شايب: نهدف إلى تحسين خدمة المواطن    حزب العمال يسجل نقاطا إيجابية    صورة تنصيب ترامب تثير الجدل!    90 مؤسسة في برنامج دزاير لدعم المصدّرين    نحو 23 ألف سائح أجنبي زاروا الجنوب    الجزائر تتحرّك من أجل أطفال غزّة    نشاط قوي للدبلوماسية الجزائرية    حماس: نقترب من التحرير    التأكيد على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار والانسحاب الصهيوني الكامل من قطاع غزة    الصليب الأحمر يعلن التحضير لتنفيذ عملية تبادل الأسرى وتكثيف الاستجابة الإنسانية في غزة    أين الإشكال يا سيال ؟    الأمم المتحدة تكثف جهودها الإنسانية في غزة مع بدء تنفيذ وقف إطلاق النار    جيدو/البطولة الوطنية فردي- أكابر: تتويج مولودية الجزائر باللقب الوطني    نسيج وجلود: تنظيم المتعاملين في تجمعات وتكتلات لتلبية احتياجات السوق الوطنية    تجارة: عدم التساهل مع كل أشكال المضاربة والاحتكار للحفاظ على استقرار السوق    خدمات الحالة المدنية لوازرة الخارجية كل يوم سبت.. تخفيف الضغط وتحسين الخدمة الموجهة للمواطن    الذكرى ال70 لاستشهاد ديدوش مراد: ندوة تاريخية تستذكر مسار البطل الرمز    تمديد أجل اكتتاب التصريح النهائي للضريبة الجزافية الوحيدة    التقلبات الجوية عبر ولايات الوطن..تقديم يد المساعدة لأزيد من 200 شخص وإخراج 70 مركبة عالقة    فتح تحقيقات محايدة لمساءلة الاحتلال الصهيوني على جرائمه    ريان قلي يجدد عقده مع كوينز بارك رانجرز الإنجليزي    35 % نسبة امتلاء السدود على المستوى الوطني    اليوم الوطني للبلدية: سنة 2025 ستشهد إرساء نظام جديد لتسيير الجماعات المحلية تجسيدا للديمقراطية الحقيقية    الجزائر رائدة في الطاقة والفلاحة والأشغال العمومية    رحلة بحث عن أوانٍ جديدة لشهر رمضان    ربات البيوت ينعشن حرفة صناعة المربى    بلومي يباشر عملية التأهيل ويقترب من العودة إلى الملاعب    المولودية على بُعد نقطة من ربع النهائي    مرموش في السيتي    حزب العمال يسجل العديد من النقاط الايجابية في مشروعي قانوني البلدية والولاية    أمطار وثلوج في 26 ولاية    الرئيس يستقبل ثلاثة سفراء جدد    إحياء الذكرى ال70 لاستشهاد البطل ديدوش مراد    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    بسكرة : تعاونية "أوسكار" الثقافية تحيي الذكرى ال 21 لوفاة الموسيقار الراحل معطي بشير    كرة القدم/ رابطة أبطال افريقيا /المجموعة 1- الجولة 6/ : مولودية الجزائر تتعادل مع يونغ أفريكانز(0-0) و تتأهل للدور ربع النهائي    مجلس الأمن الدولي : الدبلوماسية الجزائرية تنجح في حماية الأصول الليبية المجمدة    تطهير المياه المستعملة: تصفية قرابة 600 مليون متر مكعب من المياه سنويا    سكيكدة: تأكيد على أهمية الحفاظ على الذاكرة الوطنية تخليدا لبطولات رموز الثورة التحريرية المظفرة    تجارة : وضع برنامج استباقي لتجنب أي تذبذب في الأسواق    كأس الكونفدرالية: شباب قسنطينة و اتحاد الجزائر من اجل إنهاء مرحلة المجموعات في الصدارة    الأونروا: 4 آلاف شاحنة مساعدات جاهزة لدخول غزة    اقرار تدابير جبائية للصناعة السينماتوغرافية في الجزائر    وزير الاتصال يعزّي في وفاة محمد حاج حمو    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    قتيل وستة جرحى في حادثي مرور خلال يومين    تعيين حكم موزمبيقي لإدارة اللقاء    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    جائزة لجنة التحكيم ل''فرانز فانون" زحزاح    فكر وفنون وعرفان بمن سبقوا، وحضور قارٌّ لغزة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    تسليط الضوء على عمق التراث الجزائري وثراء مكوناته    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    الأوزاعي.. فقيه أهل الشام    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العراق الجرح الذي ينزف دوما
الدكتورة و الشاعرة العراقية سارة الرشيدي من فرنكفورت
نشر في الجمهورية يوم 24 - 08 - 2011

منذ أن تفتحت أنوثتها على نغماتِ كلام الشعر وجمال موسيقاه فتفّتحتْ الموهبة. منذ بدا يحضر الفجر ويمنحها مفاتيح النور لتشرع بالكتابة فلروحها البيضاء غواية التحليق.. الشاعرة من مواليد بغداد و دكتورة في طب الاطفال و لها ماجستير في الأدب العربي و تعيش رفقة عائلتها الصغيرة في فرنكفورت الألمانية و لها العديد من الإبداعات الجميلة و كانت لنا معها هذا اللقاء الجميل ...
