تسجل أكلة »الرقاق« الشعبية حضورها الدائم على مائدة العائلات المعسكرية كطبق أساسي في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان الكريم (ليلة القدر المباركة)، التي يتخذها أهل المنطقة كباقي جهات الوطن مناسبة لتلقين الأطفال مبادئ الدين الإسلامي الحنيف. وتنهمك ربّات البيوت في تحضير طبق »الرقاق«، الذي يلقى بهذه المناسبة الدينية رواجا كبيرا في الأسواق الشعبية حيث تصنع هذه الأكلة على شكل أوراق رقيقة من عجين سميد القمح الصلب، لتسقى بمرق يحتوي أساسا على خضر ولحم الأرانب والدجاج، وبالأخص لحم الدجاج المحمر أو ما يعرف محليا باسم »التعمير«. ويتم تفريغ الدجاج من أحشائها وتستبدل بمعجون التمر واللحم المفروم والتوابل، خاصة القرفة، وفي بعض الأحيان بدل التمر يوضع العنب المجفف (الزبيب) أو الاثنين معا حتى يكون الطعم أحلى. وتتوافد النسوة كلما اقتربت ليلة ال 27 من شهر الصيام بأعداد كبيرة على أسواق المنطقة لاقتناء الرقاق واختيار أحسنه نوعية كما يتبادلن أطراف الحديث حول أنجع كيفية لتحضير هذه الأكلة ومرقها. وبدون شك يجد نساء المناطق الريفية خاصة ضالتهن من خلال إنتاج أكبر كمية من الرقاق وبيعها بالأسواق الشعبية، حيث تجعل هذا النشاط في مثل هذه المناسبات مصدر رزق لهن على غرار الحاجة خديجة التي ذاع صيتها بين الزبائن، إذ تأتي كل صباح لتعرض منتوجها مثل باقي النسوة على الرصيف المحاذي لسوق الوادي بوسط مدينة معسكر. وتحتل الزلابية وقلب اللوز، طيلة شهر رمضان الكريم، حصة الأسد في السهرات الرمضانية بمدينة معسكر، إلا أنها تُفسح المجال لغيرها من الحلويات التقليدية مع بداية العد التنازلي للشهر الكريم واقتراب العيد حيث تعكف السيدات على تحضير حلويات يرتبط تاريخها بتاريخ المدينة، بالرغم من المنافسة الشديدة التي تفرضها حلويات عصرية تتميز بأشكال جميلة ترغب كل ربة بيت في أن تضيفها إلى قائمة حلوياتها، فيتحول الأمر إلى مغالاة في التحضير قد تصل حد التبذير، ولا يتعدى الأمر في حقيقته شكلا من أشكال المباهاة. عن الحلويات التقليدية ، قالت لنا السيدة أمينة، مختصة في صناعة هذه الاخيرة، إنه لا يمكن الحديث عنها دون التطرق الى »الغريبية« و»صامصة العجين« و»التشاراك المسكر«، وتعد هذه الأنواع ثلاثية الحلويات المقدسة في مائدة عيد الفطر، يضاف إليها »مقروط الكوشة« الذي يعد عشق الكثيرين بالنظر إلى لذته المقترنة بالمناسبات السعيدة، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال التنازل عنه. وقد كانت هذه الأنواع أكثر من كافية في الماضي القريب، إلا أن ما بات يحدث اليوم يقترن بإعداد أنواع كثيرة غالبا للمباهاة، حيث تضاف للقائمة أنواع أخرى مختلفة، تحبذها البنات اللواتي ينافسن الوالدات في تقديم أصناف عصرية ويفضلن بذلك ترك مهمة إعداد التقليدية منها للأمهات اللواتي يبرعن في ذلك، باعتمادهن على الوصفات الكثيرة التي باتت تُوفرها كتب الطبخ وحتى من صفحات الجرائد والأنترنت والبرامج التلفزيونية.. وفي هذا السياق تبدأ فترة الإعداد للعيد بتحضير الحلويات في اليوم السابع والعشرين من الشهر الكريم، عن طريق وضع جدول توقيت من أجل ضمان إعداد الكميات والأنواع المرغوب فيها.وبالرغم من ارتفاع ثمن مواد صنع هذه الأخيرة إلا أن السيدات لا يتنازلن عنها، فأصبح الأمر شبيها بحلبة صراع من أجل توفير أنواع مختلفة. وفي هذا حدثتنا ربيعة، من الزاوية، قائلة: _حدث مرة أن أعددت كل أنواع الحلويات التي رغبت في أن تتزين مائدتي بها، إلا أنني أقدمت على صنع نوعين آخرين، وذلك مباشرة بعد أن أعلنت لجنة الأهلة بالتلفزيون أن هلال شوال لم يظهر للعيان فقررت استغلال تلك الليلة في إعداد نوعين آخرين_، وتحججت محدثة أخرى سألناها عن سر هذه المغالاة بالقول إن تحضير تلك الأصناف لا يكون إلا مرة واحدة أو مرتين في العام، فلم لا تستعرض السيدة مهاراتها؟! وفيما يعتبر كثيرون هذا الهوس بالتنويع في الحلويات ضربا من التبذير، تفسر سيدات معسكر أن الأمر راجع إلى عادة قديمة لديهن، وهي تبادل أنواع الحلويات مع الأهل والأقارب والجيران، إضافة إلى الحصص المخصصة للضيوف. وما يزيد من حتمية هذا التنويع المناسبات التي تنتظر العائلات التي تكون على موعد مع استقبال الأصهار الجدد، فالفتاة التي تنتظر »التيزري« أو ما يعرف في مناطق أخرى ب»المهيبة«، من قبل أهل الخطيب، تُفضل ملاقاتهم بأنواع متعددة من الحلويات، وكذا الأمر بالنسبة لأهل العريس الذين يتحتم عليهم أخذ أفضل وأجود الأنواع من الحلويات للزوجة المستقبلية لابنهم، حتى إن كان هذا عبئا إضافيا على الجميع إلا أنها عادة راسخة لا يمكن التساهل فيها.