاءته من باب المضرة، فالمتهم مدير معمل للخمور بالحراش، وعمل فيه لمدة 5 سنوات، إلا أنه لم يتذوّق يوما أم الخبائث حتى من باب التجريب، ما جعل القاضي يستغرب ويقول "تخدم في معمل الخمر وعمرك ما شربت.. حاجة مليحة!". يعمل في الخمر ولم يشربه يوما، أليست هذه رسالة للسكارى ليفيقوا إلى وعيهم ويتجنبوا المسكر. سنة حلوة يا "متهم" وتابع القاضي مع نفس المتهم، صاحب معمل الخمر ليستفسره بشأن استفادته من بطاقة "طالاسو" التي تمكنه من الإستجمام في مركز العلاج بمياه البحر بسيدي فرج، مقابل إيداعه أموال المعمل في بنك الخليفة، وهو ما نفاه المتهم الذي حمّل مسؤولية إيداع الملايير ببنك الخليفة لمدير المؤسسة الذي سبقه، مؤكدا إستفادته من البطاقة في 22 مرة ولا علاقة لهذا بذاك، وأنه لا يزال يعتني بنفسه إلى يومنا ويدفع من مال جيبه ليدخل مركز العلاج، كما أنه يمارس الرياضة، وواصل كلامه "ندير سبور، ما نتكيف، ما نشم، ما نشرب الشراب، والبارح برك درت 68 سنة"، ما جعل قاضي الجلسة يواجهه بابتسامة عريضة "أجل يبدو واضحا.. فسنّك لا يتناسب مع جسدك"، ولم يبقى للحضور بالجلسة إلى أن يطربوا صاحب معمل الخمر بأغنية " سنة حلوة يا جميل".. لا عفوا "سنة حلوة يا متهم". "سرار" يأكل الغلّة ويسب الملة ومن طرائف المحاكمة، متهم ينطبق عليه المثل الشعبي القائل "ياكل الغلّة ويسبّ في الملّة"، إنه سرار، رئيس وفاق سطيف، الذي سأله القاضي عن المبلغ الذي استفاد منه فريقه كمزايا مقابل سعيه إلى إقناع عدد من المؤسسات بخصوص إيداعها الأموال لدى الخليفة، وراح سرار يقارن ما حصل عليه فريقه بمصاريف لا تعدُ ولا تحصى حضي بها عديد الفرق، كما استفادوا من الرحلات الجوّية والسيارات السياحية التي كان يدرها مجمّع الخليفة على الفرق الرياضية في عالم الساحرة المستديرة، وقال سرار في تصريحاته أمام هيئة المحكمة "400 مليون سنتيم التي أخذناها إهانة للفريق يا سيدي القاضي، فكيف نحاسب عليها اليوم؟! ". الجزائر عاشت زلزالين مدمّرين في 2003 خانت الذاكرة محامي دفاع الجزائرية للمياه، التي كانت تسمى سابقا منشأة توزيع المياه في الجزائر، وفي تأسسه طرفا مدنيا في القضية طالب باسترجاع 572 مليون دينار التي أودعتها المؤسسة لدى الخليفة، وردد في أكثر من مرة أن المؤسسة خدمت الجزائريين في زلزال 6 جوان 2003 الذي دمّر بومرداس وضواحيها، ولأن التاريخ الحقيقي لا يزال عالقا في ذاكرة كل جزائري بما فيهم قاضي الجلسة وهو 21 ماي 2003، أوقف القاضي المحامي بابتسامة قائلا "هل حدث الزلزال في 6 جوان 2003 أم في 21 ماي.. ذكرونا يا جماعة". سفيه يطوف مجلس القضاء ليغني ل"خليفة" لم يكفي لرفيق مومن خليفة أن جرّ حاشية كبيرة وشخصيات بارزة معه إلى قاعة المحاكمة، حتى أن قضيته شدّت أنظار العالم، بما فيهم العاقل والمعتوه والسفيه، والكلّ جننته القضية اللغز وصنعت حيرته. وأمام بوابة مجلس قضاء البليدة، أين يحاكم الخليفة إلى جانب 70 متهما في قضية أستمع فيها لأكثر من 300 شاهدا، هناك يقف كهل معتوه بهندام غير مرتب وملابس رثة ليغني ل"الغولدن بوي"، بعدما نسج أبياتا شعرية وقام أيضا بتلحينها، ليطوّف بها المجلس يوميا وهو يردد "يا خليفة يا خليفة.. والدعوى