أكّد المخرج المسرحي " جمال قرمي " أن المهرجانات سانحة حقيقية لالتقاء المبدعين من كتاب وممثلين ومخرجين ، و فرصة هامة لتبادل التجارب و الخبرات ، ورغم طابعها المناسباتي الذي يظهر جليا في العمل الارتجالي سواء في التحضيرات أو العروض المقدمة ، إلا أنه يعتبرها مكسبا للحركة المسرحية ببلادنا ، و أنها ليست تبذير للأموال كما يعتقد البعض ، كما كشف جمال قرمي في الحوار الذي خص به أمس جريدة الجمهورية أن اللجنة الفنية بالمسرح الوطني اختارت 9 نصوص من بين 54 نصا مسرحيا في إطار مخطط المشاريع الذي ستقدمه خلال السنة الجارية ، هذا إلى جانب تصريحات أخرى تابعوها في الحوار التالي : الجمهورية : تحدثت في عملك المسرحي الأخير " سقوط حصن وهران " عن الصراع الذي كان قائما بين العثمانيين والإسبان في القرنين 15 و16 ، ما سبب اختيارك بالذات لهذا النص ؟ وما هو الفرق بين العملين الدرامي و التاريخي ؟ جمال : المسرحية جاءت في إطار قسنطينة عاصمة للثقافة العربية ، لذا كان الاختيار من طرف لجنة اختيار النصوص التابعة لدائرة المسر ح، وقد أسند إلى الإخراج من قبل المسرح الجهوي لسعيدة ، وقبل أن أعرّج على الفرق بين العملين المسرحيين الدرامي والتاريخي، يجب أن نفتح قوسا حول مفهوم الدراما ، وهي كلمة يونانية الأصل " dran " ، ومعناها الحرفي "يفعل ، أو عمل يُقام به " ، ثم انتقلت الكلمة من اللغة اللاتينية إلى معظم لغات أربا الحديثة ، لأن الكلمة شائعة في محيطنا المسرحي ، فيمكن التعامل معها على أساس التعريب ، فنقول : عمل درامي ، حركة درامية ، كاتب ، ناقد ، عرض ، معالجة ، صراع ، فن ، مهرجان ، تاريخ ، أدب ، فرقة ، أندية ...الخ إذا كان كل ذلك يتعلق بالنص .. ولقد عرّف أرسطو الدراما بأنها " محاكاة لفعل إنسان " ، وأيضا لا ننسى أن هناك دراما اجتماعية ودراما هزلية ، و أيضا دراما رومانسية ، دينية ، جادة ، شعبية ، قومية ، ملحمية ودراما نفسية ، فعندما نتحدث ونقول أن دراما تفوقت على دراما ما ، فإن هذا التفوق يجب أن يكون في كل هذه الأنواع ،إلى جانب طبعا الدراما التاريخية ، ويمكننا أن نقول " مأساة تاريخية " أو ملهاة تاريخية ، مثلاُ إذا كان الموضوع المعالجة مستمداً من أحداث الماضي ، أما عن مدى التزام الكاتب المسرحي بالحقيقة التاريخية التي يعالجها ، فقد مال بعض النقاد إلى القول بوجوب التزامه بالخطوط العامة الأساسية، دون التقيد بالتفاصيل الجزئية ، بينما مال البعض الآخر إلى التصريح الحرّ للكاتب، بأن يعمل خياله في المادة التاريخية ، مثلما يعمله في وقائع الحياة. تراجع الحركة المسرحية الجمهورية : كيف تقيم واقع الحركة المسرحية ببلادنا اليوم ؟ جمال : عرف المسرح الجزائري الكثير من الصعوبات ومرّ بمراحل تاريخية متعددة، ورغم أن هذه المراحل كانت قصيرة، إلا أن كل واحدة منها تتميز بصفات خاصة تعطيها طابعها المستقل عن المرحلة التي سبقتها ..المسرحيات التي كانت تنتج سنوات السبعينيات هي الأحسن مقابل المسرحيات التي تنتج حاليا ، الحركة المسرحية الجزائرية تمكّنت بعد الاستقلال رغم قلة الإمكانيات ونقص التكوين والتأطير من خلق صلة وطيدة بالجمهور الذي وجد في المسرح المجال الحيوي الذي يعبّر عن همومه وطموحاته في حياة أفضل خاصة في نقد الواقع اليومي، واليوم رغم الراحة المالية التي تعرفها البلاد، إلا أن المستوى يعرف تراجعا يوما بعد يوم، ما جعل المهتمين يتساءلون عن الحل للخروج من هذا الركود ، إن المسرح الجزائري ليس كائنا غريبا، فهو مثله مثل السياسة والاقتصاد والتعليم، هو يؤثر ويتأثر ، فلن يكون أحسن حال من ميادين أخرى.. الجمهورية : ما زالت النصوص المسرحية الجزائرية تعتمد بشكل كبير على السردية والأسلوب المباشر في الطرح و المعالجة ، ألا تعتقد أنه حان الوقت للخروج من هذه القوقعة والانفتاح أكثر على رؤى إبداعية أخرى ؟ جمال : النص المسرحي هو شكل من أشكال الوعي الاجتماعي الذي ألصق الفنون بالحياة ، هو جدل يتحقق في أشخاص وأفعال، خصوصا أن الحياة لا تقف ساكنة، بل هي في حركة وتطور دائمين، ولعل هذا الشعور، لا يترجمه إلا العرض المسرحي، الذي هو في حقيقته وحدة عضوية تضم في بنيتها مجموعة من العناصر المترابطة فيما بينها كمجموعة من العلاقات المعقدة التي تحدّد دور ووظيفة وفاعلية كل عنصر، ما جعل عملية استيعاب العرض المسرحي، وتذوقه، لا يتم دون معرفة عميقة ، الكاتب ابن بيئته وعصره لكن معظم الكتاب ابتعدوا عن بيئتهم ، و كذلك عن الميدان المسرحي الذي يعطيهم معرفة في خفيا الخشبة و تقنياتها ، لكي يغيروا أسلوبهم من السرد إلى الكتابة الركحية . الجمهورية : اتجه الكثير من المخرجين المسرحيين إلى الأعمال الفكاهية الساخرة ، وأهملوا في نفس الوقت الدراما و النصوص الاجتماعية ، في رأيك ما هو السبب الكامن وراء ذلك ؟ جمال : السخرية ظاهرة إنسانية قديمة ، لا أحد في وسعه أن يحدد تاريخ نشأتها ، فإذا هي أُخِذت بمعنى التحقير والتذليل والانتقاص من قيمة الآخر، فإننا نجدها تتسرَّب إلى سائر النشاط الإنساني والتعبير الأدبي، وهي تنطوي غالباً على الإحساس بالتفوُّق والقدرة على التشويق والتأثير، السّخرية في الأدب كما أفهمها هي أبْعد من أنْ تكون تَفكُّهاً خالصاً ، وأرفع من أن تكون مجرد هُزْء يستهدف القذف والتجريح .. إنها صياغة فنية تستبطن قَدراً من الحكمة ، ومن غير أن نخوض في تفاصيل تاريخية ، فإن الأدب العربي كغيره من الآداب، لم يَخْلُ من السخرية ، بدْءاً بشعر الهجاء إلى المؤلفات النثرية مثل «المقامات وبخلاء الجاحظ، وأخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي» وغيرها، واستمر تواجدها في الأدب الحديث ... ميزت السّخرية والتهكم الأعمال المسرحية ذات المواضيع الاجتماعية والوجودية في المسرح الجزائري الحالي، لأن جيلا من الفنانين الشباب أضفوا على المسرح الجزائري روئ جديدة من الناحية التصورية و السينوغرافيا ، و أيضا في طريقة آداء الممثلين ، إن السخرية في المسرح تقتضي مهارة نادرة في القدرة على التلاعب اللفظي كما كان المدح بما يشبه الذم أو الذم في معرض المدح، وهي مَلَكة لا يتمتَّع بها كل الأدباء، إذْ المسرح الساخر هو الذي لا يكتفي بإتقان اللغة والأداء الجميل المتميز، وإنما تكون لديْه القدرة ، وبدرجة عالية من الذكاء على مفاجأة المتلقي بقَلْب الوضعيات، أن يخرق النمطية فيجعل المألوف يبدو غير مألوف ، لذلك يستحق عملُه أن يُدْرج في صميم الإبداع .. فضاء لالتقاء المبدعين الجمهورية : ما الدور الذي تلعبه المهرجانات في المشهد الركحي ؟ هل تعتقد أنها تدعمه ؟، أم أنها مجرد تبذير للأموال ؟ جمال : المهرجانات مكسب للحركة المسرحية في الجزائر إذا أحسن تنظيمها وترويجها ، ولا نستطيع أن نحكم على المهرجانات على أنها تبذير للأموال، إنْ بواسطة الحركة أو الصوت أو الصورة أو الكلمة التي هي أداة ، سمحت لي مشاركتي في بعض المهرجانات المسرحية، بالتعرف على بعض الجوانب من واقعها، وقد تشكلت لدي نظرة عن مستواها وجدواها، وهي أن تنظيم هذه المهرجانات ومهما كانت النقائص التي يلاحظها أي مشارك فيها، تبقى فضاءً ضروريًا يلتقي فيه بعض الكُتّاب والمبدعين و الفنانين والباحثين لتبادل التجارب والاستفادة من هذا الاحتكاك الثقافي، أما السلبيات والنقائص التي تحد من فعالية هذه المهرجانات والملتقيات، فهي كثيرة وجل هذه المهرجانات يغلب عليها الطابع المناسباتي، ويظهر ذلك جليًّا في العمل الارتجالي سواء في التحضيرات لها أو في الجو السائد أثناء أشغالها، ومن سلبياتها اختيار مشاركين غير مؤهلين لمواضيع هذه الملتقيات أو قبول مساهمات متواضعة، بالتالي لا يُكتشف في مثل هذا الجو المتسرع مسرحيين ، ولا يظهر فيه باحثون متميزون يقدمون أعمالا تضيف جديدا في الساحة المسرحية ، تعد المهرجانات المسرحية في العالم فرصة للشباب المبدع الخلاق لإبراز قدراته، ومواهبه ، وهي في الحقيقة دافع معنوي ومادي لإظهار هذه الإمكانيات واكتشافها،وتعمل الهيئات المعنية وهي في أغلبها كُتاب ومبدعون على إنجاح مثل هذه الفعاليات وجعلها أداة للإنتاج المعرفي وتأسيس الهوية الثقافية وبعث تراثها، كما تصر الهيئات الثقافية في العالم على كسب ثقة الجماهير بتقديم الجيد والجديد والمذهل و اللامتوقع وهي في الغالب هيئات تجديدية غير نفعية .. الموهبة لا تكفي الجمهورية : هل جمال قرمي مع عملية الاقتباس في المسرح ؟ جمال : الاقتباس عنوان كبير يمس المسرح العربي على المستويات الثلاثة وهي مستوى النص المسرحي ،النقد والعرض المسرحي، ورغم أن المسرح العربي قد تشكل من خلال صيغة المسرح الغربي، وسار على منواله ، إلا أن مفردات المسرح العربي متنوعة ، فهي مقتبسة ومترجمة ومؤلفة، ويبدو أن التأثر في المسرح الغربي، هو ما أدى إلى اقتباسه بعد الافتتان بهذا الفن الجديد، الذي لم يكن معروفا في المجتمعات العربية، ليكون القرن ال19 هو بداية الإشارة إلى المسرح العربي، متأثرا ومقتبسا من المسرح الغربي ، الاقتباس المسرحي أمر متعارف عليه عالميا وأن المشكل يبقى في الظواهر الدخيلة التي أصبحت تحكم المسرح الجزائري ، المسارح هي التي أخذت مبادرة الاقتباس لإشباع الاحتياجات المادية التي عجز عن سدها الكتاب المحليون، أنا لست ضد الاقتباس لأنه تمرين حقيقي للكتاب المسرحين للولوج إلي عالم التأليف.. الجمهورية : هل الورشات التكوينية هامّة في مسيرة الفنانين الشباب ؟ ، أم أن الموهبة تكفي لنجاحه و تألقه في مشواره المسرحي ؟ جمال : الموهبة لا تكفي لكي تكون مبدعا ، يجب أن تصقل بالورشات التكوينية ، لأن المبدع دون خيال و ذكاء و ذاكرة مثل الأرض البور الغير صالحة للزراعة ، وهي النواة الحقيقية للإبداع ، لذا يجب أن تتطور من خلال التكوين ، هذا إذا أردنا أن نجعل من الحركة المسرحية حقيقة محترفة ، لأنه هناك فرق بين الحرفة و الاحتراف ، فالاحتراف هو الالتزام و طريقة العمل و المستوي المعرفي ، ثم تأتي الحرفة و هي كسب المال .. الجمهورية : ما هو الجديد الفني الذي يعكف على تحضيره حاليا جمال قرمي ؟ جمال : أنا الآن في اللجنة الفنية بالمسرح الوطني بالجزائر العاصمة ، و نحن بصدد وضع مخطط للمشاريع التي تقدم في سنة 2016 ، حيث وجّهنا نداء إلى كل الكتاب من أجل التقدم لقراءة المسرحيات ، وقد وصلنا إلي قراءة 54 مسرحية اختيرت منها 9 مسرحيات، سنعلن عنها في الندوة الصحفية التي ستنظم خلال هذا الشهر ..