إعلامية، قاصة، وروائية فلسطينية، ولدت في مدينة نابلس عام 1951 ،مقيمة في بيروت/ لبنان، حصلت عام 1973 على إجازة في اللغة العربية من جامعة بيروت، عملت في الصّحافة منذ العام 1967م...من أعمالها الإبداعيَّة الروايات :عروس خلف النهر، الآتي من المسافات، امرأة خارج الزمن، عشاق نجمة، الوجه الآخر (مجموعة قصصية)، حذاء صاحب السعادة (مجموعة قصص). آخر رواية صدرت لكِ عن دار الآداب هي "عشاق نجمة"، في هذه الرّواية نجد أنفسنا إزاء ذكريات متراكمة لا تسير وفق خط زمني واحد، وأيضاً فيها تلتقي ثلاث شخصيات في زنزانة واحدة من دون أن يعرفوا التهم الموجهة إليهم، ومن ثلاثة أماكن مُختلفة وهم: الفلسطيني "أبو المجد"، واللبناني "سامي"، والجزائري "لؤي" ، هذا يعني أنَّ الرّواية سبقها بحث في التَّاريخ والمكان لصناعة شخصياتها المُختلفة في بنيتها التَّاريخيَّة والاجتماعيَّة والسَّيكولوجيَّة ...؟ سلوى البنا: لم يكن المخاض في عشاق نجمة سهلاً وأنا التي اعتاد قلمي التقاط المشهد الراهن والعودة به إلى الجذور،أسئلة كثيرة ربما نطرحها على أنفسنا ونحن نعيش مسلسل الهزائم والانكسارات . مجتمعات عربية تنهار، مدن وعواصم تدمر ،تاريخ يُزور ،وهوية تسلب، وقيم وحضارة تشوه، ومواطن عربي يتسول القهر على أبواب زمن غريب...لماذا..؟ وكيف..؟ وإلى أين..؟ ربما هي أسئلة مشروعة لكل صاحب عقل وقضية ولكل من يعاني ارتدادات المشهد الرَّاهن، ولا نكاد نجد لها إجابة في ظل تغييب قضية فلسطين،من هنا بدأت الفكرة، أين فلسطين في هذا المشهد..؟ وإلى أين يأخذنا وكيف سينتهي إن كان له أن ينتهي، ولأن الوطن العربي واحد وهمومه واحدة أو على الأقل هذه هي قناعاتي فلا بد من أن تكون معاناته وخريطته واحدة،والأدب كما أفهمه انعكاس للواقع،من هنا اخترت نماذج الأبطال لتمثل القواسم المشتركة لوطننا ولهموم وتطلعات إنسانه العادي والمثقَّف والمناضل، وعبر مساحات واسعة من التَّواريخ والأحداث الهامة التي شكَّلت محطات وانعطافات في مسيرتنا كشعوب وأوطان ،وفلسطين دائماً هي قلب الحدث وجوهره، منها كانت البداية ومنها تتحدد النهاية، حياة أبطال عشاق نجمة زاخرة بالمعاناة والأحلام وتختزل قضية الانسان العربي وطموحه المشروع للعيش بحرية، وكرامة داخل وطن حر مستقل وفي ظل عدالة اجتماعية اقتصادية إنسانية تحقق له طموحه المشروع،ولا عدالة وقلب الوطن العربي مخطوف وأعني به فلسطين. المكان هو فلسطين، وفلسطين كانت دائماً المكان الرَّئيس لأغلب أعمالك، هذا يعني أنَّكِ تتفقين مع مقولة " الكاتب ابن بيئته" ..؟ سلوى البنا: أنا اكتب فلسطين ،وهذا صحيح لكني اكتبها بنبض فلسطيني عربي، وهي النبع الأساس الذي استمد منه نبض كلماتي، ولا أستطيع أن أرى نفسي كمبدعة فلسطينية إن لم يتعمد قلمي بعشق فلسطين، وتزهو حروفي بألق مدنها، بحرها، بساتين برتقالها، مواويل أهلها، وتراثهم المحفور في كل حرف من حروفها والمزروع في حبات ترابها وعلى شواهد القبور فيها...فلسطين يا صديقي هي وجهنا الجميل الذي نطل به على المستقبل، ولا مستقبل جميلا لهذه الأمَّة بغير فلسطين،صحيح أنَّ " الكاتب ابن بيئته" ومنها يتألق إبداعه او يخبو،وأنا وإن كنت ولدت ونشأت وترعرعت خارج يافا الجميلة البهية إلَّا أنني حملتها تميمة في عنقي،وأمانة من أبي وأجدادي وهدية موعودة للأجيال بعدي،اكتب فلسطين من بيروت من قلب مدينة احتضنتها شعبا وحضارة ولامستها واضاءت عليها ولا تزال،لبنان كان قلب الحدث الفلسطيني وجوهره برموزه النّضاليّة ومثقفيه وحركاته وأحزابه الوطنية واحتضانه الدائم لقضيتها،وأنا حين اكتبها اكتب من واقع