توم هينيجان في البَدْء حظرت فرنسا النقاب، ومؤخرًا قرَّرت هولندا أن تحذو حذوها، ومع انتشار رقعة الجدل المثار حول النقاب والبرقع في أنحاء أوروبا، ربما نكون على بعد خطوات من حظرٍ جديد، ربما يُفرَض على ما هو أكثر من غطاء الوجه أو الرأس. ورغم أن عدد المنتقبات في أوروبا قليل للغاية، وهو ما أوضحه الهولندي يوسف الطنطاس، رئيس لجنة الاتصال بين المسلمين والحكومة، في معرض ردِّه على الاعتراضات التي أُثيرت في فرنسا، قائلًا: "لا يوجد لدينا حتى 100 امرأة ترتدي البرقع"، إلا أن المزاج الأوروبي الذي بدأت كفَّتُه تميل نحو اليمين، هيَّأ المناخ أمام الأحزاب المتطرفة لاستخدام تلك الإجراءات منخفضة التكلفة والمثقلة بالرمزية، مثل حظر النقاب، كنقطة التقاء للعبور إلى السلطة، وتلقى هذه الادِّعاءات قبولًا لدى المصابين بوسواس (التهديدات الأمنيَّة) من قِبَل أشخاص يُخفون وجوهَهم، أو المنزعجين مما يعتبرونه انتهاكًا للمساواة بين الجنسين، هذا التحوُّل نحو اليمين عزاه "رافاييل سيموني"- صاحب كتاب (الوحش الوديع.. لماذا لا يتجه الغرب إلى اليسار؟)- إلى فشل الجناح اليساري في أوروبا، وطبيعة المجتمع الاستهلاكيَّة التي تتسم بالفرديَّة. وفي تصريح لصحيفة "لوموند" الفرنسيَّة، أشار "سيموني"، الأستاذ بجامعة روما، إلى أنه مع تنامي تعداد المسنِّين في أوروبا أفرزت الحداثة خليطًا يتَّسم بالفوضى ويثير القلق من التهديدات التي يبدو أن اليمين المتطرف هو وحده القادر على مواجهتها حتى الآن؛ مما أسفر عن تزايد الأصوات المطالبة بحظر النقاب في أنحاء أوروبا، والتي سرعان ما تتحوَّل إلى قانون ملزِم، على سبيل المثال جاءت موافقة حزبَيْن هولنديَّيْن ينتميان ليمين الوسط مؤخرًا على حظر النقاب في الأماكن العامَّة مقابل دعم حزب الحريَّة اليميني المتطرف-الحريص على وقف ما أسماه بأسلمة هولندا- لحكومة الأقليَّة التي شكَّلها الحزبان، كما سيؤدي اتفاقهما مع "غيرت فليدرز" إلى تشديد قواعد الهجرة. وفي السويد يمسك بميزان القوى الآن بين حكومة يمين الوسط والمعارضة، حزب الديمقراطيين المناهض للهجرة، الذين اعتمدوا في دعايتهم الانتخابيَّة الأخيرة على مهاجمة النقاب. وبينما يؤيد رئيس الوزراء، فردريك راينفلت، حظرًا كاملًا على النقاب، لكن وزير التعليم، يان بيوركلوند، يؤيِّد السماح للمدارس والجامعات بحظرِه. وبعد ثلاثة أيام من تمرير فرنسا قانون الحظر الشهر الماضي، تقدَّم حلفاء حزب رابطة الشمال الذي يتزعَّمُه رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني بمشروع قانون مشابه في روما، وتقدّم حليف آخر لبرلسكوني بمسودة قانون لمجلس الشيوخ الأسبوع المنصرم. وأشادت صحيفة افينير الناطقة بلسان الكنيسة الكاثوليكيَّة، الحظر الفرنسي، قائلة: إن ارتداء الحجاب ليس شعيرةً إسلاميَّة بل رمزٌ لهوية شخصية أيديولوجيَّة. صحيح أن البرلمان الإسباني، ذا الأغلبيَّة الاشتراكيَّة، رفض مقترحًا تقدَّمت به المعارضة المحافظة في جويلية لفرض حظر وطني على النقاب في الأماكن العامة، بيدَ أن قرارات الحظر ظهرت محليًّا؛ فقد حظرتْ برشلونة النقاب داخل المباني العامة في يونيو، بعدما فرضت مدينتان صغيرتان في إقليم كتالونيا، هما "ليريدا" و "الفندريل"، حظرًا مماثلًا في وقتٍ مبكِّر من هذا العام. وفي بلجيكا، أقرَّ مجلس النواب حظرًا على النقاب في أفريل، لكن الحكومة انهارتْ قبل أن يناقشه مجلس الشيوخ. وفي سويسرا، قام الحزبان اللذان كانا وراء الاستفتاء الذي أُجري بصورة مفاجئة العام الماضي لحظر بناء المآذن، بحثّ عدد من المقاطعات على التقدم بمشروع قانون لحظر النقاب للبرلمان الفيدرالي، صحيحٌ أن أي جهة لم تتقدمْ بمشروع، لكن الجدل ما يزال مستمرًّا. وأظهر استطلاع أُجري مؤخرًا أن 61% من الألمان يفضِّلون حضر النقاب، لكن الجدل هناك مركَّز أكثر على ما أثاره "تيلو ساراتسن" بعد استقالتِه من مجلس إدارة البنك المركزي عقب نشره كتابًا يحطُّ من قدر المهاجرين المسلمين. فيما يحظَى الحظر بدعم وزير دولة وأسقف كاثوليكي في بافاريا المحافظة، بالإضافة إلى الناشطة أليس شفارتسر، وهي من أبرز المدافعات عن حقوق المرأة في البلاد. وفيما يعارض وزيرَا العدل والداخليَّة في ألمانيا الحظر، تتخذ المستشارة الألمانيَّة أنجيلا ميركل موقفًا أكثر تشددًا تجاه الهجرة، فيما يبدو أنه ردّ فعل لشعبيَّة ساراتسن. وفي النمسا بدأ حزب الحريَّة المعارض يكسب أرضيَّة في استطلاعات الرأي الرسميَّة بتوجهِه المناهض للمسلمين وللهجرة، وقال المستشار الاشتراكي فرنر فايمان: إن الحظْر "يمكن تصوُّرُه"، وأن الشركاء في ائتلافه المحافظ يريدون مناقشة الأمر. وأثير الأمر في البوسنة، التي تحظى بأغلبيَّة مسلمة، رغم قلَّة عدد المنتقبات.