يعود مسرح سعيدة الجهوي، مساء هذا الأحد (17.00 سا) ليمارس "لعبة منتهية" في الباهية وهران. من عمق اختزالات الكاتب المسرحي الإرلندي الشهير "صامويل بيكيت" (13 أفريل 1906 – 22 ديسمبر 1989)، يقود الممثل الهادئ "عبد الحليم زريبيع" طاقما شابا يسعى برؤية "ياسين بن عيسى" لاستنهاض مكامن شخصيات مسرحية "نهاية اللعبة" على ركح "عبد القادر علولة". وقبل أقل من أسبوع عن المهرجان الوطني الثاني عشر للمسرح المحترف (23 – 31 ديسمبر الجاري)، يقترح الفنان "مرزوق سعيدي" مدير مسرح سعيدة الجهوي، طبقا واعداً على الهائمين بالمراكحات، بالاتكاء على ترجمة الناقد والشاعر اللبناني الحداثي "بول يوسف شاؤول" (75 عاما). "أشكو من أنّ شيئاً ينتهي ... أو أنّ شيئاً لا يبدأ" يُرتقب أن يحفل عرض سعيدة بأسئلة صاخبة ظلت تنطرح في منظومة "صامويل بيكيت"، من قبيل ما قاله المعني في خطاب إلى صديقه المؤرّخ الفني جورج دوثويت: "كما ترى يا صديقى القديم جورج، لقد كنتُ على حق في عدم الكتابة إليك. أنا لا أعرف إلى أين أنا ذاهب، لستُ بالشخص الذي يتحرّك. هناك شيء يصل إلى نهايته، وهذه المرّة لا أرى شيئاً يحلّ محلّه. لا تعتقد أنني أشكو. أشكو من أن شيئاً ينتهي، أو من أن شيئاً لا يبدأ". ومن خلال تصميم سينوغرافي إخراجي ل "ياسين بن عيسى"، وتقمص للرباعي: "عبد الحليم زريبيع"، "نبيل طاهر مغربي"، "الحاج حبيب بن صافي" و"أسماء شيخ"، تتحرك أربع شخصيات تعيش بعيدة عن الحياة في غرفة مغلقة ذات نوافذ مرتفعة، وسط عالم جامد مأزوم بالحوارات المتكررة على وقع عبثي مأسور. وسيتسنى لرواد قاعة مسرح وهران الجهوي، ومتابعي أب الفنون في القادم، الاستغراق في شخصيتي "نيل" و"ناغ" العاجزتان عن الحركة، ويحبسهما الأعمى المشلول "هام" في صندوق قمامة، بينما يرتضي "كلوف" القادر على الحركة والعاجز عن الجلوس، تطبيق التعليمات وبعثرة الأفكار. بتر يشاغب التلاشي في "نهاية اللعبة" خيارات محدودة تفرض البقاء دون حركة أو تغيير، وتجبر المتعاطي على الارتكان في منطقة ظلّ لا مفر منها، طالما أنّ لا وجود لأي فرص، وانتفاء أشكال أخرى من الحياة. وعلى وتر مبتور، يسأل "هام": لماذا تبقى معي؟ فيجيب "كلوف": ليس هناك شخص آخر، ليس هناك مكان آخر، في مناخ مترع بلغة عجيبة بين الأموات على شواهد القبور، ومنع لأي استسلام إلى حنين ذكريات منصرفة إلى لعبة تحار كيف تنهيها، في عارض مكثّف ومتوتّر ومختزل. وكما يقول "شاوول" في ترجمته لصاحب رائعة "في انتظار غودو": "التعاسة هي أكثر ما يُضحك في هذا العالم، نضحك منها، نضحك منها بملء قلوبنا، في البداية، لكنها تبقى دائماً كما هي، تشبه الحكاية الجميلة التي نسمعها باستمرار، نجدها باستمرار جيّدة، لكن من دون أن تُضحكنا". هدير الصمت مضى صامويل بيكيت في صمت فجائعي مثلما كان حاله طوال حياته، وهدأت روحه في وهن شبيه بشخوصه المتهالكة في أعماله المسرحية والروائية. واللافت أنّه بعد أيام عن موت "بيكيت" في مساء خريفي من عام 1989، فتح الألمان بوّابة "براندنبورغ"، وأسقطوا الجدار الفاصل بينهم منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، كما أطاح الرومانيون بنظام "نيكولاي تشاوسيسكو" (25 ديسمبر 1989)، ورفعت جماهير براغ إلى كرسيّ السلطة الكاتب المنشق "فاتسلاف هافيل" (29 ديسمبر 1989)، علما أنّ "هافيل" حُظي بمسرحية "بيكيت" الموسومة "فواجع"، عندما كان في سجون النظام الشيوعي.