هذه الملحمة التي عاشها أرضا وشعبا ودفع ثمنها حروبا وشهداء ودم ودمار،وكان ينهض دائماً كطائر الفينيق حيا ليعيد البناء من جديد، فلسطين حضرت في الحرب الأهلية وفي الاجتياح الصهيوني لبيروت وفي الأحداث المتلاحقة من رحيل المقاومة الفلسطينيّة، عنها إلى مجازر صبرا وشاتيلا وإلى هذا الجرح المفتوح في مخيماتها وأهلها المزروعين في الشتات،أنا في رواياتي هذا الانسان الفلسطينيّ الذي لا يزال يقبض على هويته الفلسطينيّة بيده وبندقيته المصوبة باتجاه،العدو الصهيوني المحتل باليد الأخرى . الرّواية تُلقي الضوء على إحساس الفلسطيني بغربته بعيداً عن وطنه، وكيف أنه يشعر بالتمييز العنصري الذي يمارسه عليه الآخرون،هل هو إحساس وُلد من رحم التَّجربة بما أنَّك مُقيمة خارج المكان - فلسطين ، وحنين إلى الوطن الأم ...؟ سلوى البنا: عانى الفلسطيني ولا يزال يعاني من هذا التَّمييز فعلا، وإن كنت لا أستطيع تعميم الظاهرة؛ لكني في "عشاق نجمة " تعمدت التركيز عليها، كونها حقيقة جارحة ومؤلمة ولها دلالاتها الأبعد من محدودية الحدث؛ والتي تشير إلى موطن الخلل في التركيبة الاجتماعية الفكرية للطبقات المتنفذة في بعض مجتمعاتنا العربية،التي نخر قيمها سوس المال وأفسدت ثرواتها هذه القيم وهمشت جوهر الإنسان . الآن ..أريد أن أعود بذاكرتك إلى أول عمل روائي لكِ ، وهو الولادة الأولى ، والكثير من الرّوائيين عندما يتحدثون عن أعمالهم الأولى يُؤكّدون على المخاض العسير الذي سبق ولادتها ، فمنهم من يعتبر العمل الأول : تمرين روائي يُمهد للقادم من الأعمال ، ومنهم من يُحاول أن يتناساه كلياً مُركزا عن أعماله الأكثر نُضجاً ،أولا: كيف كانت تجربتك الأولى في جنس الرّواية..؟ ثانياً : هل كان عملك الأول بمثابة تمرين روائي أم هو عمل كامل النّضج كالأعمال التي لحقته ..؟ ثالثاً : ماهي الظروف والكواليس التي صاحبت أول عمل روائي لكِ..؟ سلوى البنا: كانت رواية "عروس خلف النهر" هي أول كتاب صدر لي في بيروت عن دارالطليعة ،وإن كنت لا اعتبرها رواية بالمفهوم التقني، للرواية كونها اقرب إلى السيرة الذاتية إلا أنني لا اتنصل منها وهي الأقرب إلى قلبي ووجداني ،حين كتبتها كنت تلك الصبية العاشقة الصغيرة التي ترى العالم كله من خلال عيني فارسها الفدائي الفلسطيني البطل،الشهيد ابراهيم اسطمبولي،في تلك المرحلة كانت الثورة تجسد فعلا ذلك الأمل الكبير الذي احتضنه الانسان العربي قبل الفلسطيني،وأن أكون أنا من يختارها قلب ثائر فلسطيني نذر دمه لفلسطين فهذا يعني لي الكثير،وقبل زواجنا بأسبوع تقريبا استشهد ابراهيم ،كتبت عنه أجمل ما يمكن أن تكتبه عاشقة لفدائي بطل ولم اكتف ووجدتني اكتب هذا البوح الذي كان قطعة من القلب،أردت أن أكرس من خلالها حضور هذا البطل في أجمل قصة حب لم تنتهي كما اشتهى بطلاها بالزواج،خطفت فلسطين العريس المقدسي وتركت عروسه أليافاوية خلف النهر تنتظر، لا أستطيع القول أن هذا العمل كان تمرينا للرواية . فأنا بدأت الكتابة باكرا جدّا ومن على مقاعد الدراسة وأول قصة نشرت لي وتقاضيت عليها مكافأة مالية كنت في الصف،الاعدادي الأول في كلية راهبات مار يوسف للبنات في مدينة نابلس،في الحقيقة أنا كاتبة قصة قصيرة قبل أن أكون روائية ولدي أكثر من مجموعة قصصية نشرت ،وأحدثها مجموعتي القصصيّة التي تحمل عنوان "حذاء صاحب السعادة "والتي صدرت عن الدار العربية للعلوم -ناشرون-،العمل الروائي الأول كان بعنوان "الآتي من المسافات" وصدرت عن اتحاد الكتاب والصحفيين في لبنان،وحقيقة ليست هي المناسبة التي تحكم عملي الروائي لكنها ولادة الفكرة والمعاناة.