يعتبر الغناء من الوسائل التعبيرية التي تنطوي تحت المفهوم العام للفنون الشعبية والتي تبقى على اختلاف طبوعها وأشكالها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالبيئة التي ولدتها وترعرت في أحضانها، من أجل ذلك كثيرا ما اعتبرت الموسيقى التي يبدعها الشعب تراثا يعبر عن البيئة في أصالتها أكثر من كونها ضربا من ضروب الإبداع الفردي .والباحث في أنوار التراث الموسيقي الجزائري، تصادفه العديد من الطبوع المحلية التي تتنوع باختلاف المناطق، وإذا أخذنا الجنوب الكبير، نستشف تراثا غنائيا مميزا، ينم عن العمق الحضاري والثقافي الذي يضرب بجذوره عميقا عمق أصال الإنسان البربري الأول الذي وطأت أقدامه هذه المنطقة التي لا تزال تحتفظ بعذريتها التراثية والثقافية عربونا على أصالتها وعمقها التاريخي وامتدادها عبر الزمن، فنجد مثلا موسيقى القناوي وموسيقى "أهليل"، هذه الأخيرة التي شهدت بداياتها الأولى بمنطقة "فواراة" التابعة لولاية أدرار، كنز زاخر بأغنى التركيبات اللّحنية والإيقاعات القوية.تضاربت أراء الباحثين في الموسيقى الجزائرية حول تسمية "أهليل" كما تعددت أراء سكان أدرار أنفسهم، حيث هناك من أرجعها إلى الإنسان البربري الذي استوطن الجنوب الجزائري، في حين ربطها آخرون بالديانة الإسلامية، فنسبوها إلى أهليل حيث جعلوا لها أبعادا دينية تتجسد في الأذكار والاستغفار وذكر الله التي ترد عادة في استخبار البداية. تؤدي موسيقى أهليل، فرقة تتكون من عشرات الأشخاص، يكونون عادة أبناء دشرة واحد، حيث يكونون حلقة دائرية أو قوسا يتوسطها قائد الفرقة، تستهل الجماعة الاستخبار عادة ب "لا إله إلا لا الله محمد رسول الله"، ليعلو بعدها صوت قائد الفرقة، وأجمل ما في هذا الطبع الموسيقي هو اللباس التقليدي الموحد الذي يؤكد على عراقة وأصالة أهل أدرار، والصحراء عامة، إضافة إلى توقيت أدائها، الذي يكون عادة في الليل أين تزيده النجوم المتلألئة والمتناغمة مع تصفيقات الحضور رونقا خاصا، يبعث فيك إحساسا غريبا وجميلا يحيلك على عالم هادئ وبسيط، يبعث فيك الاستغراب والاندهاش، لبساطة الآلات التي يعزف عليها أعضاء الفرقة، في مقدمتها الناي الذي يلعب الدور الأساسي في إحداث الإيقاع، فهو الذي يضبط النغم، المتبوع بآلة القمبري، والدربوكة، التي تضعان بطريقة بجلد الحيوانات كالماعز والجمل، في شكل قيتارة، عندها أو أربعة تشكل من أحشاء الحيوانات، لها صوت مميز وإيقاع قوي، أما الدربوكة فتصنع هي الأخرى من جلود الحيوانات، حيث يختلف إيقاعها بإختلاف نوعية وسمك الجلد المستعمل في صنعها، ظهرت في السنوات الأخيرة، العديد من الفرق الموسيقية التي تغنت بطبع "أهليل" شاركت في العديد من المهرجانات الموسيقية والثقافية داخل الوطن وخارجه وقد لاقت هذه الموسيقى الترحيب والإعجاب من عديد الدول ممن تمتلك الذوق والحس الفني، على غرار فرنسا، بولونيا، اسبانيا، ايطاليا وحتى كندا، فهي جزء مهم من الفلكلور الصحراوي، يجمع بين ثلاثة أوجه، عراقة الشعر الشعبي، اللباس التقليدي العريق، والمديح الأصيل، الذي يجعل السامع يغوص في بحور الاسترخاء، والخشوع مع الخالق عزوجل.ونظرا لتميز موسيقى "أهليل" التي طبعت مختلف مناسبات منطقة الجنوب الكبيرة، ونظرا لعمقها الحضاري والتاريخي وتجذرها وبعدها فقد أدرجتها منظمة اليونسكو للتربية والنظافة والعلوم، في ال 5 من نوفمبر 2005، ضمن ال 43 نوعا موسيقا شفويا الأكثر عراقة لتبقى موسيقى "أهليل" صامدة في وجه التطورات التي مست مختلف حافظة لعراقة أصالة الجنوب لتظل على مر السنون جزءا مهما من الفلكلور الموسيقي الصحراوي الأصيل.