ويعتبر الموظف الحكومي أكسلسن والذي يتعامل مع مجتمع المهاجرين أن إقرار القانون يخلق نوعا جديدا من الرقابة المجتمعية بحق من ترتدين النقاب، رغم أنهم يعدون على أصابع اليد في بلدية آرهوس حيث يعمل والتي تعد ثاني أكبر مدن الدنمارك بعد كوبنهاغن وتعيش بها جالية مسلمة كبيرة، ومن بينهم معتنقات للإسلام ونصفهن دنماركيات بالأصل، كما قال في إفادته ل«العربي الجديد» مضيفاً، لدي «مخاوف من أن تفرض على مجموعة محددة عزلة مجتمعية إضافية، أو أن ينسحب مسلمون أكثر نحو مجتمعات خاصة بعيدا عن المجتمع الأوسع»، وهو ما يتوافق مع تقييم منظمة العفو الدولية لقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الصادر بتأييد الحظر العام على ارتداء المرأة النقاب الذي يغطي الوجه كاملاً الصادر في يوليو/تموز من عام 2014 والذي جاء فيه أن «هذا الحكم، سيؤدي في نهاية المطاف إلى إجبار أقلية صغيرة على العيش منعزلة، نظراً لأنه يضطر المرأة إلى الاختيار ما بين التعبير عن معتقداتها الدينية والمشاركة في الفضاء العام». @@قوننة الإسلاموفوبيا دخل قانون حظر تغطية كامل الوجه في الأماكن العامة بالدنمارك حيز التنفيذ في الأول من أغسطس/آب من عام 2018، في تطور لعملية قوننة «الإسلاموفوبيا» بقرارات «تتعارض مع الدستور والحريات العامة»، وفق ما قاله لموقع «العربي الجديد» هانس يورغن عضو قيادة حزب اللائحة الموحدة اليساري المعارض للقانون.وتحت بند «منع تغطية الوجه، سواء باللحى المستعارة أو الأقنعة والقبعات التي تغطي الوجه والبرقع والنقاب»، مرر القرار «حتى لا يتهم المشرعون بأنهم يستهدفون فئة معينة، بما يخالف الدستور والحريات العامة»، وفقاً ليورغن.ومر القانون في البرلمان بعد تصويت برلماني مثير للجدل في 31 مايو/أيار الماضي، إذ أيده وعارضه منتمون للحزب ذاته مثلما ما وقع بالتحالف الليبرالي ثالث أحزاب الائتلاف اليميني الحاكم، والذي ترك لممثليه حرية التصويت، فاختار أغلب الأعضاء التصويت ضد القرار، باستثناء وزيرة التعليم ميريتا ريسايا ومقرر شؤون لجنة التعليم بالبرلمان النائب هنريك دال، فيما ذهب يسار الوسط، الممثل حزبياً عبر الاجتماعي الديمقراطي إلى التصويت لمصلحة القرار، جنباً إلى جنب مع حزبي الحكومة المحافظين والليبراليين (فينسترا) وحزب الشعب اليميني المتشدد، بينما لقي القرار معارضة من يسار الوسط في حزب الشعب الاشتراكي واللائحة الموحدة والبديل وحزب راديال فينسترا، لكن تم تمرير القانون ب 75 عضواً، بينما عارضه 30 نائباً.وأثار تمرير البرلمان للقانون انقساماً في الشارع كما تقول الناشطة الدنماركية المسلمة تينا والتي فضلت عدم ذكر اسمها بسبب مخاوفها وعائلتها من «التحريض على المسلمين، وتزايد احتمالات الاعتداء على المحجبات في الشارع»، كما قالت في تعقيبها أثناء تظاهرة مسائية ضد القانون الجديد في كوبنهاجن، ورغم أنها لا ترتدي لا الحجاب ولا النقاب، إلا أنها كغيرها من الدنماركيين، رجالا ونساء ممن خرجوا إلى الشارع يوم بدء الحظر غطوا وجوههم بكل ما جاء في قرار الحظر، ومنهن نسوة دنماركيات وضعن النقاب على وجوههن، وآخرون حملوا يافطات منددة ومحذرة من الخطوة التالية.«حسناً الخطوة التالية قد تكون حظر الحجاب، وربما حظر اقتباس القرآن، بعدما بدأت تداعيات تطور حالة الاسلاموفوبيا الدنماركية» كما ترى تينا، والتي دللت على رأيها بما جرى بعد تقديم شكوى من أعضاء بالجالية اليهودية ضد أحد الأئمة والذي أحيل للمحاكمة بعدما تحدث في خطبة الجمعة عن اليهود ويوم القيامة». @@البداية كانت قبل 9 أعوام مر قانون حظر تغطية كامل الوجه في الأماكن العامة بعد حملة قادها اليمين المتشدد في الدنمارك، بدأت في 2009، إذ اعتبر حزب الشعب اليميني الدنماركي أن عليه «دفع البرلمان لاتخاذ موقف من الإسلام السياسي في البلد»، وقاد الحملة أحد أبرز قياداته