لم تساورني الشكوك يوما مذ بدأت الكتابة عن بعض التجارب الأدبية في أن الذين يعملون في صمت بعيدا عن الهرج والمرج أكثر دقة وعمقا من غيرهم كما أنني أتيقن أكثر كلما فتشت في الجغرافيا البعيدة عن العاصمة و ما جاورها أن الأسماء التي تختفي بين الكثبان والتلال لها مخزون معرفي وشعري بإمكانه صناعة مشهد ثقافي ممتاز لو تجد المنبر الذي يوصل الصوت كاملا بدل الصدى الذي يضيعه حيف الحياة اليومية و مشاقها والذي لخصه شيخ ضيف الله في مجموعته الشعرية الأولى «لو كان لي أجنحة» هذه الباكورة التي جاءت في ظرف ملائم يشبه ظروف كتابتها حيث نشرت في وقت سابق عن الدخول الأدبي هذا الأخير الذي يعرف ضوضاء كبيرة إعلامية وواقعية تضيع داخلها الكثير من الكتب المهمة حيث تمر دون انتباه. «طائر بلا أجنحة»مجموعة شعرية تقع في 72 صفحة,صدرت عن دار الكلمة الجزائرية.تجمع ثلاثة وثلاثين نصا يتجه صوب قصيدة النثر بخطى واثقة حيث يواكب شروطها القاسية ويتحمل واجب الدهشة ومقتضياته فيكتب «شيخ ضيف الله» نصوصه ضمن أفق مفتوح على التأمل والرؤى فيناقش سؤال الموت قائلا : لا نريد أن نحاسب حين نموت / نود أن نصير حجرا / أو وردا يوزع أشواقه. فيطرح المتلقي البسيط سؤال المساحة بين الحجر والورد,بين الموت والأشواق وليس هناك أجمل من هذه النماذج لإثراء التسامح في المخيال العام واقرار صلح أبدي بين الخوف والجمال لتصبح النظرة البانورامية لقراء الشعر نظرة باحثة عن كل احتمال لجمال ما ضمن جميع الآفاق المتاحة خارج الكآبة القاتلة التي ولدت الانسان الخجل الذي لا يجد أي جمال في منظر طبيعي يراه المتصالح مع نفسه آية لأسباب تتعلق بقناعات تبيد كل رؤية مختلفة لا تلقي بنفسها في التشاؤم الذي صار عرفا.شيخ يرسم مساره الشعري برؤية فلسفية تعد بقادم أجمل ويعبر عن التماهي مع الكتابة فيقول : أموت يوما بطعنة حبر/ أو قصيدة /أو حكاية فمقاربة الحبر على أنه موت يفضي إلى سؤال الجدوى ضمن سياق يرى الكتابة مقاومة لموت محتمل أو نهاية سابقة لأوانها فمتى تصبح الكتابة طعنة ؟ فقط في أوطان تعيش خارج مدار السمو بمعناه العاطفي يحول الشاعر إلى هاجس وصورة عاكسة للألم ففي هذه السياقات الصعبة على الانسان العربي على وجه الخصوص يتراجع صوت النشوة والفرح ولا تكتب القصيدة إلاّ الأهوال فعناوين قصائد «شيخ ضيف الله» حزينة وقريبة من شاعرية الخسارة التي دأب عليها الشعر العربي خلال العقود الأخيرة ومنها : حفلة الوحيدين / نافذة على الجرح /زمن عاثر / فشل بطعم الحب. عزز الكاتب والإعلامي المعروف «عبد الرزاق بوكبة» المجموعة الشعرية بكلمة تلخص رؤيته لمشروع شيخ ضيف الله الذي تبرز ملامحه من خلال تساؤل بوكبة : هل سيمضي فتى الشمس هذا في مد أصابعه إلى أقاليم جديدة توحي هذه الباكورة أنه خلق لها ؟ وتجدر الإشارة إلى أن المجموعة الشعرية « لو كان لي أجنحة» صدرت بدعم من جمعية صافية كتو للإبداع الثقافي.