المترددون على شارع ديدوش مراد بالعاصمة، لا بد أن يستوقفهم مشهد مقر اتحاد الكتاب الجزائريين، وهو لا يختلف عن أي "محل تجاري"، أثقلته هموم الضرائب، فلجأ إلى الحل الأسهل بغلق أبوابه والاكتفاء بلافتة علقت أعلاه تعود إلى الزمن الاشتراكي، كتب عليها "إتحاد الكتاب الجزائريين"، كما لو أنها عبارة "تحريضية"، تنبه الغافلين،أو الغرباء عن هذا التنظيم إلى أن الاتحاد موجود "مقرا"، وغائب "ثقافة". في مشهد يحتمل أكثر من قراءة، وأكثر من تفسير، يلاحظ كل من يمر أمام مقر اتحاد الكتاب الجزائريين، أنه مغلق منذ فترة طويلة، مثل أي مقهى وصلت إلى مرحلة ما بعد الخدمة، فإذا تحرك فيه الفضول وسأل عن سبب الغلق، يجد جوابا واحدا، هو أن مقر الاتحاد يخضع إلى عملية ترميم. ومهما كان موقف السائل من الجواب الذي تلقاه، يظل اعتقاده راسخا أن هذا التنظيم الثقافي الذي وصفه الراحل الطاهر وطار ذات مرة، بأنه لا يختلف في شيء عن اتحاد الفلاحين، قد وصل إلى مرحلة" اليأس الثقافي"، أو مرحلة ما بعد الخدمة، فمنذ سنوات طويلة، وهو غائب أو"مغيب" عن المشهد، رغم الحراك الثقافي الحاصل في الساحة، ورغم المناسبات الثقافية الكثيرة التي عاشتها الجزائر، وتتطلب مشاركة تنظيم بهذا الحجم. منذ سنوات طويلة، خيم الركود على مقر الاتحاد الذي تحول إلى مجرد " Maison de rendez-vous"، من خلال "كافيتيريا" وفرتها دار نشر خاصة ببهوه، وتحولت بذلك أكبر وأقدم هيأة ثقافية في الجزائر، إلى مقهى يجمع أعضاء الاتحاد، أو " فارغي الشغل" ممن يقصدون العاصمة، ولا يجدون مكانا يجمعهم، ونادرا ما كان هذا الاتحاد يبادر بعقد ندوة صحفية، أو نشاط ما، يناقش من خلاله الحضور مسائل ثقافية، وأخرى تتعلق بشؤون البلاد والعباد، على اعتبار أنه يمثل رمزا للنخبة الثقافية. في مرات قليلة جدا، ظل اسم الاتحاد يطفو إلى السطح، ليس من باب النشاطات الثقافية أو المبادرات، ولكن من باب الخلافات والصراعات الداخلية التي يعيشها مبنى ديدوش مراد الذي لو عاد إلى الحياة من جديد، لكان أول طلب رسمي يتقدم به إلى أولي الأمر، هو إخراج هذه الهيئة من محيطه الجغرافي حتى لا ترتبط باسمه. أصبح ذكر اتحاد الكتاب الجزائريين مقرونا بالمناورات والحروب الصامتة التي جعلت منه " هيكلا بدون روح"، وجعلت منه أيضا " ممرا آمنا" للمصالح الشخصية التي تعلو على مصلحة البلاد وتتعالى على خدمة الثقافة، فإذا انتهت تلك الحروب، وتحققت مصالح أطرافها، عاد الاتحاد إلى عزلته. من مولود معمري إلى يوسف شقرة.. الزمن بعيد والفرق شاسع ! تأسس اتحاد الكتاب الجزائريين، بتاريخ 28 أكتوبر عام 1963، وفي هذا التاريخ رسالة واضحة من مؤسسي الاتحاد، مفادها أن الجزائر التي خرجت مثقلة بجراح استعمار مدمر عمر أزيد من قرن، لا بد أن تلتفت إلى الشأن الثقافي كي تداوي به أحوالها، عملا بمقولة خالدة لأحد أبناء فرنسا الاستعمارية " شعب يقرأ، شعب لا يجوع ولا يستعبد". واللافت للانتباه أيضا، أن فكرة تأسيس الاتحاد، كانت وليدة حوار جمع ثلة من المثقفين من تيارات فكرية وسياسية مختلفة، في نقاش هادئ على أعمدة جريدة المجاهد، وفي ذلك أيضا دلالة واضحة تفيد بأن الحوار والنقاش يفضيان دائما إلى نتائج إيجابية، حتى وإن كان هذا الحوار بين أشخاص ينتمون لإيديولوجيات مختلفة. وعلى هذا النحو من الاختلاف، نشأ وسار اتحاد الكتاب الجزائريين، كما توضحه التركيبة البشرية لمن جمعتهم الأقدار ليكونوا أول نواة ينسب إليها تأسيس اتحاد الكتاب الجزائريين، فنقرأ في قائمة المؤسسين، الكاتب مولود معمري والشاعر محمد العيد آل خليفة، مفدي زكرياء، أحمد طالب الإبراهيمي، توفيق المدني، هنري عليق، عبد الرحمن الجيلالي، مالك حداد ، محمد الميلي، كاتب