الشابة، مارتن هنريكسن، الذي وللمفارقة يشغل منصب مقرر لجنة شؤون الدمج في البرلمان، والذي قال قبل سنوات أن «الدنمارك الرسمية عليها مسؤولية التصرف وليس الكلام من أجل وقف تمدد الإسلام السياسي في البلد، فالتطرف وغسل الدماغ يجب أن يمنع وحظر النقاب والبرقع أحد أوجهه، وسنعمل خلال 10 سنوات لتأمين نصاب قانوني لتمرير المنع لأمور لا تتوافق والثقافة الدنماركية» على حد قوله. ولم تنجح محاولات هنركسن لتمرير القانون إلا في منتصف عام 2018، بسبب ثبات يسار الوسط على معارضته، قبل أن يغير مواقفه مؤخراً، خاصة بعد استطاعة حزبه المتطرف التحول ليصبح قوة كبيرة إذ أنه ثالث أكبر الأحزاب في البرلمان ويحوز على 23 % من المقاعد، ويؤثر شعبوياً في صناعة القرار حتى قبل تأسيس الفرع المحلي لجماعة «بيغيدا» (أوروبيون ضد الأسلمة) المتطرفة في عام 2013 . @@تعارض مع الدستور عبرت وزارة العدل الدنماركية، في أكثر من مناسبة عن رفض القانون، باعتباره يتعارض مع البند 70 من دستور الدنمارك، الذي ينص على أنه «لا أحد بسبب معتقده أو أصوله يمكن منعه من التمتع بحقوقه المدنية والسياسية كاملة»، وهو ما دفع المتظاهر المنتمي إلى اليسار الرديكالي سورن كريستيانسن لارتداء نقاب معبرا عن احتجاجه قائلا ل«العربي الجديد» :«لم أشارك في التظاهرة لأدعم معتقد أو شيء من هذا القبيل، أنا باختصار أشعر أن الشعبوية والتطرف يتغلغلان ويؤثران على حياتنا وحرياتنا، نحن من الجيل الذي يتظاهر وهو يرتدي الأقنعة، لأسباب كثيرة، الآن يريدون تغريمنا لفرض كشف الوجه لأن اليمين المتطرف يريد وقف من يعارضه ويعتبر تطرفه شيئاً عادياً، سنظل نرتدي الأقنعة وسنعارض هذا الحظر، فليس كل أعضاء البرلمان البالغ عددهم 178 برلمانياً أيدوا هذا الحظر، الذي خلق انقساماً في الشارع، وستخلق قرارات أخرى المزيد».ويرى سورن أن «يسار الوسط بات يجبن ويتبنى مواقف متطرفة في كل مكان في أوروبا، ما يشكل صدمة للمواطنين الأوروبيين وينذر بتحولات متطرفة في مواقفه بعد عقد أو اثنين». @@تحدي الشعبويين على الرغم من أن القانون يغرم من تخالفنه بغرامة تقدر ب 1000 كرونة دنماركي (156 دولاراً أميركياً والتي توازي 134 يورو) وإذا تكررت المخالفات فإن الغرامة يمكن أن تصل إلى 10 آلاف كرونة (1565 دولارا) ، وانتقاد نقابة الشرطة الدنماركية له بسبب «غياب الوضوح في إرشادات وكيفية التصرف مع السائحين وزوار البلد، وما ينبغي أن يجري أمام مقرات دينية ومساجد، مع ما يمكن ان يسببه ذلك من كارثة إعلامية عالمية للشرطة والمجتمع الدنماركي»، بحسب بيانات وتصريحات نقابة الشرطة الصادرة بعد بدء سريان الحظر، فإن عدداً من المنتقبات ومن بينهن سارة يصررن على «عدم نزع النقاب حتى لو غرمت ألف مرة»، وهو ما أيدته الدنماركية الشابة لينا والتي قالت «النقاب اختيارنا وليس اختياركم».ذاك التحدي رصدته بيرغيتا سورنسن، الموظفة التربوية في بلدية آرهوس، والتي قالت ل«العربي الجديد»: «لاحظ كيف أن البعض من المحجبات العاديات ارتدين نقاباً ودنماركيين غطوا وجوههم تضامناً، رغم أنهن غير مسلمات أصلاً، ولا يرتدين ملابس تشير إلى ذلك، سيؤدي القانون للأسف إلى نتيجة عكسية تماماً، رغم أني أعارض النقاب والبرقع، وبالمناسبة لم أصادف أبدا مرتدية برقع بين مئات آلاف السكان في المحافظة، كان يمكن أن تترك القضية بدون اثارة هذه الزوبعة، لكن من البين أننا دخلنا عصر اليمين الشعبوي، ويا ليت القراء يدركون أن ليس كل الدنمراكيين يؤيدون ذلك، والشعبويون ليسوا فقط هنا بل ينتشترون الآن في كل القارة، وهذا شيء مرعب لنا قبل غيرنا».