*فرقة حزب جبهة التحرير الوطني كشفت أكاذيب الإدارة الفرنسية الإستعمارية. *المسرح ساهم في البناء والتشييد وإقامة الدولة المستقلة والحديثة. *كاتب ياسين أعطى بعدا عالميا للمسرح الجزائري. *هناك مسرحية كتبها الشيخ العلاوي سنة 1920 لم يتم التطرق إليها قط. *لدي مشروع كتاب آخر حول المسرح الهاوي بمستغانم. تدعمت المكتبات الفرنسية بإصدار جزائري جديد عن منشورات »أوريزون«، يحمل عنوان »المسرح الجزائري، إلتزام وحجج« من تأليف حاج دحمان أستاذ الإتصال بجامعة »أوت ألزاس« الفرنسية، الذي آثر من خلال هذا الكتاب، إبراز جذور المسرح الجزائري، واستعراض مراحله ومحطاته المختلفة، وكذا استحضار أهم الأعمال، التي أرخت لهذا الفن ببلادنا، وأرست قواعده، وعناصره وأسسه، منذ حوالي قرن من الزمن أو يزيد، وكيف ساير الأحداث الحاصلة عبر فترات متباينة، مؤثرا ومتأثرا، بكل ما شهدته الساحة الوطنية من تغيرات، وتحولات في شتى المجالات والميادين، فكان بذلك فنا ملتزما حيال العديد من القضايا الوطنية، التي اكبها في أوقات سابقة، ولا يزال كذلك إلى يومنا هذا، مستندا على جملة من الحجج والبراهين الدامغة، التي استعان بها المؤلف أو بالأحرى الباحث، باعتبار أن الكتاب، عمل أكاديمي بحت، لإثبات غايته وتبرير وسيلته، بطريقة علمية ترتكز على عناصر مهمة وأسس متينة، وكلها تفاصيل وردت في مؤلفه، تطرق إليها حاج دحمان في هذا الحوار: الجمهورية: أين يتجلى الإلتزام في المسرح الجزائري، الذي أثرت أن يكون محور مؤلفك الصادر في الآونة الأخيرة؟ - ج. دحمان: كرّست جزءا مهما من هذا الكتاب، لشرح وتوضيح مفهوم »الإلتزام« إنطلاقا من الأسئلة التي طرحها الرومان حول جدوى وأهمية الجمال، وكذا الإلتزام لدى »جون بول سارتر« و»غوث« وكل الكتاب الأوروبيين والجزائريين الكبار، لا سيما كاتب ياسين ومحيي الدين بشطارزي، وبعد دراسة وبحث وتحليل طويل. توصلت إلى نتيجة بالغة الأهمية، أحالتني إلى تحديد نوعين من الإلتزام، الفني والسياسي، ولأن المسرح الجزائري، وكذا الكتاب تمكنا من الإلمام بهما، فإن هذا أدى إلى قديم إنتاج ملتزم فنيا وسياسيا، كان المسرح في غمرة الإستعمار يرتكز أساسا على التعابير الدرامية للحكواتيين، وتطور هذا الفن مع ظهور الأوبيرا، إلى غاية سنة 1926 التي شهدت ميلاد أول مسرحية بالعربية، وعليه فقد حاولت إبراز وذكاء وحنكة كتابنا، الذين عرفوا كيف يطلقون أو بالأحرى يؤسسون مسرحا يتحدث بلغة يفهمها عامة الناس، وبالتالي يحافظون على هذا التراث والموروث الثقافي من أجل إنقاذ الهوية الجزائرية من الضياع إبان الإستعمار، الذي حاول طمسها بشتى الطرق والأساليب، فمنذ ذلك الوقت والمسرح الجزائري ملتزم بفضل رجالاته الذين أسسوا قواعده على غرار الراحل بشطارزي، وتمكنوا من التصدي إلى كامل الضغوطات والعراقيل المتمثلة في منع العروض المسرحية، وفرض الرقابة عليها داخل القاعات. الجمهورية: وما هي الحجج التي ارتكزت عليها واستندت إليها في هذا الكتاب؟ - ج. دحمان: هناك جملة من الحجج والبراهين التي تثبت التزام المسرح الجزائري حيال القضايا التي سايرها مثلما سايرته، وإن اختلفت حسب الظروف المحيطة به، فالأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر ساهم بشكل فعال في ترقية المسرح الجزائري، من خلال بيع وتوزيع التذاكر، المرحوم بشطارزي قام بجولة قبل اندلاع الثورة، من أجل تمويل صناديق الأحزاب السياسية، أما العنصر الأكثر أهمية، فيتمثل في ميلاد فرقة حزب جبهة التحرير الوطني للمسرح، التي مثلت الجزائر في المحافل الدولية، وكشفت أكاذيب الإدارة الفرنسية الإستعمارية في تلك الفترة التي كانت تدعي أن الجزائر فرنسية، فكل هذه المشاركات ساهمت في التعريف باللباس الجزائري وإبراز مميزات ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، فثورة التحرير المباركة منحت لمسرحنا البعد الدولي، كما ساهم هذا الفن أيضا غداة الإستقلال في البناء والتشييد وإقامة الدولة المستقلة والحديثة، وهنا يمكن أن نشير إلى مسرحية »إفريقيا قبل العام الواحد« للمرحوم ولد عبد الرحمن كاكي التي أراد أن يسوّق من خلالها خطابا للأفارقة، ليقول لهم أحذوا حذو الجزائريين، واقتدوا بهذا البلد، المرحوم عبد القادر علولة أيضا كرّس سلسلة من الأعمال المتميزة فيما بعد حول سياسة التسيير المنتهجة في تلك الفترة، وهي مقاربة أخرى في بناء الدولة. الجمهورية: ما هي المواضيع التي تمت معالجتها على الخشبة؟ - ج. دحمان: هناك العديد من المسرحيات القديمة، التي أعيد بعثها على الخشبة، على غرار مسرحيات توفيق المدني ومحمد العيد آل خليفة و»الهجرة« والمولد النبوي الشريف، و»حنبعل«، لإثبات عراقة المسرح الجزائري، وتماشيا مع التطورات والتحولات الحاصلة، نشأ مسرح جديد يُعنى بطرح الأسئلة ويهتم بالإنفتاح على العالم والمكانة التي تحتلها المرأة وهو ما أسميته بمسرح الحجج، دون أن ننسى أهمية أنواع المسارح الأخرى، لا سيما الناطق باللغة العربية الفصحى ولو أنه لم يجسد على الخشبة، فكاتب ياسين أعطى بعدا عالميا للمسرح الجزائري، ليس ككاتب موهوب فحسب، بل كمسرحي محنك، فهو عندما كتب »فلسطين مخدوعة« و»محمد خذ حقيبتك« وبغض النظر عن التأويلات التي أثيرت حول كتاباته، إلا أنه أراد أن يتحدث عن هجرة الجزائرين، ووضعيتهم بديار الغربة، وتحديدا بفرنسا، ويسلط الضوء على المرأة المهمّشة والمهملة من قبل زوج تركها وتخلى عنها من أجل العمل في الضفة الأخرى، حيث يروي هنا قائلا: »عندما زرت منطقة القبائل، وجدت النساء محاطات بالأطفال أكثر من الذباب، وعندما اسألها عن زوجها، تجيب لقد ذهب إلى فرنسا من أجل البحث عن عمل«. وكذا الجزائريين الذين عاشوا وعايشوا أوقاتا عصيبة ومؤلمة في المهجر، وهنا لا بد أن نشير إلى الإجراءات المهمة التي اتخذتها حكومتنا في تلك الفترة، من أجل الدفاع عن مصالح أبناء جاليتنا وتحسين ظروف إقامتهم وصون كرامتهم في ديار الغربة لا سيما بفرنسا. الجمهورية: ما الفرق بين رسالة الدكتوراه التي تناولت فيها موضوع الإلتزام في المسرح الجزائري، وما جاء في هذا الكتاب؟ - ج. دحمان: في أطروحة الدكتوراه حول الإلتزام في المسرح الجزائري، الفترة كانت محددة من 1926 وهي السنة التي شهدت تقديم أول مسرحية بالعربية تحت عنوان »جحا« وأيضا ميلاد حزب نجم شمال إفريقيا، إلى 1977، السنة التي بدأ المسرح الجزائري يأخذ فيها أنفاسه، ويتطور ويزدهر بحلول سنوات التسعينيات، المتميزة بالإبداع، من خلال التطرق ومعالجة جملة من القضايا الهامة، التي كانت تميز كل مرحلة وكل فترة على حدة، حيث ركزت على كيفية توظيف »براشت« وموليار في المسرح الجزائري والتعابير المتعددة والمختلفة المتداولة، وكذا إبراز الصراع القائم بين اللغة العربية والفرنسية خلال فترة الاستعمار، وكيف حاول المحتل طمس اللغة العربية والثقافة والهوية الجزائرية، في حين بقيت اللغة العربية صامدة ومقاومة لكل أشكال المحو، التي تصدت لها الاسر الجزائرية، بفضل خلاياها المتراصة ونجحت في صد ومقاومة هذه الثقافة الدخيلة. ما كان هذا ليكون لولا حنكة وذكاء الجزائريين، الذين أحسنوا استغلال اللغة الفرنسية، للدفاع عن قضيتهم الوطنية العادلة إبان الاستعمار من خلال محمد ديب وكاتب ياسين الذي قال »أكتب بالفرنسية لأقول أنني لست فرنسيا« وتحكموا وتمكنوا من توظيفها من أجل الانفتاح على العالم وفتح نافذة على الآخر غداة الاستقلال، عكس الكتاب الذي استعرضت فيه هذا الموضوع من الجذور إلى يومنا هذا. الجمهورية: وماذا عن المسرح الهاوي، باعتبارك ابن مدينة مستغانم؟ - ح.دحمان: حقا مستغانم هي مدينة المسرح الهاوي بلا منازع التي فتحت ذراعيها لاحتضان المواهب وإبراز طاقات وإبداعات الشباب المحب والممارس لفن الخشبة، وأنجبت العملاق ولد عبد الرحمن كاكي أو عمي الجيلالي واليوم جمال بن صابر سائر على درسها، لايمكننا أن نتحدث عن المسرح الجزائري دون التطرق إلى المسرح الهاوي بمستغانم، لاسيما إذا علمنا أن هناك مسرحية كتبها الشيخ العلاوي سنة 1920 لم يتم تناولها أو التطرق إليها قط، مع أنها بالغة الأهمية كتراث فني، ورغم أنني سلطت الضوء على مسرح الهواة في مؤلفي إلا أنني أرى بأنه يستحق أن نفرد له كتابا خاصا، وهو مشروع أنوي الشروع فيه في المستقبل القريب، نظرا لما يكتسيه من أهمية بالغة، جعلته يمدد أبعاده من الوطني إلى المغاربي والعربي وقريبا متوسطي، وربما دولي، بالنظر إلى الفرق المسرحية الأجنبية، التي صارت تحرص على الحضور فيه. الجمهورية: هل لنا أن نعرف المصادر والمراجع التي استندت عليها؟ - ح.دحمان: في الحقيقة اعتمدت في تأليف هذا الكتاب على ما يزخر به المسرح الوطني محيي الدين بشطارزي من أرشيف ووثائق، وايضا على المقالات الصحفية، التي تناولت المسرح بشكل مفصل، من خلال كتابات كمال بن ديمراد ورشيد رمضاني وغيرهم من الصحفيين حيث اشتغلت على ملخصات العروض وتغطيات المنشورة في الجرائد. الجمهورية: ماهي قراءتك للنقد في المشهد المسرحي؟ - ح.دحمان: في الحقيقة المسرح الجزائري يعاني من مشكلين أساسيان أولها التوزيع والنشر، وعليه ادعوا كل المثقفين والمهتمين وأهل الاختصاص إلى الالتفاف حول المسرح الجزائري والتفكير بجدية لحل هذه المعضلة، ثم هناك النقد، لايهم ان كان ايجابيا أو سلبيا، المهم أن يكون ويساير ويتابع مايعرض على الخشبة، ويؤدي وظيفته كما ينبغي ويساهم في تطوير أبي الفنون والرقي به. وتفادي تراجعه إلى الوراء، أو زوال هذا التراث المهم في حياة الشعوب، وأشير هنا الى العمل الكبير الذي أنجزه الاخوة »غي« الالمان، عندما أعادوا واستثمروا في التراث الشعبي، من أجل خلق ثقافة وطنية، إذن لابد من البحث عن لغة وسطى لإبراز وتثمين جسور ثقافتنا وتراثنا وأدبنا الشعبي، حقيقة هناك نقد صحفي يقوم بدوره على أكمل وجه وتمكن من سد الفراغ في ظل تكاسل النقاد المتخصصين، لكن يبقى النقد الجامعي أكثر من ضروري ومهم في المشهد المسرحي والحراك الثقافي، والعمل المشترك والمتكامل خدمة للمسرح الجزائري الذي يبقى فوق كل الاعتبارات أرى أنه من الضروري وجود قوافل مسرحية تجوب المدارس والثانويات، لتقريب المسرح من الجمهور والتعريف والتحسيس بأهميته، فالمسرح ليس فضاء للتسلية بل هو وسيلة للتواصل، لديه رسالة نبيلة، تعمل على تعرية الواقع والكشف عن أحداث وظواهر ما أو سرد قصة، أو تسليط الضوء على أشكال الظلم وألوان العنف، كما كان عليه الحال أثناء الاستعمار حيث ساهم هذا الفن في تعبئة الناس وتحفيزهم على التنمية المستدامة والاهتمام بالثقافة خلال الاستقلال. فالتجرأ على المسرح أمر غير طبيعي ومرفوض على الإطلاق وعليه لابد من كشف كل من يتجرأ على هذا الفن الراقي، والحرص على رفع مستوى التكوين فيه. الجمهورية: نعلم أن حبك للمسرح جعلك تحتك بعمالقة المسرح الجزائري، كيف تقارن بين الجيل الماضي والحالي؟ - ح.دحمان: بكل موضوعية لا يمكنني الاجابة على هذا السؤال، لسبب بسيط، هو أنني لست على دراية تامة بما يقدمه الجيل الحالي من أعمال، خلافا للرواد الذين سبقوهم، على غرار كاتب ياسين وكاكي علولة الذين احتكت بهم وعرفتهم عن كثب، وهذا بحكم إقامتي في فرنسا، وهو ما جعلني اشتغل على مسرح سليمان بن عيسى القريب مني، لكن الشيء الأكيد أن المقاربة ليست نفسها طالما أن المدلول في حد ذاته تغير، فكل الاسماء التي ذكرتها تبقى راسخة في المسرح الجزائري، ولابد من تكريمها وإكمال مسارها وحمل مشعلها وتوصيله للأجيال القادمة. الجمهورية: تدرس الإتصال وتكتب عن المسرح، كيف هذا؟ - ح.دحمان: هناك مقاربة أكيد، المسرح كوسيلة أو أداة للاتصالات والتواصل بما فيه الالكتروني والعصري أو الحديث وفضلا عن هذا أنا من أشد المهتمين بحوار الحضارات والديانات والثقافات.