ياسين، جان سيناك وغيرهم. ولعل أهم ما يلاحظ على هذه التشكيلة الثقافية، أن أصحابها كانوا ينتمون لمدارس سياسية وإيديولوجيات مختلفة، فمنهم اليساري، ومنهم اليميني، ومنهم المسلم والمسيحي، ولكن كلهم انصهروا في تنظيم واحد، بل أن خلافاتهم الثقافية واختلافاتهم الفكرية، كانت دائما تشكل إضافة إلى المشهد الثقافي، وكان اتحاد الكتاب على عهدهم " جامعة" لإنتاج الفكر الثقافي، ومخبرا لإنتاج الأفكار، وهو ما لم يعد متوفرا بعد رحيل هذا الجيل الذهبي، بل إن "توافق" مسؤولي الاتحاد لم يعد يحرك المشهد الراكد. من منظمة جماهيرية إلى مقهى" قطاع خاص" ! لا يختلف إثنان حول أن اتحاد الكتاب الجزائريين، ولد من رحم الثورة ليكون امتدادا لها في معركة البناء الفكري التي بدأت مبكرا بعد دحر المستعمر الفرنسي، لذلك ليس غريبا، بل ولا نفشي سرا إذا قلنا إن اتحاد الكتاب الجزائريين، وبمقتضى القوانين السائدة وقت تأسيسه، ووضع الجزائر آنذاك، كان كغيره من المنظمات الجماهيرية التي تؤطرها جبهة التحرير الوطني، رغم طبيعة نشاطه التي تختلف كثيرا عن نشاط باقي المنظمات الجماهيرية. بعد إعلان التأسيس، اتخذ اتحاد الكتاب من مكتبة النهضة مقرا له، قبل أن ينتقل بعد ذلك إلى شارع بومنجل بالعاصمة، وقد تشكل أول مكتب له من مولود معمري " رئيسا"، جان سيناك " أمينا عاما" وقدور محمصاجي الذي رحل قبل أسابيع قليلة " مساعدا للامين العام"، وقد استطاعت هذه التشكيلة أن توفق بين واجبات الانتماء الإداري للاتحاد كمنظمة جماهيرية يسيطر عليها الحزب الحاكم، وأهدافه كتنظيم ثقافي، يجمع شتات المثقفين ويؤطر إبداعاتهم ويتبنى أفكارهم، وعلى هذا المنوال واصل اتحاد الكتاب مهمته الثقافية إلى غاية نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، أين خرج بمقتضى دستور 89 من مظلة الحزب إلى فضاء الجمعيات، كما هو عليه اليوم، دون أن يفقد جزء من المهام التي رسمت له كمنظمة جماهيرية في زمن الحزب الواحد، وهي تمثيل الجزائر في المحافل الأدبية والثقافية، غير أن هذه الصفة تراجعت تدريجيا في السنوات الأخيرة، رغم بقاء الاتحاد عضوا في الاتحاد الدولي، وفي الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، لأسباب يرجعها البعض إلى إفراغه من خلال هجرة الأسماء الكبيرة عنه، وتحويله إلى مجرد جمعية محلية، بعد أن استولت الوزارة الوصية على كثير من مهامه، وبات واضحا أن الاتحاد، بدا يتجه نحو "الإفلاس"، حتى باتت جمعيات ثقافية حديثة تنافسه، ولم يعد قادرا حتى على تمويل نشاطاته، مما اضطره إلى تأجير القاعة الأرضية لدار نشر خاصة جعلت منها معرضا دائما لمنشوراتها ومقهى يرتاده قليل من المهتمين بالشأن الثقافي. عمر عاشور: على الاتحاد أن يتحول إلى نقابة تدافع عن حقوق الكتّاب اقترح العضو السابق بالمجلس الوطني لاتحاد الكتاب الجزائريين الشاعر والأكاديمي عمر عاشور، أن يتحوّل الاتحاد إلى نقابة وتنتقل وصايته من وزارة الثقافة إلى وزارة العمل، ليدافع عن حقوق الكتّاب والشعراء، لأنه حاليا يشبه "اتحاد النساء" و"اتحاد العمال" وهذه مفاهيم سياسية أكثر منها ثقافية، ولابد عليه أن يتحول إلى ما يشبه الثقافة. وأصر عاشور على أن اتحاد الكتاب، مازال يسير بعقلية المنظمات الجماهيرية في عهد الحزب الواحد، وهي فلسفة أو سياسية تتنافى وعهد التعددية السياسية والثقافية، لذا ومنذ أن كان عضوا بالمجلس الوطني للاتحاد، يطالب عمر عاشور بتحويله إلى هيئة نقابية تدافع عن حقوق المثقفين والأدباء من حيث الحق في العمل والسكن والضمان الاجتماعي، خاصة أن غالبية الأدباء يوجدون خارج الوظيف العمومي، مما أوجدهم في ظروف مادية واجتماعية صعبة، وإلا فإنه يتحول إلى جمعية