لم تكن العروض الموسيقية في الشوارع، تعتبر ضمن النشاطات الفنية، فأغلب من كان يقوم بها قد خرج من مدرسة الحياة، فهناك مواهب لم تلق فرصة تعلم الموسيقى حيث كان الشارع " الفضاء الأوحد" لعرضها، لكن من أجل الاسترزاق، فالغاية ليست ثقافية مثلما يحدث في دول أوروبية. منح رئيس المجلس الشعبي الوطني حكيم بطاش، أول رخصة للغناء والعزف في الشارع للشاب محمد دحا الملقب ب"موح فيتا" تصريحا بالعزف في الشارع، وقد انشغل به الشارع منذ الخميس الماضي بعد أن أوقفته مصالح الأمن بسبب احتلاله مساحة عامة من أجل الغناء والعزف بالقيثار. لم تكن شوارع الجزائر خالية من الموسيقى، و"موح فيتا" ليس أول من غنى وعزف في الشارع، فكانت فرقة "بابا سالم" أول من زين الشوارع بالإيقاع والرقص، هذه الفرقة المشهورة التي كانت تقدم عروضا وتعزف بما يسمى "قارقابو"، تمر في الشوارع وتحت الشرفات لجمع الصدقة، ملابسهم تشبه ملابس الصحراويين، يربطون خصرهم بحزام، بالإضافة إلى أوشحة مختلفة الألوان وعمائم فوق رؤوسهم وقلائد، ومازالت هذه الفرق تجول شوارع العاصمة بالهيئة ذاتها وآلة العزف ذاتها. ولعل أشهر الموسيقيين في شوارع الجزائر، هو الشيخ بوبكر أمغار، الذي يعزف بآلة البونجو في سلالم المركز التجاري "النفق" بساحة أودان. محروم من البصر منذ وباء "التيفيس" سنة 1945، هذا العازف الذي قضى فترة طويلة في السجن خلال حرب التحرير، قد أمتع الجزائريين بمعزوفاته، ورغم أنه استعمل معزوفة لسنوات عديدة، إلا أنه كان بمثابة بهجة تضاف إلى يومهم. وحسب فيديو نُشر في اليوتوب، فإن العازف قد توفي سنة 2012. حالة اجتماعية أخرى لعازف أعمى متشرد، حيث يفترش الشارع في شارع "ميسونيي" بالعاصمة، عازف في الخمسين في حالة يرثى لها صحيا واجتماعيا، لم يتحصل على تضامن رسمي من السلطات ولا تضامنا افتراضيا على مواقع التواصل الإجتماعي، ورغم هذا فهو يعطي العنان لموهبته ليستمتع المارّون. في الماضي لم يكن هؤلاء العازفون بحاجة لرخصة من السلطات أو إذن لممارسة الفن في الشارع، وما حدث الأسبوع المنصرم مع "موح فيتا" لم يتوقع أحد أن الأمر سيصل إلى تضامن واسع، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هو الدافع الذي جعل شابا يعزف في الشارع مقابل المال، فنحن لسنا مثل الدول الأوروبية حيث موسيقى الشوارع مسموحة ومستقرة، حيث العزف بكل الآلات وكذا تواجد فرق موسيقية مصحوبة براقصات، بينما لا يمكن أن تتعدى عندنا عازفا بآلة بسيطة. المشكلة اجتماعية وثقافية، فالغرض من هذه الموسيقى التي تُعزف في الشوارع ليس ثقافيا، والملاحظ أن من يلجأون إليها ينتمون لفئات فقيرة جدا، وأغلبهم يعانون من إعاقات جسدية، فيستغلون موهبتهم من أجل كسب المال.