يتطرّق المخرج جمال محمدي في كتاب "طاهر حناش.. رائد السينما الجزائرية"، إلى المسار السينمائي للراحل طاهر حناش 1898-1972، وكذا علاقته بالفن السابع واحترافيته، كممثل، مديرا للتصوير، ومخرجا سينمائيا كبيرا في نهاية مشواره، إلى جانب إسهاماته في تأسيس السينما الجزائرية. ويقول جمال محمدي، أن مسار الراحل لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، فكان لابد من إبراز إنجازاته كسينمائي ناجح بكل المقاييس، خاصة بعد نضال وعصامية تُشهد له، فاقتحم ميدان الفن والسينما إبان الاستعمار الفرنسي، وتمكن من السفر إلى فرنسا ليقتحم أسوار قلعة الاستوديوهات الفرنسية، إلى أن فاز بالتحدي وأنجز أول فيلم جزائري خيالي مائة بالمائة في وقت لا يزال فيه شعبه يعيش تحت رحمة الاحتلال، مضيفا أن كل ما مر بالراحل جعله يقدم هذه التجربة الإنسانية والمهنية الجميلة والرائدة، لكونها إنجازا غير مسبوق في الجزائر، وبالتالي فهو مثال يحتدى به من طرف جيل اليوم ليس من السينمائيين فحسب بل من قبل كل فئات المجتمع. ويحوي الكتاب من خلال 120 صفحة من الحجم الصغير، صور الأرشيف وقصاصات جرائد، ومراسلات ولقاءات وصور لأهم الأماكن التي عاش بها الطاهر حناش، بهدف نفض الغبار والتعرف على أدق تفاصيل حياة هذا السينمائي الكبير، بالإضافة إلى الأفلام التي صوّرها أثناء مساره السينمائي الحافل، اعتمادا على الأرشيف الخاص الذي احتفظت به عائلته بعد وفاته عام 1972، وكذا صور بلاتوهات التصوير وكليشيهات الأفلام التي صورها، وبعض الأغراض الشخصية والإكسسوارات، وكذلك صور حصرية تنشر لأول مرة عن طاهر حناش وحياته الحافلة في كل من الجزائر، المغرب، وفي باريس، بالإضافة إلى حوارات وشهادات مخرجين كبار من الجيل الأول للسينما الجزائرية، ونقادا، بالإضافة إلى ابنة المخرج ثريا حناش. يعد هذا الكتاب الأول من نوعه، فهو معالج بطريقة فنية مختلفة عن الكتب الأخرى، فيما يتعلق بالبيوغرافيا والتأريخ، فهو يسرد وقائع في الحاضر بصورة الماضي، وهو يستند على تجربة إنسانية وفنية عاشها طاهر حناش شخصيا بالقرب من الوسط الفني، وبلاتوهات التصوير لمدة قاربت ال50 عاما. ويؤكد جمال محمدي، بأن الراحل تجربة ثرية سينمائيا وأدبيا، وكان لابد من تثمينها، مشيرا إلى رغبته في التأريخ لهذه الشخصية الفنية السينمائية الكبيرة التي قضت حياة رحلتها في 94 عاما، واستعان به كبار المخرجين الفرنسيين، ووقف أمام كاميرته ألمع نجوم السينما الفرنسية. حاول محمدي، من خلال هذا المُؤَلَف أن يبرز مشوارا حافلا قارب 60 عاما من العطاء لسينمائي ناجح بكل المقاييس اقترن اسمه كتقني صورة وكمخرج سينمائي بلقب "الأول"، لأنه أول جزائري يمارس التصوير السينمائي ويدرس السينما والإخراج السينمائي في فرنسا، وهو أول مخرج حافظ على استمرارية الفن السينمائي، وأوجد العلاقة بين السينمائيين الأوائل، ومكن من إيجاد آليات استمراريته على أرض الجزائر المستعمرة آنذاك، وكان الجسر الذي تعبر منه السينما الجزائرية إلى النشأة والتطور، وكان شاهدا حيا على بداية أول فيلم ناطق وهو أول مخرج جزائري يستعمل المؤثرات والخدع في السينما الجزائرية، مضيفا أن تكريم الراحل هو تأريخ للسينما الجزائرية من جهة، ومن جهة أخرى اعتراف بمسيرة إنسان ضحى بشبابه من أجل السينما الجزائرية. يُشار إلى أن جمال محمدي يحضّر حاليا لشريط وثائقي حول طاهر حناش سيُصوَر قريبا، بالإضافة إلى كتاب آخر في نفس المجال بعنوان "بوسعادة والمسيلة مهد السينما الجزائرية"، سيصدر قريبا.