*** من تكون الدكتورة سهام الرشيدي في عمق المرأة التي تسكنها الشاعرة ؟
** امرأة بسيطة وتلك هي قوتي، سمتي الهدوء حتى أثور شعراً، .أجوب في دروب التاريخ السردي والمعرفة التاريخية لفهم الأشياء دائمة البحث عن الأساليب الكامنة وراء ثقافة المرأة. امرأة لا تسمح أن تبقى خارج الساحة الثقافية لهذا أسعى عائمة فوق سماء سيل الحرف لأكون المرأة الجديدة الساردة، الناثرة، الشاعرة، الفنانة التي لا تتصالح مع واقع مهزوم ولا تحب الفشل. الكتابة والألوان هما قدري( بعد أولادي)، وهذا جعل مني امرأة غير خاملة وغير تابعة ولا تحب أن ترضخ تحت وصايا أحد ، درست الطب و كان حبي للشعر كبيرا فقررت ان ادرس الادب و اللحمد الله تعالى تحصلت على شهادة الماجستير فيه من سنوات و وجودي في فرنكفورت رفقة زوجي فتح امامي افقا كبيرة للاطلاع على ثقافة الغير بالرغم من اني اعشق وطني العراق الذي مزقه الاحتلال .
***متى رسمت أناملك كلمات الشعر ؟
**منذ أن تفتحت أنوثتي على نغماتِ كلام الشعر وجمال موسيقاه فتفّتحتْ الموهبة، منذ بدا يحضر الفجر ويمنحني مفاتيح النور لأشرع بالكتابة فلروحها البيضاء-الكتابة- غواية التحليق التي تحرضني بالرفيف لأحلق عاليا فوق أوجاعنا وجروحنا ،منذ كنت أقرأ في ساحة المدرسة صغيرة حين يرفع العلم وأنصت لصوت الشعراء، بدأت بكتابة ما يشبه الخاطرة..ثم تمرحل معي الشعر في فترات حياتي في صياغات أكثر نضجا.
*** كيف كانت البداية مع خليلك القلم؟
** البداية معه كانت هادئة ومتمرحلة في احتضان عائلي ثري، فالقلم خليل العائلة أصلا سواء في الشعر أو في الرسم والخط ، مجمل القول هو ،الوراثة ،البيئة العائلية، الدربة ،والثقافة الذاتية كل ذلك كان له الدور الكبير في صقل الموهبة التي تصل إلى مكامن الألم فتكشف عما يجول في خاطري. وبعد أن نضجت الأفكار بدأت بالنشر في الصحف والمجلات الورقية ليعرفني القارئ ككاتبة للمقال السياسي،بقيت أكتب وأنشر حتى خصص لي عمود أسبوعي في جريدة (العراق غدا ).
