بفضاء بشير منتوري فنون وثقافة *- قراءات لنصوص مكثفة طافحة بالفكر تنشد الأمل فتح فضاء بشير منتوري الثقافي التابع لمؤسسة فنون وثقافة، الباب على مصراعيه لاحتضان الكاتبة الناشئة مريم بنور لتقديم مجموعتها "طائر أذنت له روحي بالمغادرة" التي تعد باكورة أعمالها.حضر اللقاء عدد من رواد النادي الثقافي من كتاب وشعراء، وعائلة الكاتبة الأم والأخت اللتين كانت تتابعنها عن كتب والغبطة تملا قلبيهما. خليل عدة يقع الكتاب في 74 صفحة ويضم نصوصا مركزة ومكثفة عددها إثنا عشر نصا، تتوزع بين النثري وتميل إلى الخاطرة .. وقد صدر عن دار ثالة للنشر وهو من الحجم الصغير وجاء في حلة أنيقة. هي أول تجربة تخوضها مريم مع النشر وتعود النصوص إلى فترة الثانوية، حيث بدأ أسلوبها ينضج رويدا رويدا، ومع تشجيع الأساتذة وأستاذة الأدب العربي تحديدا التي شدت على يدها مشجعة رغم كونها رياضية التخصص، بالإضافة إلى نصوص أخرى كتبتها بمرحلة الجامعة. تأثرت بنور بنزار قباني ميخائيل نعيمة وشعراء المهجر، محمود درويش نصوصها تحكي عن الوطن، الأم، المرأة عموما، التربية، الأبناء وعن مشاعر الإنسان وإرادتها أن تكون مختصرة أرادت أن تصيب المعنى لا السعي وراء الإطناب الممل أو المخل، تريد تقييد المعنى باللغة بالكلمات فوجدت الخاطرة والقصيدة أكثر ملائمة لذلك وهي تميل إلى الإيجاز. خواطر نصوصها ملونة بمشاعر الإنسان. وهي عندما تقول أخي فإنما تعني به الإنسان، تماما عندما تذكر الأرض فإنما تقصد الأرض أو الأصول، ترى نفسها قلما يكتب ويراعا يخط تقرأ بالفرنسية الروايات وتنوي الكتابة بها عندما يحين الوقت ويستقيم الأسلوب، لذلك ترى من وجوب القراءة وإن حصلت الموهبة وحضرت. وترى نفسها قلما يكتب ونصها الأخير "حرة أنا اليوم" وضعت فيه حلمها الخاص وهي رسالة إلى القارئ، وترى نصوصها بمثابة بهو كبير فيه عدة أبواب يقودنا كل باب إلى غرفة بعينها، هذا هو كتابها ولكل غرفة معنى خاص لا يفهمه إلا الكاتب، وقد يتطلع إليه القارئ. الكتابة عندها متنفس أيضا من الاشتغال اليومي والتحصيل في مجال الطب المضني والمتطلب جدا، الكتابة لها بداية ولا يعلم لها نهاية، تحضر وتريد مريم خوض مجال القصة وهي تتحفظ وتترك ذلك مفاجأة للجميع. قرأت مريم في البدء "هل حدث لك يوما؟" جاء فيه "أخي هل حدث لك يوما أن ضاقت بك السبل فرطا، حاصرتك الظنون أو أسأت فعلا، فجعلت الأيام تجرّ روحك تعبا، ولم تجد لك سوى الصمت كفلا، فاستمع قليلا ثم فكر، انظر إلى الحياة هناك، إلى الطفل كيف ينطق.. تذكر أن في أعماقك طفل. كثيرا ما يكفيك فقط تحريره، حتى يحررك صدقك من ضيقك، ثم قرأت نصا آخر عنوانه "الانتظار" وفيه جاء "الحياة انتظار، الصبر انتظار، وأكثر أمور الدنيا لا تبلغ إلا بعد انتظار، قد نصل إلى ما انتظرناه وقد نمضي ونحن في انتظار، ويبقى الانتظار للشعوب رمزا للأمل والوجود وللبشر حلما، تصديقا، عهدا وتمسكا بالحياة، لكنه في النهاية مجرد بصيص أمل سجن بلا أسوار، فعل ترضاه أرواحنا وتتعب منه الأجساد، انتظر وكأنه آخر يوم للانتظار، وشد على قلبك بالأمل، انتظر وإن علمت أنك أخطأت المكان وحتى الزمان مرة أخرى انتظر بصدق لتتعلم، انتظر وأنت تحمد وتوكل، مع صبر كصبر الجماد، ومع الدموع الدافئة إن لزم، أوليس أنسا لك؟ أوليست راحة لفؤادك؟ مرة أخرى انتظر مؤمنا بصدق الأقلام، وإن كانت زائفة زائلة كالأحلام". ختمت بنور جلستها بقراءة نصها الأخير في الكتاب "حرة أنا اليوم" النص الذي استقت منه عنوان المجموعة، جاء في النص "حرة أنا اليوم، حرة هي ابتسامتي اليوم ويا ليتني ابتسم الدهر كله، طائر وقد أذنت له روحي بالمغادرة، مشاعر قد نامت وأحلام من العتاب ارتاحت، طمأنينة زارت وقد صارت تروي، إرادة مع الفجر قد استيقظت، وأنا جئت لأزف خبري لقلمي، انتظرني يا قلمي، انتظرني دوما ولا تسأم مني، رجاء.. تحمل كوني ورقة تلعب بها رياح الحياة، قطرة تسبح في المحيط، الحياة، واركب الأهوال معي واستمع للغدير الصافي معي وتمن لنا أن نزرع طيبا ونسقيه طيبا، لينبت طيبا ونحصد غدا ثمارا تكون طيبة، لنا ولأحبتنا بعد رضا ربنا في الجنان، تذكرني دوما يا قلمي، تذكرني، وكن وصيتي وجمال روحي وحافظها، اروي حكاياتنا وعلمنا كيف نرضى بقدرنا، اروي حكاياتنا وعلمنا كيف نصنع أجمل ذكرياتنا، ثم اروي حكايتي لأخوتي علهم ينتفعون بقصتي، قلمي..إنه وإنك حلمي". وخلال فترة النقاش أمطرها الحضور بوابل من الأسئلة لكنها كانت واثقة من نفسها راسخة القدم حين إجابتها، وجمعت بين المنطق والأدب، وإن مال الكثير إلى تشجيعها والشد على عضدها حتى تحقق أمالها ومبتغاها. هي طالبة في كلية الطب في سنتها السادسة وعلى مقربة من افتكاك الدكتوراه، درست بثانوية حسيبة بن بوعلي بالقبة شعبة رياضيات، حيث تحصلت على شهادة البكالوريا بتقدير ممتاز، ورغم أنها دخلت بوابة العلم والطب إلا أن الحنين إلى اللغة والأدب ظل يراودها منذ مراحل متقدمة، حيث كانت تكتب نصوصا شعرية وخواطر.