*يتسع المشروع ل 300 ألف نسمة ويحظى بجميع ضروريات الحياة العصرية يجري الحديث عن مدينة جديدة بوهران تكون مثالا للمدينة الحديثة ذات المقاسات العالمية، تحترم معايير البناء والتعمير وترقى بالبناء إلى الجمال المنشود والكمال المفقود... إنه الأمل الذي يريد والي وهران تجسيده، المشروع فكرة تناولها السيد عبد المالك بوضياف في عدد من اللقاءات والخرجات التي كان يطلع فيها على أحوال العباد والبلاد. ومحاولة منّا تقصّي أخبار المشروع، أفادنا القريبون من ديوان الوالي أن الفكرة يتطلع أصحابها إلى تجسيدها بمنطقة طفراوي على مساحة تتراوح بين ثلاثمائة وأربعمائة هكتار لتغطية سكانية لا تزيد عن ال 300 ألف نسمة، وحسبهم فهذه المدينةالجديدة تتوفر بها جميع المرافق الضرورية من سكن متناسق جميل ومستشفيات ومراكز تجارية ذات الحضور العالمي وبساتين ومساحات للعب الأطفال، يحضر بها الجمال وتغيب القمامة وبالمختصر المفيدة مدينة جديدة برُؤى ومناظر تامة وكاملة. ويبدو جليّا أن معطيات هذه المدينة لم يتمّ الفصل فيها، كما لم يتم عقد بشأنها أية لقاءات لمختصين من مهندسي البناء والتعمير وعلم الإجتماع وعلم المدينة... ويرتقب أن تُعقد جلسات قريبا في هذا الشأن للحاجة الملحة لمثل هذا المشروع الذي تستدعي الضرورة تطبيقه بولاية وهران، لا سيما وأن كل الضروريات موجودة ومتوفرة من أفكار ومختصين وأصحاب قرار... ومن غير المستبعد أن يتم تجميع أولى المعلومات التقنية في اللقاء المبرمج يوم 10 ديسمبر مقر ولاية وهران الذي يتناول بالدراسة مشروع تحديث ولاية وهران ومن المرتقب أن يحضره مختصون عالميون يعكفون على تحضير مخطط عمراني تنموي لتحديث مدينة وهران كمدينة تملك كافة المقاييس لتنافس أشهر المدن والعواصم التي تتوزع على عرش البحر الأبيض المتوسط، وهي كذلك لولا فوضى التعمير والبناء التي لازمتها في العشريتين الأخيرتين وجعلتها أشبه بالرّيف من المدينة والحال السّيء للطرقات، ومسألة النفايات التي تعرف فيها المداخل والمخارج في غياب برنامج لتسيير القمامة سبقتها إليه المئات من الدول... المثال الجميل وأنا أسمع عن فكرة مدينة جديدة قد »تحملنا إلى المراد والمبتغى«، حملتني ذاكرتي إلى فكرة إنشاء وتأسيس مدينة دبي كمدينة عالمية يفضل زيارتها والإقامة بها الأوربيون قبل العرب، وهي مدينة تملك من الخبايا والمعالم التي تنفرد بها عن سواها من المدن العالمية وليس هذا مبتغانا أو مقصدنا فالمدينة بنيت في ظرف لا يتعدّى العشرين سنة وكان ذلك في بداية السبعينات وكانت من قبل صحراء قاحلة، يضيع فيها الإنسان الإماراتي بين حبّات الرمل التي كان يفترشها ليلا ونهارا، فكانت الخيمة والجمل هي رأس الإنسان العربي بهذه المدينة»دبي« ويُحكى أن حاكم المنطقة ومسؤولي الإمارات أرتأوْا إستثمار عائدات نفط دبي النادر والخاص في إنجاز مدينة يتحدث عنها الناس أجمعين، فإتصلوا بمختصين في المعمار من كندا الذين لبّوا الدعوة لكنهم سرعان ما ولوّا عائدين إلى ديارهم وقناعة مبدئية غلبت على عقولهم مفادها أنا لهم أن ينجزوا مدينة حديثة في جزيرة رملية ترقص على ضفاف بحر الخليج، لكنها ما هي إلا أيام وعاد الخبراء الكنديون إلى حاكم دبي يبشرونه بالقبول الذي كان تحديّا صعبا ومشروعا إعجازيا، تحقق فيه المستحيل والممكن في نفس الوقت بصعاب جمّة وأموال ضخمة وإتقان كامل وهذا هو رأس الحكمة، من لا شيء نمت مدينة بأكثر المقاييس العالمية حداثة، معمار متناسق وأنهج واسعة وسليمة وأبراج لا تضاهيها أية أبراج في العالم والمدينة نائمة على بحر الخليج يعشقها السّياح والأجانب الذين يكتظون في غدوّ ورواح أمام أهم رموزها ونوادرها العجيبة. والحقيقة تقال ففي زيارة خاطفة إلى هذه المدينة السّاحرة في شهر جويلية المنصرم، وقفت على هذا التناسق والكمال ولم تبهرني الأشياء النادرة والخارقة التي جذبت باقي العقول البشرية بقدر ما أذهلتني حالة شوارعهم الكاملة المتكاملة والواسعة وحالة أرصفتهم المتناسقة »حبّة حبّة« والمصنّعة بالحجارة، أما ثالث شيء وقفت عنده بذهول كبير فهو وضع دورات المياه التي تزيد خصوصيات المدينة نظافة وجمالا لما يوليها المسؤولون لها من أهمية، وبدون مبالغة فهي مرافق تحظى بكامل حاجيات الراحة والجمال وهي أجمل وأحدث من تلك التي شاهدتها بعدد من الدول الأوروبية ولوحدها حدث وحديث. مجموعات لتسيير النفايات وبدون مبالغة أيضا وقع بصري على مناظر شادة، فإن كانت دبي تتوفر على مجموعات مختصة في إتلاف النفايات جعلتها تكون مثالا في النقاء والنظافة فقد حضرت بعض الشوارع والمناطق بالأوساخ كما تحضر عندنا وشاهدت عمارات وفنادق والغسيل منشور بنوافذها وشرفاتها وشاهدت أيضا أكواخا للاجئين من الدول الآسيوية المجاورة ومحلات »بدائية« للمواد الغذائية بالرغم من أنها تضمّ أكبر مساحة تجارية بالعالم تتوفر على أكثر من 2500 محل ومطاعم لأصحابها من الآسيويين وقد سرقت الأرصفة من أصحابها في أشكال غير مستحبّة بالرّغم من أرقى المطاعم العالمية التي تميّزها ويتهافت عليها أبناء المدينة والسّواح. أما العمران بالجزائر فحدّث ولا حرج فحيثما أراد مرقي عقاري إنجاز عمارة فإنه يلقى كافة التسهيلات الشيء الذي أدّى إلى نموّ فوضى عارمة في البناء والتعمير، أرياف وقرى داخل عواصمالولايات، ولنا مثال مزري في الإتساع العشوائي الذي عرفته وهرانالشرقية في العشرية الأخيرة، فالإمتداد الذي عرفه حيّ الصباح مثلا يدعو إلى مراجعة ملفات العقار بالولاية خاصة إذا فتشنا أكثر في الأحياء الأخرى المجاورة كحي الياسمين وحي النور والقائمة طويلة، فالمتوجه ناحية هذه المنطقة التي تعرف أولى مسار الترامواي يتخيّل نفسه في ريف أو على أرصفة الصفائح والبيوت القصديرية، ويزيد الطين بلّة كلما تعمّقنا في الشوارع الداخلية، وليس بعيدا عن هذه المدينة »العشوائية« التي نمت في غياب أدنى شروط وقوانين التعمير والبناء، وبالذات بنهج الملينيوم الذي أملنا أن نتنفّس من خلاله الصّعداء لوساعته بعض الشيء ، والإصطفاف على طول رصيفه من جهة اليمين تعاونية »النور« حيث تبدو المساكن في شكل فيلات متناسقة العمران، أراد بعض المرقين العقاريين قلب الأمور على عاقبها وقاموا بذلك براحة تامة فرغم إحتجاج أصحاب التعاونية قبل أربع سنوات إلا أن أصحاب المال حجبوا عنهم وعنّا الضوء وسرقوا من الأرصفة الكثير لينجزوا عمارات تملأ الجيوب عند بيعها للمواطنين وتشكل المحلات التي أصبحت موضة في التعمير الجديد بالولاية الفوضى المعمارية التجارية التي تذرّ الأرباح على المرقين. لا يحدث هذا إلا عندنا وقبل أيام شرع أحد المرقين العقاريين في شغر الواجهة السفلية لهذه التعاونية ورغم صغر المساحة الفاصلة بين الفيلات والأرصفة إلا أنه شرع في حفر »الأساس« الشيء الذي جعل ملاك التعاونية يحتجون من جديد ويعتصمون بالمكان والحقيقة تقال فلو أنجز هذا المرقي العقاري ما يريده من عمارات بالمكان فإنه سيشوّه المنطقة أكثر وسيأخذ من طول الشارع كما فعل غيره من »المستثمرين«. إنه حال البناء بوهران والأمثلة أكثر من مرة حيثما حللت، حيث يغيب التناسق في الحي الواحد، وحتى الأحياء المشهورة بالمدينة كحي الصديقية »ڤمبيطا« المشهور بالفيلات القديمة الجميلة حل بعضهم وأنجز له عمارات للإيجار وهو الشيء الممنوع بدول أخرى مجاورة يتناسق فيها البناء كما تتناسق الأسنان الجميلة، إنها الكارثة التي إنتقدها جميع المسؤولين الذين مرّوا على وهران ومن مثلوها بالمجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة لكنه حان الوقت لتصحيح الأخطاء وهدم ما يمكن هدمه إذا ثبت عدم صحته، والوالي الجديد تواجهه تحدّيات كبرى بخصوص حماية المدينة وممتلكاتها وجمالها أيضا، ومشروع مدينة جديدة قد يقلب الأمور إلى الإيجاب ولا مانع إن كان الفائزون بالصفقة أجانب قد يحملون إلينا ما أفتقدناه منذ زمن والعقول المحلية غنية ورائدة إذا ما ألتزمت بالتصاميم المعقولة والبناء السليم الذي يعيد للمدينة شكلها المتوسطي.