من الطبيعي أن أي إبداع لا يكتب من فراغ، بل يكتب وهو مسنود بماض في صيرورة حاضر، تدفعه إلى مستقبل، فهو ضمن المسار الزمني مرتبط به. ليست الكتابة الإبداعية مجرد تطبيق لقواعد نقدية موضوعة سلفا من قبل النقاد، بل هي حالة من البحث الفني الدائم التعبير عن قضايا ومضامين معاصرة، تصاحبها وتوازيها رغبة في تطوير القواعد القديمة، وخلق قواعد جديدة، تخرج من رحم العمل الفني الجدي. ليس الإبداع محاكاة للمناهج التقليدية وليس خضوعا لمناخها الثقافي،"حيث كان الكاتب المسرحي الأول يصور الصراع بين الحياة والموت، أو بين الخلود والفناء أو بين الخير والشر"،كما أنه ليس إعادة كتابة للموضوعات التي طرقت، ومشاعر عبر عنها غيرنا، وإنما هو طاقة متجددة للتعرف، هي ذات حيوية مصبوغة بجمالية الخلق، ذاك شأن الكتابة المسرحية في كل زمان ومكان، وفي كل حقبة، ما دامت شكلا من أشكال الإبداع الإنساني بشكل عام. تنطلق الكتابة من فكر يشكل الواقع، وقد تتمرد عليه، ولكنها تتوجه في كل الحالات إلى العصر الذي كتبت فيه، قد تتخطاه أيضا إلى عصر لاحق، وفق شروط موضوعية تتوافق مع طبيعة الكتابة، فالكاتب لابد له من مقاربة عصره مقاربة كاملة كما يقول سارتر. ليس هناك نص مسرحي جيد دون فكر، كما أن ليس هناك فكر دون قيم، والمؤلف المسرحي شأنه شأن كل مبدع يبدأ في التفكير والتأمل في المادة قبل الشروع في صياغتها، كما أن الكتابة هي صورة الفكر الرئيسية. ليست الكتابة المسرحية كذلك قوالب جاهزة، توظف متى احتجنا إلى إبداع نص مسرحي، رغم أن الكتابات النقدية حول التأليف المسرحي مفيدة من حيث أنها تلخص خبرات الكتاب والمسرحيين وطرق كتابة الإبداع الدرامي وفق الأساليب الفنية المتباينة، رغم أنه تبقى الممارسات خير معين لاكتساب ملكة الإبداع في مجال الكتابة،" ففعلا هناك أصول وقواعد الكتابة، هذا صحيح ولكنها لا يمكن أن تكون بديلا عن الدليل الحقيقي لفن كتابة المسرحية، بل إنها أبعد ما تكون عن ذلك، لأن الكتابة المسرحية أو أي كتابة فنية وأدبية أخرى ليس لها إلا دعامتان فقط؛ وهما الاستعداد الفطري أو الموهبة والثقافة"، فبالثقافة تصقل الموهبة، ومن ثمة يكون الخلق والإبداع الذي يجب أن يكون السمة المميزة لأي تجربة كتابية، فالمجتمع البشري يدرج ويشب متغنيا بأحلامه، ثم يأخذ بعدئذ في سرد أعماله، ثم يعهد آخر الأمر إلى تصوير أفكاره، كما يقول (فيكتور هيجو) في مقدمة كرامويل. يعتبر فن كتابة المسرحية أدب مثله مثل سائر الفنون القول، ومنه يمكن القول كذلك أنه بدون النص المسرحي الذي يمثل الكلمة، التي تحمل بدورها قيما فكرية وفنية ذات مستوى لا يمكن أن تكون للعبة المسرحية قائمة، حتى وإن قلل من أهمية المؤلف في المسرحية المعاصرة، آخذين المؤثرات البصرية، والسمعية، والحركية، في الفضاء الركحي بديلا، فمهما كان الامتياز الذي حققته هته التأثيرات، ومهما كان النجاح الجماهيري الذي حققته بالارتكاز على عنصر الفرجة، وقوة تأثيرها، فان فن المسرح كما نشأ منذ بداياته الواعية سيظل طالما ظل الإنسان يبدع فنا، معتمدا على الكلمة في تصوير عناصر المسرحية؛ "فلا عرضا مسرحيا بلا نص، ولو كان مرتجلا، ومن ثم أيضا نضع أيدينا على أهمية الكلمة في النص المسرحي، حيث انتهت كل التجارب التي تجرأت على قداسة النص المسرحي، فاغتالته بالفعل المسرحي، من حركة، وإيماء، ورقص وصمت، وموسيقى، إلى الفشل الذريع ، إذ لم تعمر إلا سنوات معدودات، وعدت من المسرح التجريبي"، ومنه نقول أن النص والكتابة المسرحية هي سيدة اللعبة المسرحية بلا منازع، منذ أن كان الكاهن كاتبا في عصر الإغريق. مهما قلنا عن الكتابة وعملية الإبداع في المسرح، فان أهدافها تتعاضد وتتكاثر لتعبر عن تقدم الأمم ورقيها، لكن ما يلاحظ عن الدراسة في هذا الموضوع أنها محاطة بالكثير من المعوقات، التي تحول دون الإلمام بموضوع الكتابة المسرحية.