*** كيف ترين الشعر في العراق اليوم؟
**لست ناقدة ولا متناقدة في مجال الشعر، لكن وكما قلت في لقاء سابق لي في البصرة، أن-التجربة الشعرية العراقية -تجربة ناضجة وغنية ومتنوعة في المقاربات والأساليب،يواصل فيها الشاعر مسيرته الإبداعية دون كلل أو وهن وهذا ليس غريبا فالشاعر العراقي يتكئ إلى تراث هائل من العطاء في هذا المجال،(العراق آدم الشعر) كما أن الحركة الشبابية الشعرية في العراق اليوم مبهرة وعارفة في فن الشعر وهذا يجعلك تطمئن على مستقبل الشعر العراقي ..والأسماء في الساحة معروفة وغير نقطية. وان تقييم المنجز الشعري العراقي معروف وواضح المعالم من خلال ما يطرح ، المهرجانات التي نحضرها في العراق وخارجه تعكس معايير واضحة لواقع الحركة الشعرية ، ولكن هذا لا يمنع أن أتفق مع غيري للأسف- (أن المشهد يعاني من التكدس الوهمي و(ثقافة الحشد) و برغم من تواجدي من سنيين في فرنكفورت برفقة زوجي إلا ان العراق هو الجرح الذي ينزف دوما .
*** أين تجدين نفسك اليوم بين الكم الهائل من الشعراء؟
** من الصعب أن أتكلم عن ذلك أو عن نفسي بشكل كامل ويبدو من الصعب على شاعر أو أديب الحديث عن نفسه لأنني ببساطة مازلت في المرحلة التفاعلية مع الشعر، مازلت أصغي إليه وأحاكيه،ولا استطيع أيضا أن أحكم عن تجربتي الشعرية أو أين مكاني، لأنني صاحبة هذه التجربة ،ولأنه لحد الآن لم يتوفر المتن الكافي في صيرورة أسلوبي الشعري حتى استطيع الحكم عليه في شموليته وشكله .لكنني استطيع القول إنني مازلت أحب الشعر واكتب عن الجمال واستغرق في الصورة الشعرية والجمال الذي أتبناه في مقاطع القصيدة . ولكن لو استطعت أن اعبر ثقافة النسق المهيمنة على بعض الكتاب لوجدت مكاني وهذا ما أحاول أن اشتغل عليه وحينها _ربما- سأجد نفسي حين أضع المرأة عايدة الكاتبة بسبب إصرارها في فعل الكتابة، ويداها على موضع جرح النساء (أقول هذا في منحى بعيد عن التقييم النقدي) والذي هو ليس صنعتي ،ربما سيحدد مكاني الخاص .
***من أين تستوحين أشعارك؟
**من التواصل بين ألإشكال المختلفة ، من التفاعل الإنساني، من الذكرى حلوها ومرها،فالشعر حالة كبيرة، حين تكون شاعر عليك أن تبقى، أن تتكاثر، أن تقطع من بلدِكَ بخيطٍ من حنان ما تيسرَ من جرحٍ، كي تنتصرَ على زمنِ الخرابْ. أن تلتقط من بيئتك وأنت تتشبث بالورقة والقلم لتدلي ببوح وجداني منفتح لتكونَ شاعراً وعليكَ حينها أن تستدعي في كل آنٍ خدام القصيدة ومحركاتها لتستوحي الشعر، تدعوهم إلى حضرتك.(تحس أنك تمتلك كل الأشياء الممكنة وغير الممكنة ضمن الممكن)تدخل ذاتك وتمسكها حتى تتمكن منها لتحررها بالكتابة.. ففي الكتابة فسحة البهاءِ وجلال الحزن وهما مبعثا، تكمن فيهما القدرة الكاملة على البوح.دوما أقول أن الحدث هو من يصنع القصيدة .. فربما من برعم زهرة ، أو من لحظة حب ، من ثورة ومن موسم الأمطار. فقط عليك أن تكون إنسانا حساسا وستجد كل الأشياء تثيرك لتكتب عنها أو ترسمها، فالأشياء هي التي تستنطقنا .
*** أين الرجل داخل سطور قلم سهام الرشيدي ؟
** الرجل ، معي، داخل النص وخارجه، كذلك في لوحاتي، له حضورا واضحا. متضمن في لاشعور النص أحيانا و له في نصوصي كيفية خاصة ينفلت بها بشفافية حين يكون (بارقاً) فيكون حاضرا ناصرا أو خاذلا وعلى القارئ أن يفك رموز المعاني والدلالات التي تمنحها ثقافة النص حين يستتر، فانا أكتبه مرموزا خفي أحيانا وواضح المعالم تارة أخرى وعلى القارئ أن لا ينقاد إلى التصورات السائدة فان ما يخفى يكون أجمل. عدم تكراره لا يلغي ولا يهمش وجوده قط. . تجده -الرجل- أما بين السطور أو خلفها أو في القلب معنى.
