التعبيرات الحركية والنغمية من أول الفنون التي عبر بها الانسان حتى كادت تكون فطرة فيه وغريزة جبل عليها منذ أن خلقه اللّه سبحانه وتعالى، فكان الرقص الذي يعبر عن الفرح وإحياء الأعياد والمناسبات والانتصارات والأعراس وكل الطقوس الفرحية التي يعبر بها الإنسان، والرقص لم يكن معزولا عن الإيقاعات التي منها انبثقت موازين الموسيقى ونوتاتها وأصبحت فنا قائما بذاته وهكذا تنسجم الحركة الجسدية مع الأنغام والايقاعات الموسيقية لتشكل ثقافة شعبية تضاف للشعر والرسم والنحت ولتعبرعن ثراء الشعوب ومساهماتها الثقافية وتترجم من خلالها الأحاسيس والوجدانات، وهكذا هي الجزائر ألوان من التعابير الموسيقية والغنائية وهذا ما ترجمته في سنة الجزائر عاصمة للثقافة العربية 2007 . إن تحريك الفعل الثقافي لم ينحصر في المستوى العربي فقط مما قدمه من طبوع بل كانت للجزائر فيه عملية التحريك الكبرى، وهكذا كان للموسيقى والغناء والكوريغرافيا إنجازاتها المشهودة ليس على مستوى المركز، بل تجاوزته لتعم القطر الجزائري، وذلك من خلال تنظيم جولات فنية لمطربين وفرق موسيقية تجاوزت الخمسين جولة تم من خلالها تقديم أكثر من 300 عرض· وإلى جانب الجولات الفنية بعروضها وفروضها كانت هناك حفلات موسيقية جوارية احتضنتها المراكز الثقافية والساحات العمومية والأحياء الشعبية والإقامات الجامعية في كبريات المدن الجزائرية· إن التميز الموسيقي بنسيجه المتناغم والمتواصل عبر أطراف الوطن جعل من الجهات المشرفة على إبراز هذا النوع من تنظيم جولات لأجواق وفرق الموسيقى الأندلسية إحياء لهذا الموروث الموسيقي العربي الذي امتدت ظلاله على كامل ربوع البحرالأبيض المتوسط وأصبح تراثا إنسانيا مشتركا بين الشعوب وحضارة لا يمكن الإستغناء عنها· ولم تقتصر المبادرة بالموروث الموسيقي الأصيل، بل عبرت من خلاله إلى الموسيقى العالمية الكلاسيكية في إطار الجولات التي قامت بها الأركسترا الوطنية للموسيقى السمفونية· الموسيقى لم تكن حاضرة في عاصمة الثقافة العربية في إطار المعزوفات والسهرات والجولات التي أنجزتها بل كان للفكر الموسيقي مذاقه العلمي والمنهجي المتميز والذي تمت ترجمته من خلال تنظيم المؤتمرالتاسع عشر للمجمع العربي للموسيقى تحت مظلة جامعة الدول العربية· كما تم تنظيم ثلاثة عشر مهرجانا موسيقيا دوليا ووطنيا ومحليا في مختلف الطبوع الموسيقية بمشاركة العديد من الدول العربية والإفريقية والإسلامية والمتوسطية· أما الوجوه الفنية العربية فقد كانت هي الأخرى حاضرة تلبية للدعوات التي وجهها لها الديوان الوطني للثقافة والإعلام فأحيت سهرات فنية كان لها مذاقها المتميز· وحتى تكتمل الدورة الموسيقية وتشد أوتارها بين بلد وآخر من أجل بناء تشكيل موسيقي عربي متناغم تم تنظيم إقامات(ورشات) إبداعية مشتركة ثنائية مع العديد من الدول العربية في مجالات الموسيقى والشعر والكتابة، كللت بنشر أعمال مشتركة منها خمس إقامات موسيقية، كما أن الجزائر عاصمة الثقافة العربية لم تغضض الطرف عن الذين ساهموا في إثراء الثقافة العربية وعملية تحديثها وتجهيزها وترميم تراثها و تسجيله ، فتم بذلك تكريم العديد من الوجوه الموسيقية الجزائرية، التي زادتها تشجيعات فخامة رئيس الجمهورية تألقا من خلال الإعلان عن تأسيس جائزة باسم فخامته للمبدعين الشباب والإعلان عن الفائزين بها· ولم تتوقف وتيرة الثقافة في هذه المحطات فقط بل كانت لها بصماتها الواضحة من خلال إنجاز أثني عشر عرضا كوريغرافيا من العروض الموجهة للأطفال· وهكذا لا يمكن في هذه العجالة أن نلمس كل ما تم إنجازه خلال هذه السنة في إطار جردي، وإنما نكتف بذكر بعض المنجزات منها الشروع في تدوين وتسجيل وإعادة تسجيل التراث الموسيقي، وضع بنك يضم إبداعات الفنانين، تنظيم المهرجان الثالث عشر للأغنية العربية الذي توج بتوزيع جائزة الميكرفون الذهبي تنافس عليها مطربون من ثلاث عشرة دولة عربية· هذه بإيجاز بعض المحطات الكبرى التي أردنا من خلالها أن نتصفح مذكرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية وتقديم بعض منجزاتها فيما يتعلق بالموسيقى والغناء·