يُعد الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون أوّل رئيس فرنسي لم يعاصر الثورة الجزائرية وهو عامل نفسي مهمّ في التعامل مع ملف الذاكرة دون ضغينة أو أفكار أو مواقف أو املاءات مسبقة كما عهِد مَن ترأسوا الجمهورية الخامسة منذ 1958. و في الذكرى ال 55 لاسترجاع السيادة الوطنية يطفو على السطح مجدّدا ملف الذاكرة المشتركة بين الجزائروفرنسا، ملف لا تزال مخرجات معالجته نهائيا معقّدة ، ففرنسا يغلب على موقفها تجاه ما تسميه « أحداث الجزائر « تأثرها العميق بالرأي العام الفرنسي و الذي برهن مرة أخرى عن سلبيته تجاه الثورة الجزائرية بموقفه في إحياء ذكرى 19 مارس 1962 و التي قال بشأنها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولند العام الماضي :استحضار الذاكرة بسلام هو التطلع إلى المستقبل « مضيفا أنّ :«تأجيج حرب الذاكرة هو البقاء رهينة الماضي والسعي إلى سلام الذاكرة هو التطلع إلى المستقبل «. تصريحات و إن كانت قد حملت في ثناياها اختصارا كبيرا للهوة التي رسمتها حرب الذاكرة بين البلدين منذ استقلال الجزائر ، فقد ناهضها يمينيو فرنسا و متطرفوها و الحركى و أنصار الجزائر فرنسية ، ما يؤكد مرّة أخرى أنّ الذاكرة الجماعية في البلدين لم تندمل جراحها بعد . و السلوك الذي انتهجته فرنسا منذ خروجها من الجزائر رسم مسافة طويلة في المصالحة بين الدولتين و الشعبين ، فراحت باريس تنزع عن نفسها صفة الدولة المستعمرة و المحتلة مع أنّه يجب أخذ التاريخ كما هو ليعرض على الشعوب فتتعلّم منه و تتحصّن أيضا به ، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال استذكار التاريخ المشترك من أجل الانقسام لأنّ عظمة أي بلد عندما يكون قادرا على المصالحة مع تاريخه و مع نفسه ، و مع ذاكرته ، و البلد الكبير هو ذلك الذي يستطيع المصالحة بين كل الذاكرات و الاعتراف بها و ليس محو بعضها لأنّه غير مشرِّف أو ينتقص جزءا من كبريائه و عظمته. و في خضم التطوّر الذي يعرفه الخطاب السياسي الرسمي الفرنسي الذي زاد عليه الرئيس الحالي إمانويل ماكرون خلال حملته الانتخابية و زيارته إلى الجزائر قوله : « إن الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي. إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، إنه وحشية حقيقية وهو جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات « ، في خضم هذا التطور و تسمية الأشياء بمسمّياتها يبدو الطريق ممهدا لتشتغل الجزائر على تحقيق أهداف ظلّت عالقة منذ عشريات و تتمثل في الاعتراف الفرنسي الرسمي ب « أحداث الجزائر « و تقديم الاعتذار و عندما يتحقق المطلبان يصير الوصول إلى الأرشيف المشمّع في باريس ممكنا واسترجاع جماجم شهداء الثورة الكبرى المعروضة في المتاحف الفرنسية غير مستحيل و المطالبة بتعويض ضحايا الثورة و شهداء 17 أكتوبر و التجارب النووية في حمودية و غيرها ممكنا . و يبقى الفصل في المسائل التاريخية للمؤرخين فخطاب هولند و ماكرون يؤسس للمستقبل و هذه خطورة كبيرة خطتها فرنسا بعد أكثر من نصف قرن على استقلال أكثر و أهم مستعمراتها . ففي التجارب النووية التي خاضها المستعمر في الصحراء الجزائرية مات ما لا يقل عن من 25 ألف في الجزائر و قالت وزارة المجاهدين في الذكرى الثانية و الخمسين للاستقلال أنّ عددهم وصل إلى 30 ألف ضحية و مضاعفات النتائج الوخيمة مستمرة إلى اليوم في الولادات المجهضة و حالات العقم و التشوهات الخلقية و العمى و السرطانات ربما على امتداد مائة سنة سيدفع الجزائريون ثمن هذه التجارب التي جرت في الستين بعد 57 تجربة في صحراء الجزائر و استعمال 42 ألف جزائري فئران تجارب و لا تزال الزوابع الرملية تجلب معها الراديو أكتفيتي على مسافة 500 كلم مخلفة نفس الآثار ..