ما معنى أن تختار لمقصلة الفوضى جسدك ما معنى أن تترهبن في الغليان بخارك مسك الله و غيمته قدر يتلو بردك و أنت تسير حافيا نحو أناك المحلقة في سرّ الإله ، تلاحق تيهك المتشعّب في هالة الوجود ، حتما لابدّ من أن تلج دهاليز السؤال من باب المعنى لتصل إلى هذيانك دون أدنى نيّة في رسم خطاه ... أن تهذي بإدراك ، أن تتخلص من لعنة البصر لتحاور الوجود بفلسفة السكون ، حيث يتحد الإمعان بتصورات الحياة من منظار داخلي تراوح بين المثالية و الهوى ليولد الكون مجددا بصورة أبهى و بحلة متجددة تتسامى فيه المدارك لتصل غيمة الإنسان الأخير ... هي الشاعرة " فريدة بوقنة " صوت تحرر من لغة الشعر ليعيش فصوله بصوفية لا تشبه التصوف في مذهبه بقدر ما فاق الفلسفة حد السؤال تارة و انفلات الأنا في أبهى تجلياتها تارة أخرى ، مشكّلة قصائد جامحة تصهل في وجه المدى ليعود صداها هذيانا مستمرا يختلج القارىء بين كل قصيدة و أخرى . فكان أن استلهمت عنوان مجموعتها الشعرية من فهم عميق لوجودها الإنساني في متاهات المعنى " لا خطة للهذيان " . لا منحى للمعنى ، لا خطة للهذيان تطارد عمرك في دغل الغيب الملجوم تجدد خارطة البدد الأولى تنسى اسمك ، تطرق باب سماء ثامنة فتعانقك السحب الحبلى و الشاعرة عارفة بمسالك صنعتها فاختارت فسيفساء قصائدها بعناية لتترجم حالة شجن مستمر تصاحب موسيقاها خالقة منحى استفساري الذي يعد جوهر المجموعة التي قد غلب عليها طابع الذاتية " أنا الشعر " كحالة إنسانية يتشارك فيها الشاعر و القارىء و هو ما يتيح استنباط مفاهيم جديدة و رؤى عميقة لبعض الدلالات اعتيادية البساطة في حياتنا اليومية . كما سيلاحظ الباسط كفّ طرفه في قصائدها تنوعا بين الشعر و النثر ، فها هي تراقص العمودي و تتحرر منه " التفعيلة " لتغرق بعمق النثر في مزيج رهيب التجاس لا يكاد ينتبه له القارىء لفرط وحدوية الموسيقى . إلى الذي رتّب النجمات في أرقي و دسّ ظله بين الحبر و الورق إلى الذي كلّما اقبلت دامعة كفّت مناديله ما شفّ من رهقي بيني و بينك أسفار و أحجية أخفيتها بين ما أخفيت في حدقي يتهاوى الجرح الإنساني فلا يجد ملاذا إلا غيمة الوجد السماوي ، متى اومأت بفيئها ارتعشت الروح في سكينة و خبت لوازع الغيّ و الحزن . و إن الذي ألف نداء القلب سيألفه في وقار بين كلمات الشاعرة كأنما مسّدت لها طينة الشعر لتكون " رابعة العدوية " في محراب الإله . و هذا يصوّر الشاعرة متصوفة تعانق المعاني الروحية بذات السكينة التي بثّتها في قصائدها . و دون ألا نسقط انتماء الشاعرة لمن حولها ، سنلمس حنينا و حبا عظيما لوطنها ( الأب ، الأم ، الحب ، الإبن ... ) و هو ما يخلص له كل مارّ بحديقة كلماتها .