وبالرغم من الإصرار على تحدي الشعوبيين في التظاهرتين المعارضتين لحظر النقاب اللتين وقعتها في كوبنهاغن وآرهوس، تبدي منتقبات مخاوفهن من تزايد «تعرضنهن يوميا لمضايقات لفظية وجسدية وتهديدات في الفضاء العام، ومخاوف كبيرة من أن يذهب البعض في الشارع إلى تطبيق قانون الحظر بنفسه»، كما قالت لينا التي استضافتها بعد تظاهرة كوبنهاغن المحطة الرسمية التلفزيونية الدنماركية دي آر لتلقي أسئلة الجمهور مساء الأربعاء. وأجابت لينا على بعض الأسئلة المتعلقة بالحظر ومنها «لماذا تعترضين والحظر يشمل دولا إسلامية؟»، فأجابت أن «الحظر فيما يرتديه الناس بحرية ليس شيئا نؤيده كدنماركيات منتقبات في أي بلد ولهذا نحن نعارض الحظر ونتمسك بالحق الدستوري» وهو ما تؤيدها فيه ماريا المتظاهرة المتعاطفة مع المنتقبات والتي شاركت في تظاهرة آرهوس. @@ضبابية في تطبيق القرار تواصل معد التحقيق مع إدارة الشرطة الوطنية في كوبنهاجن وسألها عن ما إذا كانت ستطبق الحظر على سائحين مسلمين، أو يابانيين يضعون اقنعة طبية عبر اتصال هاتفي وكانت الإجابة «نحن سنلتزم بالإرشادات، ولسنا من يقرر كيف سيكون الحظر مستقبلا، المشرعون الدنماركيون، لم يتطرقوا في قرار الحظر أيضا إلى مسألة «السائحين والزائرين»، بينما رفض مكتب مارتن هنركسن مقرر لجنة شؤون الدمج في البرلمان وأحد قيادات حزب الشعب اليميني التعقيب على سؤال «العربي الجديد» فيما يخص القضية وكذلك حالة زوجة مهندس باكستاني يعمل في شركة دنماركية تدعى عائشة حليمة والتي قالت للقناة الدنماركية الرسمية دي آر أن «النقاب اختياري الشخصي وليس اختيار زوجي، ولو اقتضى الأمر مغادرة هذا البلد فسأفعل ذلك، لا غرامة ولا غيرها ستجبرني على تغيير قناعاتي».من ناحيته قال زوجها، حليم شاه، المقيم في الدنمارك عبر تأشيرة عمل ويعمل مديرا لأعمال شركة دنماركية كبيرة، «لقد قلت لها أنه خيارها، ويمكنها فعل ما تريد، وإذا ما أرادت البقاء منقبة فلها ذلك، وإن ضبطت وخولفت ما علي سوى دفع الغرامة، رغم أني أتعجب من هذا القانون الذي يقول لك اشتري حريتك مقابل المال».وبحسب منظمة العفو الدولية فليس ثمة شواهد على أن النساء اللاتي يرتدين النقاب مجبرات أو مكرهات على ذلك. فقد بينت الأبحاث التي أجرتها منظمة العفو الدولية وسواها من المنظمات، بما فيها «معهد المجتمع المفتوح» في فرنسا، أن ارتداء النقاب ليس ممارسة متجانسة؛ فبعض النساء يرتدينه جزئياً، بينما ترتديه أخريات لفترات زمنية محدودة فقط. ووجد البحث أيضاً أن النساء اللاتي يرتدين النقاب، وخلافاً للاعتقاد السائد، لا يعزلن أنفسهن بالضرورة أو يشعرن بالرفض تجاه المجتمع كما يلحق ضرراً فادحاً، ويمثل تراجعاً عميق الأثر على الحق في حرية التعبير والتدين، ويبعث برسالة مفادها أن المرأة ليست حرة في أن تعبر عن معتقداتها الدينية أمام الملأ»، وفق ما جاء في تعليق المنظمة على قرار «المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان» الذي أيدت فيه الحظر العام على ارتداء المرأة النقاب، في عام 2014. @@انقسام مجتمع المهاجرين تسبب القانون في انقسام بين المهاجرين القادمين من مجتمعات إسلامية ففي حين خرجت نسوة دنماركيات يرتدين لباساً صيفياً عادياً ليعارضنه، كانت جمعية دنماركية متشددة تسمى «من أجل الحرية» تتظاهر في كوبنهاغن مؤيدة للقانون وترفع أعلام الدنمارك وترسل إلى ساحة البرلمان هدية للسياسي المتشدد مارتن هنركسن عبارة عن رسم ساخر لامرأة عارية بعد أن نزع عنها النقاب، وشكر هينركسن ضيوفه على الهدية معتبراً أنها «لوحة لا مشكلة فيها، ولن تسبب أي حرج كما سببته الرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد «صلعم»، رغم أنه سيكون هناك دائماً من هو غير راض». وكان من اللافت دعم متظاهرين من أصول مهاجرة ولاجئة مؤيدين لحزب الشعب الدنماركي للقانون ومنهم أمينة سردار التي قالت في ساحة البرلمان، أثناء تسليم الهدية لمارتن «أشارك لأني أعتقد أن البرقع والنقاب ليس لهما مكان في الدنمارك، أنا مسلمة، ولا يوجد شيء في القرآن عن ذلك، المسألة تتعلق بالثقافة وليس الدين».