كسر المخرج أحمد مداح توقعات الجمهور من خلال تغيير كبير لنص صامويل بيكيت "نهاية اللعبة" ليقدمها خلال فعاليات مهرجان المسرح المحترف في "ليكستا"، رغبة منه في تصوير الجزائر في لحظتها وواقعها الحالي. "ليكستا" لتعاونية الفصل الثاني سيدي بلعباس وإنتاج جمعية "النوارس للمسرح والفنون الدرامية"، تصر على زاوية الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي كذلك، بالدارجة العامية في فصل واحد ومكثف، لكن هنا أراد المخرج أن يبرز طريق هذا الجيل الذي وجده كخلاص أو كبصيص أمل أو ملاذ أو بالأحرى هروب، وهنا يتعلق الأمر بتغييب العقل، فعروض كثيرة تطرقت وبإسهاب وفي كل مناسبة عن الهجرة، وهاهو مداح يضع الشباب الجزائري في شخصية وحيدة وهاهو يطلق على عرضه اسم "ليكستا" وهي حبة مهلوسة ومخدرة تنتشر بقوة في أوساط الشباب، وفي العرض مجموع يوميات متشابهة وتناقضات وأحلام ومعرفة حقيقية بأدوات الرفض. في نص بيكيت "نهاية اللعبة" والذي عرضها مسرح سعيدة خلال فعاليات هذا المهرجان وأخرجها ياسين بن عيسى الذي لم يغير منه شيئا، هناك أربع شخصيات منعزلة عن الحياة، تعيش في غرفة مغلقة نوافذها عالية، وفيها يحبس "هام" المشلول الأعمى والداه العاجزان "ناغ" و"نيل" في صندوق قمامة، كما أنه يتحكم بشكل شديد في الخادم "كلوف" الذي يستطيع الحركة لكنه غير قادر على الجلوس ويكتفي بتطبيق الأوامر بشكل بليد، لكن نص مداح قدم شخصيتان فقط الابن والخادم، كما أنه لم يتم الإشارة إلى أسمائهم، ومن باب الأمانة أشار المخرج إلى أنه نص بيكيت، لكنه يختلف عنه كثيرا. سينوغرافيا لعبت دورها كاملا، أخذت كل الخشبة تقريبا، في الوسط كرسي ثابت يجلس عليه الوالد الذي يكبله ابنه، كإشارة إلى هيمنة الأب فلسفيا، مكبر للصوت، شاشة تلفزيون قديمة وأخرى جديدة في إشارة لعدم تغير الأوضاع رغم مرور الوقت، وكذلك ماعون مليء بالماء وكذلك صابون استعملا للغسيل من أجل التخلص من الغبار، بعض القارورات المليئة بسوائل غير واضحة، التي بقيت لغزا ولم يتم الإجابة عنها. في نص بيكيت يكون هام الابن المشلول فوق كرسي فخم، بينما في عرض مداح يكون فوق كرسي عادي ومغلف بكيس كبير من البلاستيك، وهنا العلاقة بين هام الذي يحتجز والديه في نص بيكيت هو المحتجِز وعند مداح هو المحتجَز من قبل الخادم كلوف ورغم ذلك يستمر في تجويع هذا الأخير والتحكم به بطريقة غريبة رغم أن في استطاعته التخلص منه وأكثر من ذلك الهرب بكل سهولة، ولأن كلوف لا يعرف ما يفعله ولأنه تعود على المكان ورغم رفضه لأمور كثيرة لكن تخوفه من المغادرة كان ظاهرا لذلك يستعمل طريقة أخرى في التعبير تميل إلى الهذيان فيغني، ويصرخ ويعبّر كإنسان هذياني. في عرض "ليكستا" يظهر اشتغال المخرج، بالدرجة الأولى في تغيير النص وجعل العلاقة تدور بين هام والخادم، ثم من خلال سينوغرافيا مغايرة تماما يمكن القول أنها معاصرة لاستعمالها أدوات كالتلفزيون، بالإضافة إلى موسيقى الهارد روك التي استعملها وهي في حد ذاتها صرخة، بالتالي أكد لنا المخرج من خلال هذا العرض أنه بأدوات بسيطة يمكن تكوين صورة مسرحية. وأوضح المخرج أحمد مداح على هامش ندوة نقاش المسرحية، أن العرض يقوم على فرضية مجنونة وغير محسوبة، مشيرا أن الخلل ليس في المنظومة التقنية بل في الوسائل الإعلامية، هو -حسبه- بحث عن الذات والبحث عن الإنسان، مشيرا أنه اختار نص بيكيت الآن لأنه الوحيد الذي صور الأعماق بعد معاناة الحروب، مضيفا أن العرض عبثي، هناك انقطاع للتواصل لكن هناك وحدة العمل التي يعتبرها الأهم بالتالي هو مع المضمون النقدي وليس مع أي مدرسة، ويوافق على الحرية في مسرح العبث، لأن وحدة الموضوع تكون غالبا في الأدب. وواصل المخرج حديثه، بأن هناك فراغا رهيبا وعنفا قادمين في المستقبل، ف"كلوف" -يشير- هو شاب يعرف ماذا يرفض ولا يعرف ماذا يفعل، ليختم بالقول "وهو يعبّر عني أيضا".