* ** أرى أن المعرفة النقدية في احد أشكالها قيد ملزم، أنت شاعرة ودرست الشعر أكاديمياً برغم انك درست في بداية الامر الطب ، أريد أن أعرف متى تصبح المعرفة النقدية قوة تمد أجنحة الشعر بطاقة التحليق ؟
** لا يمكن أن تكون المعرفة النقدية "قوة تمد أجنحة الشعر بطاقة التحليق " لأنها تكون عادة قوة معيقة لا دافعة ولكن هذا لا يعني أن مثل هذه المعرفة غير قابلة للارتقاء بقدرات الكتابة بل إنها ضرورية بالحدود التي يحسن الشاعر أن يقف عندها بحكم خبرته وعمق تجربته الكتابية، فضلاً عن التمكن اللازم الذي هو شرط أساسي بلوازم الكتابة وأدواتها وتقاليد النشر والقراءة وما الى ذلك. لكن لأتحدث عن المعرفة بوصفها قدرة مهمة لبناء الذات، وهي المعرفة التي تطلعت اليها منذ الصغر أي بجعل الذات العالمة المتعلمة خائضة في الموضوع المختلف، المتعدد، العميق، البسيط، الجميل، البهي، المؤلم، من اجل أن تتحقق مخاضات الشعر، الالتقاء بالآخر، مكابدة اللغة، خلق التصور الخاص. لقد بدأت القراءة منذ سن مبكرة، وخضت بالقراءة في مجالات مختلفة، التاريخ، الفلسفة، الرواية، كتب التراث، السير والحيوان وأدب الرحلة.. الخ، الى جانب مشاهدات أساسية للسينما وتأملات وتمرين مستمر في الكتابة وأرى ان من المهم أن ينوع الشاعر مصادره ويبحث في اتجاهات متعددة، وأن يتعرف ذاته، لقد قيل قديماً "اعرف نفسك " وفي الشعر تتسع هذه المعرفة لتضم العالم او هي تبني العالم الخاص الذي قد يكون موضع الحلم أو اليوتوبيا الخاصة بالشاعر.
* **معظم الشاعرات العراقيات كتبن شعراً ينتمي اليهن، الى عالمهن الضيق، بعضهن كن ممعنات في ذلك الى الحد الذي كتبن فيه "شعر جوارٍ " فأصبح نتيجة ذلك كل ما هو محدود وحسي ينتمي الى شعر المرأة، أما ما هو كلي ومطلق فينتمي الى الرجل، ما الذي يجعل الشعر الذي كتبته المرأة العراقية لا يشير الى ما هو مطلق؟
- ** أعترض أولاً على التمييز الجنسي في انتماء ما هو كلي ومطلق الى الرجل، وانتماء شعر المرأة الى ما هو محدود وحسي، إن هذا التقسيم ينتمي الى القيود المحبطة للقدرة الإنسانية، أنا لا أنظر الى ذلك على هذا النحو، لا أرى العالم مقسوما الى رجال ونساء، وإنما أراه مقسوماً الى مبدعين وأناس آخرين ، والمبدع قد يكون امرأة أو رجلاً، لا يهم، المهم أن يمدني بالجمال والبهجة. انك تصدرين حكماً عاماً ، والتعميم غير مفيد في أغلب الأحيان، لا أظنك تقصديني أنا مثلاً بهذا الحكم، لكن على أية حال أؤيدك في وجود"شعر جوارٍ " يحاول بعض الكتاب أن يعدونه معياراً للشعر الذي تكتبه المرأة، انه تبرير للعجز ورغبة في الحطّ من المبدعة بهذه الطريقة، وتصدق بعض الكاتبات ذلك فيمضين فيه الى جانب ضعف قدراتهن وميولهن. لا أعني بالتأكيد أن تنشغل المرأة عن الرغبة والحب، بل العكس، أي تكون مصدر قوة لا ضعف وتهافت، شعر جويس منصور مثلاً غاية في الامتاع بحكم حريته واتساعه، انه الشيء لذاته لا لغيره، وهو ما لا تعرفه الجواري من الشاعرات.
