في إطار برنامجها الاسبوعي »لقاء الكلمة«، استضافت ميدياتيك بشير منتوري نهاية الأسبوع الفارط، الباحث أحسن ثليلاني، الذي قدم عرضا لكتاب »مختارات من المسرح الجزائري الجديد« لمجموعة من المؤلفين الجزائريين المقيمين بالخارج. اعتبر المحاضر هذا الكتاب الذي تكفل بمهمة ترجمته من الفرنسية الى العربية، مرجعا هاما وضروريا لكل باحث أو مهتم ومشتغل بعالم المسرح في بلادنا. مشيرا الى أنه اشترك في تأليف هذا الكتاب الذي يحمل عنوان »مختارات من المسرح الجزائري الجديد« عشرة مؤلفين كلهم مقيمون بديار الغربة. من هؤلاء المؤلفين، ذكر المحاضر »ألاك بايري تومي« الذي ألف مسرحة »سائق سيارة الأجرة«، وهو مؤلف جزائري ترعرع ببلاد القبائل ثم رحل الى فرنسا سنة 1984، ليشتغل بالتدريس في الجامعات الفرنسية ثم بجامعات الولاياتالمتحدة.. علما أنه اختص في الآداب الفرانكفونية، وله نشاط كبير بموقعه على شبكة الأنترنت، ويعمل بشكل كبير على التعريف بالأدب الجزائري، خاصة في أمريكا. المؤلف الثاني هو يوسف طهاري من خلال تقديم مسرحيته »قلائد الياسمين«، وعمر أو معزيز في »جولة أخرى«، وهي مسرحية ذات حوار ثنائي يقودنا فيه الكاتب الى عوالم فلسفية ووجودية لا تقل مستوى وطرحا عن طرح رواد مسرح العبث في العالم. من بين مؤلفي الكتاب صوفي عمروش (بنت الشاعرة الطاوس عمروش)، التي سجلت مسرحيتها »جبل الأموات«، وهي رائعة تمزج بين العجائبية والخيال والواقعية، وهو ما يعرف عالميا بمسرح »القسوة«، حيث يبهر المشاهد بلوحاته المصورة للفظاعة والقسوة وكأنها (أي المشاهد) تزيد أن تطهر أعماق المتلقي من الشر والضغائن، فنحن عندما نصور الشر فإننا ندعو بطريقة غير مباشرة إلى الخير. مؤلف آخر وهو عاشور أوعمارة الحاضر بمسرحيته »المرحومة«، التي تتحدث عن القتل والموت، وكذلك عيسى خلادي في »جنة الآمال الزائفة«، وهي ذات مستوى رائع في الاتقان وصنعة الكتابة المسرحية. يحضر أيضا نور الدين مغسلي في »ألجيرينو« وهي كلمة مشتقة من القبائلية، إذ أن أم الشاب المغترب تمنع العائلة من تقبيل واحتضان ابنها حتى تفعل هي ذلك اولّا وتشبع منه، قائلة لابنها »ألخيريونو« (أي خيري أنا). مؤلف آخر هو مجيد بن الشيخ من خلال نصه المسرحي »أمسية في باريس«، وهو الوحيد في الأدب الجزائري الذي يصور مظاهرات 17 اكتوبر بفرنسا، إذ يصور القتل الممارس ضد الجزائريين المغتربين، وهذا القتل لم يكن عبثيا وليس وليد لحظة المظاهرات، بل كان مخططا له، تأتي أوامره من السلطة الفرنسية الرسمية، وهي صورة تفضح الفكر الاستعماري الفرنسي. المحاضر أشار الى الفراغ الذي يعانيه المسرح الجزائري في تناول الموضوعات، منها مظاهرات الجزائريين إبان الاحتلال التي لم يكتب عنها، وأيضا موضوع الحرب والطفل في المسرح العربي، الذي لا يوجد له أثر في مسرحنا ولا في المسرح العربي، بينما يتم طرح مواضيع اخرى تقل اهمية وتكاد تتكرر. وأكد المحاضر أن 70 بالمائة من مضمون كتاب »مختارات من المسرح الجزائري الجديد«، هو مضمون سياسي، ويتطرق اكثر الى المأساة الوطنية الاخيرة، ليس من خلال الشعارات، بل بعمق وتحليل، ليجد القارئ رؤية واضحة. وفي هذا الصدد قال المحاضر، » إن الكاتب المغترب البعيد عن ارض الوطن يرى أوضح منا، ذلك أننا كنا جزءا من المأساة بينما الكاتب المغترب كان معنيا بها وجدانيا«. على الرغم من أن الكتاب باللغة الفرنسية، إلا أنه مرتبط بالواقع الجزائري، وعموما، فإن الأدب الجزائري الكتوب بالفرنسية - حسبما أشار إليه المحاضر- هو أكثر قربا من الأدب المكتوب بالعربية، لأنه أكثر قوة وعمقا وقربا وشجاعة وجمالا. نصوص مسرحيات الكتاب ذات مستوى راق رغم مضمونها القاسي أحيانا، وهي لا تعني أبدا تبعيتها للأدب الاستعجالي، ذلك أن المؤلفين تحكموا في الصنعة الفنية. إن المسرحية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية تميزت بالطابع الشعري منذ بداياتها مع كاتب ياسين في »الجثة المطوقة« و»المرأة المتوحشة«، وكذلك في كتابات آسيا جبار. من جهة أخرى، دعا المحاضر أهل المسرح عندنا، إلى الالتفات الى هذه النصوص والاستلهام منها، وعلينا - كما قال - أن نستعيد هذا المسرح المهاجر ليستفيد ويتمتع به الجمهور الجزائري، لأن محتوى هذا المسرح يبقى جزائريا محضا رغم تعدد لغاته. كتاب » مختارات في المسرح الجزائري الجديد« ترجمة احسن ثليلاني صادر عن وزارة الثقافة، وقد أشرف على ترجمته المعهد العالي للترجمة (420 صفحة بالفرنسية و320 صحفة مترجما إلى العربية). للتذكير، فإن أحسن ثليلاني أستاذ جامعي وكاتب مسرحي، حصل على جائزة مصطفى كاتب السنة الفارطة، له كتاب »المسرح الجزائري والثورة التحريرية«.