ثقافية يمكنها أن تُعنى بالمساهمة في المجال الثقافي المختلف من أدب ومسرح وندوات ثقافية وغيرها، مرجحا النقابة كحل أفضل. وبشأن التنشيط الثقافي، قال عاشور إنه يكفي أن يوكل إلى مديريات الثقافة والنوادي والجمعيات المحلية عبر الوطن، لأن الاتحاد اليوم لا يوجد إلا في شارع ديدوش مراد بالعاصمة كهيكل وفقط، ومرتع يصبو إليه الانتهازيون ويسيطر عليه المفهوم الريعي، وخارج العاصمة لا يوجد ما يسمى باتحاد الكتّاب وكل ما يقال هو مَدعاة. إبراهيم صديقي: لابد من مؤتمر لعودة الاتحاد إلى أدواره الحضارية من جهته، قال الشاعر ابراهيم صديقي، إن الوضع الذي يعيشه الاتحاد لا يليق به بكل المقاييس، وعلى القائمين عليه المُضي إلى مؤتمر جامع في أقرب الآجال وأن يعملوا على لمّ شمل الكتّاب الجزائريين، وأن تُوسع دائرة الاستشارة والمثابرة لإنجاح المؤتمر ليعود إلى أدواره الحضارية التي ينبغي أن يكون عليها، بعيدا عن ثقافة الانتقاص والحروب والنيران الصديقة، وكذا تغليب لغة العقل وحسن التدبير من أجل النهوض بهذه الهيئة لتقوم بمهامها وواجباتها على أكمل وجه لخدمة الثقافة والمشاركة والتفاعل على أرض الواقع. ويرى صديقي وهو عضو قيادي سابق بالاتحاد، أنه ابتعد كثيرا عن المشهد الثقافي، منوّها أنه لا ينتقص من نوايا الناس لكن على القائمين عليه لعب دور الحقيقي يتماشى ووزن هذه الهيئة الثقافية. عبد العالي مزغيش: الاتحاد تسيطر عليه عصبة لها مآرب سياسية وشخصية قال رئيس جمعية الكلمة الصحفي والشاعر عبد العالي مزغيش، إن الحديث عن اتحاد الكتاب الجزائريين قد طال، وقد تمت الشكوى عن حالته المزرية التي أرادها له الرئيس الحالي يوسف شقرة ومن معه، فهناك أشخاص خلفه يحركونه من وراء الستار، لذا فلم يبق إلا أن نكبر أربعا لوفاة هذا الاتحاد على يد يوسف وإخوته الذين استفادوا من تشرذم الكتاب وتفرقهم وعدم اتفاقهم، مضيفا أنه لا يخفى على العاقل المتبصر في وضعية الاتحاد أن نقاط ظل كثيرة يخفيها هذا الوضع المتردي الذي جعل اتحاد الكتاب يتراجع ويتقهقر دوره بسبب أنانية الأشخاص وتستّرهم وتخاذل البعض أيضا. ويضيف مزغيش، أنه مثل أي كاتب غيّور على هذه المؤسسة ينتظر خلاص الاتحاد من "عصبة" لا تريد أن تتركه لِما تأسسَ من أجله قبل عشرات السنين، وهي عصبة تهيمن في السرّ والعلن عليه من أجل تحقيق مآرب سياسية وشخصية لا غير. عبد الحميد بورايو: الحل هو تنظيم مؤتمر لحسم وضع الاتحاد قال الباحث في الأدب الشعبي عبد الحميد بورايو، أنه لابد من مؤتمر يجمع الكتّاب الجزائريين لحسم أمر استمرار الاتحاد، كما لابد من مناقشة الصيغ التي سيعتمد عليها في بقائه إذا ما كان سيستمر، وإلا فلابد من حلّه نهائيا، مشيرا إلى أن اتحاد الكتّاب قد استخدم سياسيا، واضطربت علاقته بالكتاب خلال فترة التسعينات الحرجة لذلك تم حلّه، بعدها سيطرت عليه الشُلَلِية وضاق نشاطه، بالإضافة إلى عدم تلقّيه الدعم من الدولة بعد التسعينات، ومن جهة أخرى لم يتمكن الاستمرار كهيأة تابعة للسلطة ولم يستطع التحول لجمعية مدنية من جهة أخرى، لذلك وجوده مضطرب وهو غير فاعل رغم موقعه الاستراتيجي بالعاصمة. واسيني الأعرج: اتحاد الجزائر لا يختلف عن الاتحادات العربية لا يرى الروائي واسيني لعرج، في اتحاد الكتّاب رهانا ثقافيا، فهو بالنسبة له جمعية كغيرها من الجمعيات، ورغم أنه بعيد عن هذه الصراعات وبعيد عن الاتحاد عموما، إلا أنه يعرف بعض الأصدقاء الذين يملكون النية الطيبة والرغبة في الدفع به إلى مستوى عال، مشيرا إلى أنه على غرار اتحاد الكتّاب الجزائريين، كل الاتحادات العربية قد وصلت إلى سقف عطائها ويجب أن يغير النظام باتجاهها ويكون نظاما أكثر انفتاحا وأكثر حيوية ثقافيا.