*** أنت تصنفين من جيل الثمانينيات، وفكرة الجيل تشبه الى حد ما فكرة الهوية الاجتماعية التي تحمل في طياتها رؤى منمطة، وتعصباً، وخصائص مشتركة تمايزها عن الجماعات الاخرى، إن تلك الهوية وفق تصور علماء الاجتماع تحمي الفرد، مع ذلك لا أراك متحمسة لجيلك، ما السر في ذلك؟
-** لم يكن جيل الثمانينيات نسيجاً واحداً متجانساً، ولا أساوي في وجود الخصائص بعينها في كل شعر الذين ظهروا في الثمانينيات، وان حاول بعض النقاد الكسالى ذلك بأن عمموا سمات في هذا الشعر ومثلوا عليه بأسماء ومقتبسات وانتهوا.. يبدو ان صيغ "الجيل " والبيانات المشتركة والصداقات التي يدافع كل واحد فيها عن الآخر المشابه له باستماتة، حالة قطيعية تماثل الانتماء القبلي القديم للشاعر العربي، وهو أمر دال على العجز عن التفرد وعن الذهاب بعيداً بقدرات الكتابة، انه نوع من التطمين والتأييد المسبق الذي مارس قمعه على مَنْ يختلف معه حتى مع شعراء العقد نفسه، وهذا ما تقوله بعض الملفات الشعرية المكتفية بالاعتبارات المذكورة لا بالنظر الى العامل الفني والابداعي او الرؤيوي. ولو تأملنا في ما يحدث بين الحين والاخر من مشاحنات ومهاترات بين شعراء من هذا الجيل المذكور أو من غيره يعرف سطوة الانتماء الى ما هو خارج معيار الشعر.
إن التمييز النقدي على أساس"الجيل " أثبت عقمه في الفاعلية وفي القيمة، والشعراء المولعون بهذا التمييز لهم مآرب أخرى. وكل واحد يشير الى جماعة او أناس مختلفين عند تحدثه عن جيله، وهذا ما يثبت وجود ركام من الكتابات غير المفعلة بالقراءة والتصنيف وهي مشكلة الشعراء في تداوليتهم وتفكيرهم وتقاليدهم، ومشكلة النقاد في عدم جدية بناء موقف نقدي رصين وموضوعي، أو هي في الأصح مشكلة بيئة ثقافية غير سوية.
* ** هل تتفقين معي أن صخرة الشعر تفتتت وذابت في الآخر: السينما، الرواية، الريبورتاج، هل حقاً ان الشعر مات ؟
-** أظن أن لحديثي عن مصادر الكتابة عندي صلة بهذا السؤال، انها مصادر شعرية بالرغم من أنها رواية أو مسرح أو أدب رحلة أو سينما وموسيقى، لقد خرجت الكتابة"الشعرية " عن انغلاقها الأحادي القديم ولم يعد الشعر جزيرة منعزلة عن مبتكرات الحياة المعاصرة واهتماماتها، ولعل قصيدة النثر هي الدليل على بحث الشعر عن جلد آخر يظهر به غير لفاع البداوة ووثنية المعنى المسبق الذي نجده في القصيدة التقليدية. ومن يكتب الآن بهذه الاحادية لا يريد ان يخرج من قيده الماضوي وحدوده الثابتة، بل ان يظل مستمراً في متوالية مؤبدة، أما الوعي والايمان بالحرية فقد يدفع باستمرار الى جديد مقتول بعد هنيهة، لأن معنى الوجود الآن قد أصبح اشد اضطراما وسرعة، أنظري الى أعمارنا المتهالكة وفرصنا القليلة التي نعيشها على حافة الخطر، لم يعد الشعر بكل تأكيد ذلك الذي كان ولكنه لم يمت، وان تغيرت أشكاله والطرائق اليه وهذا ما أسميه بالتحول المستمر.
