أعمال روائية كثيرة قد تتطلب من الناقد معرفة بمصادر ثقافة الروائي نفسه ومخياله الثقافي والتربوي والأثني وغيرها من مراجع الكتابة الروائية ومضامينها المتباينة من روائي لأخر ولذلك يجد النقد صعوبة بالغة في تحليل تمفصلات النص الروائي والآثار الناجمة عنها وهو أمر كثير الحدوث خاصة إذ كان الناقد أو الدارس ممن جاءوا إلى النقد الروائي من بوابة الشعر والتراث الشعري والرواية كما نعلم جميعا هي إبنة المدينة والأنتلجانسيا والثقافة الحديثة بمعطياتها المختلفة من دون أن تكون للناقد خلفية إبداعية أو رؤية يكون قد إستقاها من معايشتة لمختلف ألوان الطيف من الإبداع الروائي القائم في صلب التراكم القرائي والمعرفة المتعددة الروافد والتوجهات التي تميز تحولات الكتابة الروائية في الجزائر والعالم العربي. هنا يجد الناقد الوافد إلى الرواية من الشعر والتراث الشعري غير قادر على الإمساك بالمفاصل الأساسية للنص فناقد ذو خلفية شعرية وثقافة شعرية ومخيال تراثي بصرف النظر عن موقعه العلمي والثقافي ومكانته ضمن سلم التراتبية الإجتماعية والثقافية والتربوية والمهنية لأن الأمر يتعلق بسلم آخر هو ما سماه الخطيبي " بالسلم الألسني " ليس في قدرته الدخول إلى بعض المناخات الروائية ، والأجدر به هنا أن يكتفي بالنقد الشعري، فحتى ولو كتب عشرات المقالات عن الرواية والسرد فستظل كتابة عن السرد عموما كتابة وصفية تذوقية لأنه بعيد كل البعد عن الثقافة السردية والصياغة السردية وعناصر التشكيل الروائي مجتمعة أو ما يسمى البنية الروائية، ولأجل هذا قد يكتفي أحيانا ببعض العموميات والتلخيص للأحداث الروائية وهو عمل في متناول الجميع، ولا يحتاج إلى براقة نقدية أو موهبة خارقة ، وفي أقصى الأحوال قد يستعين ببعض ثقافته البلاغية أو الأسلوبية على اعتبار أن الأسلوبية هي بلاغة معدلة أو بلاغة طرأ عليها بعض التجديد..يتبع . وغالبا ما يكون المنهج الأسلوبي أصلح لدراسة الشعر لا لدراسة السرد لارتباط البلاغة العربية تاريخيا ومفهوميا بالشعر والإعجاز القرآني فيكتفي عند مقاربته للسرد عموما وللرواية خصوصا بظاهر النص في ما يكشف عنه من خصائص لغوية وأسلوبية ومجازية وكنائية وغيرها من أفانين الدرس الأسلوبي المعاصر الذي لا يتجاوز حدود الجملة النحوية على اعتبار أن النص أي نص هو بنية ونسق وليس مجرد بنية فقط الأمر الذي يتطلب تحولا في أدوات التحليل النقدي وعدم الاكتفاء بظاهر الجملة النحوية في بعدها الأسلوبي البحت للبحث فيها عن الأنساق الثقافية المضمرة فيما أصبح يسمى في النقد الثقافي ويسميه عبد الله الغذامي " بالجملة الثقافية " القائمة في لاوعي اللغة وبين تجاويف الخطاب الإبداعي كبؤر مركزية أو " لواحق منظورية " بتعبير الناقد الأمريكي دافيد هيرش لأن الرواية وإن كانت " تنوع كلامي منظم فنيا " كما يرى ميخائيل باختين فينبغي أن يقابلها أيضا تنوع وتعدد في مشارب القول النقدي وليس "مأسسته" وحصره في زاوية واحدة هي الزاوية الأسلوبية لتأخذ مختلف التجارب الروائية الخصبة حيزها المناسب في المساهمات النقدية ذات الطابع الشمولي وفي أجواء من الحوار النقدي والمعرفي والثقافي المسؤول المنتج لقيم نوعية تطرح حضورها المكثف المسكون بالتعدد والاختلاف الناشئ وهو يناوش الوعي النقدي المدرسي السائد الوعي الشبيه باللوغوس أو الدليل الواحد في سرديات النقد الروائي العربي للذهاب عميقا صوب ضخ دماء جديدة فيه تأخذ بالتنوع الحاصل على صعيد إنبثاق تعدد منظورات الكتابة النقدية ورؤياها المستندة على قراءة لأغلب الأعمال الروائية الصادرة في السنوات الاخيرة والوثيقة الصلة بتحولات المجتمع النوعية على أصعدتها المتعددة لإضفاء نوع من المعقولية النقدية وهي تتأسس على الإختلاف والتنوع وتبتعد قدر الإمكان عن الأحكام الوثوقية وثقافة الحسم النهائية في ما لا يقبل الحسم لزحزحة الطرح الدوغمائي العاطفي الذي لا يتوفر على أي مرجع أو خلفية تستند إلى قراءة واعية وشاملة نسبيا للمنجز الروائي الجزائري ولأصول النقد الروائي الجدير بالطرح والتداول والإعلامي والنقدي. إن الرواية وكذلك كافة أشكال الإبداع الأخرى تحتاج إلى " تلاحم في إنتاج العلامات " مثلما يرى رولان بارت فالناقد يقول رولان بارت " يضاعف المعاني ويجعل لغة ثانية تطفوا فوق اللغة الأولى للأثر أي أنه ينتج تلاحما في العلامات " وفي غياب وعي نقدي نسبي على الأقل بأهمية النقد الروائي وجدواه عبر القراءة والتمثل كثيرا ما يحل التلفيق والقيم الدوغمائية والفئوية والمزاجية والشللية محل التشبع والتمثل " لوصل القارئ بالمقروء " بتعبير محمد عابد الجابري ليغطي على الموضوعية في نسبيتها وهو ما ينبغي الحد منه للتأسيس لحوار نقدي منتج ومثمر يستوعب مختلف التوجهات والآراء اختلافا أو ائتلافا انطلاقا من قوانين العرض والطلب والتداول الإعلامي والنقدي السائد للتخلص من نفوذ أو التكريس لأجناس أدبية بعينها و لاستمرار المغامرة الإبداعية في شموليتها ولتأثيث أسئلتها الجمالية والوعي بتصدعات الكتابة الروائية وإنزياحاتها اللغوية والدلالية والبنائية بحثا عن التفرد والاختلاف والتميز المثمر الجدير بالمتابعة والبقاء..