ما هيش خفيفة، غير البارح قاعد تتفسح.. واليوم شكون لي رايح يسمح"، مقطع وإن خرج على لسان سفيه معتوه إلا أنه يحمل من الحكمة ما يفي ليسمع الصوت ويبلّغ الرسالة، فصدق من قال "خذ الحكمة من أفواه السفهاء"، ولمن يبحث عن اللحن والصوت، فما عليه إلاّ التوغّل في موقع "اليوتوب" ليسمع القصيد. العدالة بحاجة إلى جهاز كشف الكذب كانت أوّل جلسة للاستماع إلى مفاتيح الإمبراطورية المنهارة "الخليفة"، وفيها انتظر رئيس الجلسة عنتر منور تنوير هيئة المحكمة بشهادات تستغل في الكشف عن حقائق فضيحة القرن، لكنه تفاجأ بأوّل الشهود يردوّن على أسئلته بمراوغة كبيرة وتحايل، وذاكرة تعمّد أصحابها تشويشها لدرجة أثارت غضب القاضي الذي كان يؤكدُ في كل مرة للشهود أن الأحكام الصادرة في 2007 نهائية في حقّهم ولا خوف عليهم من حبسهم اليوم، مثلما كان يذكرٍّهم بإثم كتمان الشهادة، ورغم ذلك وجد نفسه عاجزا على الوصول إلى الحقيقة من أفواه شهود نزعوا ثوب الاتهام ولبسوا عباءة الشهادة، حتى أن أحدهم اضطره لأن يرّد عليه بغضب "أنت تكذب" ويقول للآخر "لو كان للعدالة جهاز كشف كذب لفضحكم" وقال لثالث "ما بك هل فقدت ذاكرتك، هذا كلامك أمام قاضي التحقيق أم أنه زوّره بحضور محاميك؟. فهل هي محاولة من الشهود ليكسبوا الفتى الذهبي براءته، أم هو خوف الزنزانة؟ ويبدو أن الكذب لم يقتصر فقط عند المتهم والشاهد، بل طال أصحاب الجبة السوداء أيضا، أحد المحامين تقدم من القاضي لينوب زميلته في مرافعتها، ما جعل القاضي يستفسره "لماذا لم تأت هي ألا تعمل بالسبت؟ فكان ردّ المحامي "الله غالب طاحتلها جناية أخرى"، لكن المعروف أن الجمعة والسبت يوما عطلة أسبوعية في كل مجالس القضاء، وأن قضية الخليفة صنعت الاستثناء حتى لا تمدد فترتها أكثر. فهل بات قطاع العدالة بحاجة إلى جهاز لكشف الكاذب من الصادق؟. توسّلات للبراءة بكلّ اللغات.. وحتى بالشاوية تنوّعت اللغة والهدف واحد،فمن أجل كسب البراءة لموكّليهم، رافع كل محامي باللغة التي يتقنها أكثر من غيرها، ففيما اختار معظم المحامين الفرنسية لغة "موليير"، اختار آخرون المرافعة بلغة القرآن، ونجح البعض في إيصال أصواتهم ب "الدارجة" التي يفهمها المتعلم والجاهل، لكن محاميا حرّا من الأوراس الأشمّ خرج عن باب المألوف، ورافع باللهجة الشاوية، ما من سبب سوى ليثبت لكل الحاضرين أن لغة الجزائري العربية، وإن خرج عنها فتراثنا الثقافي ثري باللهجات ولا حاجة لنبقى عبيدا لفرنسا الأم. هدوء.. وقت القيلولة لم تقابل قضية "بنك الخليفة" بجديّة كبيرة وصرامة، ففي صفوف بعض المتهمين غير الموقوفين بالجلسة، لاحظنا تصفحهم للجرائد واستخدامهم للكمبيوتر وهم أوّل المعنيين بالقضية، خصوصا وأنهم معرضون لسلب حرياتهم، وفي قفص الإتهام متابعون خلدوا للنوم في ساعة الحزم، بما فيهم رفيق مومن خليفة الذي نام في أكثر من مرة رغم ثقل التهم الملقاة على عاتقه ورغم حاجته لأن يسمع لكل صغيرة وكبيرة تمر عليه، ومن قال أن النيابة لا تنام؟ فزرق الراس محمد لوحظ هو الآخر بعينين مغمضتين في العديد من المرات خصوصا في وقت القيلولة وفي الفترات الصباحية، وقد بدا أن التعب هزمه من قضية امتدت لأزيد من شهر. وغرقت القاعة في نومها وهي تعيش شهادات ومرافعات الملل، شوهد فيها محامون وإعلاميون نياما، إلا أعيننا فبقيت مفتوحة لرصد الكلّ. موقف محرج لكهل قزّم نفسه إلى قاصر يبدو أن المتهم "ت،ص"، لم يرق له أبدا إسالة الصحافة حبرها في فضيحة القرن خصوصا في ذكر الأسماء، فكان أول ما طالب به المتهم عدم التشهير بالأسماء، وهو مطلب رفضه له القاضي في ردّه "لا يمكننا أن نطلب من الإعلام أمرا كهذا، ونقف حجر عثر أمام تنوير الرأي العام، هذا واجبهم وليس فيه ما يمس بشرفكم، لأنكم تمثلون اليوم أمام العدالة ومحكمة الجنايات شعبية، ويبقى المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وأنت لست قاصرا لكي أحميك" وبهذا قزّم الكهل نفسه إلى فتى قاصر ولم يزد اسمه إلا لمعانا لدى الإعلام، فليته لم يطالب. .. وتبقى لمحاكمة القرن مواقف القاعة رقم "1" بمجلس قضاء البليدة، ومثلما كانت شاهدة على ابتسامات وضحكات عديدة، فهي تحفظ لحظات إنسانية تحرّكت فيها الأحاسيس وذرفت فيها الدموع، وخيمت على الجلسة ال14، أجواء حزن، حينما بكى إطارات دولة بحرقة في مساءلتهم عن هاتف نقال، كرسي وحاسوب، فكان شأنهم كمن يحاكم عن "إبرة" في فضيحة 2300 مليار سنتيم، وكان من بين المتهمين حكم دولي قال "صرت أنام بالخليفة وأستيقظ بالخليفة عن هدية حبّبنا فيها الرسول"، وتأثر كل الحاضرين لمثول جان برنارد الجزائري الفرنسي، الذي بكى وطنيته بحرقة وقال "أنا جزائري يا سيدي القاضي ولست ماديا ليغريني حاسوب" حتى أنه ترك الفرنسية جانبا وتحدث العربية بطلاقة. ومن بين المواقف المؤثرة أيضا، عجز متهم في ردّه على أسئلة القاضي، فقضية الخليفة حوّلته إلى أصم بعدما سمع بعودة المحاكمة من جديد وأصيب بجلطة دماغية، ولم تترك له خيارا للدفاع عن نفسه سوى قصاصات ورقية، فتأثر وأثّر خصوصا بعد خروجه من الجلسة باكيا بحرقة، فكان الورق أيضا وسيلته في طلب البراءة حينما منحت الكلمة الأخيرة للمتهمين، وفي الجلسة ال 35 والأخيرة موقف لم يتمالك فيه الكل نفسه في مشهد تراجيدي لم تحبس فيه الدموع، تأثر له الجميع بما فيهم قاضي الجلسة وأصحاب الجبة السوداء، الذين بكوا لحال الموثق رحال عمر، العجوز الذي يساءل اليوم وقد ناهز عتبة ال85 من العمر،دخل القاعة على كرسي متحرك قادما من مستشفى فرانس فانون، حيث استدعت الضرورة القضائية جلبه لإسماعه التماسات النيابة وسماع كلمته الأخيرة، وبين ما سمعه من النائب العام وآخر كلمة له، تدهورت الحالة الصحية للعجوز بعدما سمع بأنه مهدد بتسليط عقوبة 15 سنة سجنا نافذا، فدخل القاعة من جديد على سرير المرض للمصلحة، وهو يرتجف خوفا وبوجه شاحب "أنا بريء.. لا علاقة لي بالتزوير". طويت الصحف وجفّ القلم في الجلسة الأخيرة من المحاكمة وبعد الإستماع لأكثر من 70 متهما و300 شاهد، وبعد التفرغ من سماع عشرات المرافعات وتدوين مئات النقاط، وتسجيل 14 ألف سؤال، بينها 924 سؤالا متعلقا بالنصب والاحتيال، جفّ قلم القاضي عنتر منور خلال مرافعة رفيق مومن خليفة، وكان مجرّد إحساس أن قال دفاعه لزعر نصر الدين للقاضي "هل أعطيك قلما"، وهو ما اندهش له عنتر منور الذي ردّ عليه "كيفاش عرفت بلي حبسلي". وكيف لا يتوقف قلمك يا سيدي القاضي وقد دوّن ما يكفي عن فضيحة القرن.