-*** قصيدة النثر التي كتبتها كانت بأنواع مختلفة، مع ذلك أستطيع ان أتلمس طريقاً واحداً يجمعها إنه طريق الوحشة، هل ان الشعر تمارين لاعتياد الوحدة؟
- ** انه طريق زهد حد الالتباس لكنه زهد غير مؤدلج ولا يبحث عن غاية، لطالما شعرت بالوحدة، أردتها او أرادتني ، مازلت اذكر جلوسي في أعلى شرفات بيتنا القديم، كنت أتأمل في كل ما حولي من آفاق لكن يأتي من ينزلني الى الأرض. دائماً هناك الآخرون بتشويشهم على البصيرة وتشويههم للخطى كما انه من الصعب ان يفهمك أحد في هذا العالم، عليك دائما تصحيح الفهم، رده عن انحرافه، هناك القيود التي تجعل للآخرين هذه التواطآت والأعراف المتخشبة والخوف من المعرفة. لطالما رأيت في العيون الخوف وتبسمت لقيودهم ولا مبالاتي. ولأن الحرية طريق الوحشة قد يحدث نكوص هنا وابتعاد هناك "خذ نكوص نازك الملائكة مثلا ً" وان كنتُ لا أفضل التمثيل على نحو محدود، هناك مضيّ في المغامرة، وهناك من تكلس على ما لديه وجمد على كتابة متشابهة حتى من الذين خاضوا مغامرة قصيدة النثر وبعض شعراء الثمانينيات ولا سيما الذين خرجوا من العراق مبكراً يكتبون القصيدة نفسها منذ أكثر من عشرين عاماً.
على أية حال أنا لم أشأ التحديد لكن قصيدة النثر ربما لو لم تكن موجودة لأوجدتها. انها خيار للتحرر من الصيغ المعتادة ولكن على ان يبقى المرء متربصاً، حذراً من الوقوع في فخاخ التشابه، المهم إنها لاءمتني لأني منذ الصغر كنت أكتب كتابات غير محددة بجنس أدبي بعينه، ويفترض بي أن أستثمر امكانات هذه القصيدة على نحو غير نهائي بعد أن خضت فيها تجارب مجموعتي"الشاعرة " الصادرة عام 1995 وكتابي الشعريين "ادوار العالم " و"عربتي الساحرة " وقبلهما نصوص"من نسل الماء " ومجموعتي"عن سرب المرآة " وقصائد أخرى.
*** المصادفة وحدها هي التي أبقتنا أحياء، نحن قتلى مؤجلون، الدم والدمار في كل مكان من بغداد، ما الذي تريد أن تقوله الشاعرة وهي وسط هذه القيامة؟
- لقد كتبت عن ذلك أكثر من مرة، ولم أستطع أن أقول بما يكفي هذا الذي نعيش فيه من قيامة، اننا في لحظة من التاريخ مريعة جداً، لحظة أن يفقد الإنسان إنسانيته، أن يكون أكثر توحشاً وعنفاً من كل المخاوف التي دفعت به الى ذلك، درجة قليلة من الظلم مرفوضة فكيف بأقصى درجاته؟ أننا في عالم تنتزع فيه الأنفس وتدمر الأرض وتبث الكراهية ، كيف نقوى على هذا الأذى؟ الجميع مدانون لأنهم مأخوذون بالخوف من المحبة ومن الدفاع عن الإنسان، او أن دفاعهم ليس كافياً.
نعم نحن قتلى مؤجلون وان كنا لا نريد ان نصدق ذلك.
** *ماهي كلمة مسك الختام ؟
** ليس هناك أسوار أيها الأصدقاء تحد من حرية الكلمة، فكونوا أحرارا في خيارات القراءة ولا تبخلوا في الكتابة و القراءة ففي قلبهما تقوم مملكة الشعر التي لن يلجها إلا شاعر امتلك مفاتيح الفجر، فجر القصيدة الساحرة. بالقراءة والكتابة يصير القلب جنة تجري من تحتها الأنهار. شكرا وانتم تشاركوني إحساسي في التدوين وتندمجون معي في لحظة نمسك بها معا لنوقف الزمن في لحظة ما نسجلها رحيقا معسولا لكلينا. لكم بكل إعتزاز باقة ياسمين أبيض، حلوة عذبة ،كونوا جميعا بخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.