من نص "عطاشى" للكاتب اسماعيل يبرير، يصور المخرج حواش النعاس رؤيته التراجيدية الخاصة على خشبة المسرح، وهو أول إنتاج محترف للمسرح الجهوي للجلفة أحمد بن بوزيد. جاء العرض الذي يدخل في منافسة المهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته ال12، بلغة عربية فصيحة، بحيث يتطرق من خلال شخصياته إلى الأقنعة التي يمكن أن يتبناها الإنسان لإخفاء واقعه، بعض من الغموض كان يكسو العرض وتلميحات قد تكون مفهومة كما قد تفتح أبواب التأويلات المختلفة. نص حداثي عالج جانبا من مشاكل الإنسان، جعل الجمهور يتتبعه وينتظر نهايته، نص أبرز صراع الإنسان الداخلي الذي يجعل منه يفضّل الأقنعة على أن يكون طبيعيا، ووراءها يخفي الكثير من الكذب والزيف، وقد يبدو العرض اجتماعيا لكنه في ذات الوقت فلسفي وذهني. يجسد "عطاشى" مجموعة من الشخصيات، هذه الأخيرة تعبّر عن الواقع المعاش والصراع الداخلي في الإنسان الذي يمتلك أسرارا قد يستثمر فيها أشرار هدفهم امتلاك ذمم هؤلاء، والحكاية تدور حول بئر عمقها هو معرفة أسرار الناس، وكان الممثلون يرتدون أقنعة مختلفة لتماشي اللباس بفكرة العرض، كما طرح العرض الصراع بين المرأة والرجل. "عطاشى" وعلى مدار ساعة ونصف تلقي بفصولها التي تتباين بين الرمزية والعبثية، تفاصيل كثيرة ومكثفة برمزيات ومعان متداخلة خلف قصص الشخصيات المقنعة التي تبرز جانبا من الشر الإنساني. أدى الأدوار ركحيا أحمد حسان، محمد عثمان، ريم زوابلية، بن الطاهر أحمد، عمرون محمد، بن بوزيد ثامر، صالح روان، زينب خبيزي، مسعود رقاب، خالد بن تومي، ومع الكوريغرافيا لبن سنوسي صديق وقميري خديجة كضيفة شرف، الموسيقى لحسان عمامرة والسينوغرافيا لمراد بوشهير. قال كاتب النص اسماعيل يبربر، على هامش مناقشة العرض، أن "عطاشى" تسعى بالدرجة الأولى لتفكيك الأزمة الوجودية، هذا العمل الذي يفتح باب تأويلات مفتوحة، رغب بتقديم عمل جزائري خالص، واعتمد على حوار فني بين النص والإخراج ما جعل النهاية تكون عملا جميلا ومتكاملا، مشيرا أن القصة تنزل وتصعد وقد استطاع -حسبه- المخرج تجسيد النص ركحيا من خلال التحكم في أداء الممثلين والديكور الذي خدم موضوع العرض. وفي كلمته، أكد مخرج العمل حواش النعاس، الأكاديمي في فنون المسرح خريج المعهد العالي للفنون الدرامية ببرج الكيفان، بأن "عطاشى" لا تعني سوى أن العقل هو الذي يعاني العطش، بالتالي تتوجه إلى الجمهور لمعرفة مدى عطش عقله، فالأمر لا يتعلق بعطش الجسد، وهما نقطتان لا تلتقيان، لكنهما في حاجة للارتواء.