كم هي تكاليف إعداد و تنظيم القمم العربية كتلك التي انعقدت أواخر مارس في الأردن ؟ لا يمكننا معرفة ذلك , لأنه سر من أسرار العرب , و قد تكون التكلفة بالفعل مجهولة , لأن العرب مشهورون "بكرم الضيافة" , و ما ينفق على الضيف مهما ضخم يبقى ضئيلا في عين المضيف ,الذي لا يكلف نفسه إعداد فاتورة الضيافة , أو كشف الحساب لمن يهمهم الأمر من الشعوب العربية . و لذا لم يطلب أحد منهم مثل هذا المطلب و اكتفى أحد المعلقين بعدم عقد مثل هذه القمم -التي تتكرر إعلاناتها و توصياتها بنفس الصيغ في كل طبعة مع تفصيل هنا و إطناب هناك و إيجاز بينهما – و توجيه تكاليفها لتجسيد بعض هذه التوصيات على أرض الواقع , و عدم استئناف عقد القمم إلا بعد استنفاذ كل القرارات و التوصيات المتراكمة منذ 72 عاما دون أن تعرف طريقها إلى التطبيق . و من التوصيات المعلقة , تلك الداعية إلى ضرورة الإصلاح الجذري لهياكل و آليات عمل جامعة الدول العربية, بشكل يحررها من الأهواء الفردية, و النزوع نحو الأحلاف الفئوية أو الإقليمية , داخل هيئة من المفروض أن تكون كتلة واحدة موحدة . و هو ما تطالب به الجزائر منذ أكثر من عقد من الزمن ,حيث سبق لها وأن دعت، في القمة التي استضافتها عام 2005 ، إلى إصلاح جوهري لعمل الجامعة، يشمل التناوب على شغل منصب الأمين العام بين الدول الأعضاء, غير أن الاقتراح لم يعتمد , رغم أن ميثاق جامعة الدول العربية ,لم ينص صراحة على أن يكون هذا المنصب حكرا على عضو دون الأعضاء الآخرين, خلافا لمقر الجامعة. و حتى هذا التغيير - إن حدث- يبقى شكليا إذا ما قورن بالإصلاحات العميقة التي تطالب بها الجزائر,التي تتولى إلى غاية سبتمبرالمقبل الرئاسة الدورية للمجلس على المستوى الوزاري في دورته ال147 , "وتضع في مقدمة أولوياتها عملية إصلاح وتطوير الجامعة العربية لكي تتفاعل مع التغيرات الإقليمية والدولية بما يعزز إمكانياتها في التجاوب مع المقتضيات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية وطموحات الشعوب العربية"... حسبما نقلته الصحافة عن وزارة الشؤون الخارجية. و هي الإصلاحات التي جدد السيد عبد القادر مساهل وزير الشؤون المغاربية و الاتحاد الإفريقي و جامعة الدول العربية, تأكيد الأهمية التي تكتسيها في الظروف الحالية , قصد التكيف مع التحديات الإقليمية و الدولية التي تواجه الدول العربية , والتي تتفاقم من عام لآخر . و تدعو الجزائر في إطار مشروع الإصلاح المقترح إلى تبني تجربة الاتحاد الإفريقي و قال السيد عبد القادر مساهل، للإذاعة الوطنية قبيل انعقاد القمة العربية ال28 بالأردن :«قدمنا مساهمة كبيرة في إطار مشروع إصلاح الجامعة العربية؛ لأننا بلد عايش تحولات كبرى داخل الاتحاد الإفريقي، الذي شهد تغييرات عميقة في عمله وإعادة تأسيس للعمل الإفريقي المشترك والتي أعطت نتائجها".في إشارة إلى تحول منظمة الوحدة الإفريقية إلى اتحاد إفريقي، مقره العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، عام 2002, بميثاق عمل وهياكل جديدة.و هو التحول الذي أثمر نتائج إيجابية أجملها الوزير في توصل الأفارقة إلى "حل عدة أزمات في القارة، وتسجيل عمليات إصلاح كبيرة لأنظمة الحكم باعتماد الانفتاح الديمقراطي ... فضلا "عما شهدته إفريقيا من نمو اقتصادي إيجابي، إذ بعد أن كان سلبيا في عقد التسعينيات أصبح اليوم معدل نمو القارة بين 7 و8%، كما أن القارة أضحى لها صوت موحد في المحافل الدولية"... و "هذا هو نوع الإصلاحات الذي نريده للجامعة العربية، وسنقدم مساهمتنا في هذا الاتجاه- كما صرح الوزير – مضيفا أن " الجزائر ما زالت تدعو إلى إصلاح عميق للجامعة العربية؛ فهناك تطورات وأزمات في المنطقة، إلى جانب التهديد الإرهابي، وهي ملفات لا تملك المنظمة أدوات للتعامل معها"...قبل أن يذكِّر بأن "ملف الإصلاح ليس جديدا، وقد أوكل لفريق عمل سابقا بقيادة الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي, وقدم تقريره إلى أمانة الجامعة منذ مدة"... و سؤال الختام ,هل سيتم تفعيل هذا الملف , أم أنه سيبقى في الحفظ وصون الأرشيف "الميت" لجامعة الدول العربية , كي يصنف بعد أن يحنطه الدهر"أرشيفا تاريخيا"؟