يتصفح سعدي عزيز على مدار الساعة، صفحة وكالته العقارية «المنزه» على الفايسبوك، يحاول قدر المستطاع، الاضطلاع على الكم الهائل من الرسائل والتعليقات، التي ترده من المشتركين أو الزوار...لقد بلغت الاتصالات على الهاتف والميسنجر الذروة، وإشعارات الرسائل القصيرة تكاد لا تتوقف، ولأن معالجة كل الطلبات والرد على اتصالات وأسئلة المتصلين، التي تفوق في معظم الأوقات 300 في اليوم، ليست بالمهمة السهلة، فهو يتقاسم هذا العمل مع فريق مكون من مشرفين على الصفحة ووكلاء تجاريين، حيث تدرس الطلبات وتمنح لها الأهمية والمتابعة حسب الأولوية ...هكذا هي يوميات عزيز مع الفايسبوك، الذي غير مجرى حياته المهنية، ورفع رقم أعماله بكثير.. لم يكن هذا الشاب يعرف منذ أن سارع إلى فتح صفحته هذه في 2012، أن مجرد التفكير في استغلال هذه الشبكة الاجتماعية لتسويق عقاراته - التي كان له السبق فيها - ستصبح يوما ما ركيزة أساسية في حياته المهنية، وسببا في تعزيز انتشاره وتحقيق نجاح، ما كان له أن يكون، لولا هذا العملاق الأزرق... يؤكد عزيز أن المواقع الخاصة والمتخصصة في العقار، لم تصمد أمام سرعة الانتشار التي يوفرها الفضاء الأزرق، الذي بات يحتل الصدارة في العالم دون منازع، كما أنه فرصة حقيقية للمحترفين، فصفحته تحظى بمتابعة كبيرة من قبل رواد الفايسبوك، ب121371متابعا و121646 معجبا، مضيفا أن 80 بالمائة من الصفقات العقارية التي يعقدها اليوم، مصدرها الفايسبوك، في حين تتراوح نسبة الزبائن الحقيقيين أو المحتملين، من مجمل الاتصالات التي يتلقاها يوميا، ما بين 10 إلى 20 بالمائة، وفي بعض الأحيان، لا يتردد في تمويل إشهار عقار مهم، من أجل الظفر بالصفقة، وبيعه قبل منافسيه في السوق. «الفايسبوك» يستقطب المهنيين والزبائن الافتراضيين هذه الحقيقة، أدرك أثرها مهنيو العقار بوهران، التي أجبرتهم على ضرورة التكيف مع المعطيات الجديدة، بغية إعطاء نفس منعش للسوق، يأتي هذا في وقت بلغ فيه عدد مستخدمي الفايسبوك أكثر من مليارين في العالم، وحوالي 18 مليون في الجزائر، أرقام جعلت العديد من الوكالات العقارية، تسارع إلى اعتماد أدوات الاتصال الجديدة، لتوسع دائرة عرضها، سعيا منها لاستقطاب أكبر عدد من الزبائن، من باعة ومشترين ومستأجرين، فالتنافس بات على أشده لتلبية طلباتهم، من خلال صفحات جذابة وملمة بكل المعلومات والأخبار، وعروض تلبي مختلف الرغبات وتناسب كل الميزانيات، في البيع و الشراء كما في الكراء، التي يبحث عنها الزبون، بغض النظر عن موقعه الجغرافي في هذا العالم، وسيلة جعلت الطرق التقليدية للمكاتب العقارية، التي كانت تعتمد في السابق على تناقل الأخبار شفويا، قاب قوسين أو أدنى من التلاشي. مواقع« الأنترنت» أكثر مصداقية من الوسائط الإجتماعية يقول السيد لوني مالك الوكالة العقارية «لوني»، الكائنة بشارع عبان رمضان وسط مدينة وهران، أنه كان من بين السباقين الذين أنشؤوا موقعا لوكالاتهم على شبكة الأنترنت في وهران، كان ذلك سنة 2003، حيث يحرص منذ ذلك الوقت على تحيينه باستمرار، وجعله يوفر كل المعلومات والمواد التي يحتاجها ويبحث عنها الزبون، مؤكدا هنا أن وسائل الاتصال الحديثة، اختصرت الوقت وقلصت المسافات بينهم وبين زبائنهم، كما عززت من انتشاره داخل وخارج الوطن، وهنا أوضح المتحدث « أسهر على تحديث موقع وكالتي، وجعله يساير كل المستجدات في هذا المجال، لجذب المتصفحين له الذين بلغ عددهم أكثر من 600 ألف شخص، فاهتمامي منصب على الموقع، أكثر من صفحة وكالتي على الفايسبوك، التي فتحتها في الآونة الأخيرة، وسأعمل على تطويرها مستقبلا، لأننى لا حظت أنه كان لها صدى لدى رواد هذه الشبكة الاجتماعية، ممن تفاعلوا معها بشكل إيجابي»، لكن لوني جاءت وجهة نظره مخافة، فهو يرى أن مواقع الأنترنت، أكثر مهنية ومصداقية من الوسائط الإجتماعية، كونها مكرسة للمحترفين فقط، موضحا هنا «أصبح لدينا اليوم زبائن من مختلف الولايات، وحتى من خارج الوطن، ممن ربطت معهم علاقات عمل عبر موقعي، وهناك من منحوني وكالة موثقة لتسيير أملاكهم هنا، رغم أنني لم ألتقيهم قط، وهؤلاء فاق عددهم 15 زبونا، من البرازيل وتاهيتي وفرنسا، وهناك من وضعوا ثقتهم في، لتسيير أملاكهم العقارية دون عقد وكالة»، كما كشف لوني قائلا « كنت أول من وضع فيديوهات للعقارات المعروضة للبيع عبر موقعي على شبكة الأنترنت، التي تتيح زيارة إفتراضية للسكن من خلال هذا التطبيق، لكن سرعان ما تراجعت وحذفتها، بعدما اكتشفت أن ثمة محتالين من الزبائن كانوا يتصفحون الموقع، من أجل تحديد موقع العقار، بعد ذلك يسارعون إلى شرائه مباشرة من صاحبه». الفوضى تفرض منطقها على السوق يشهد قطاع العقار غياب التنظيم، الذي أغرقه في متاهات لا متناهية، بين وكلاء يمارسون عملهم بطريقة قانونية، يدفعون ضمانات ويدافعون عن هذه المهنة، وسماسرة ووسطاء يفرضون وجودهم خارج هذا الإطار، وآخرون يختفون وراء ما يسمى بمكاتب الأعمال، التي اكتسحت الساحة وهي تنشط دون اعتماد، وتجنى الملايير من وراء المتاجرة بالعقار خارج حدود القانون، دون أن تدفع أي مستحقات، أو تساهم في دعم خزينة الدولة ولو بدينار واحد !! وبين هذا وذاك أصبح التحكم في دواليب هذا السوق، مهمة صعبة ومعقدة للغاية، تحتاج إلى إرادة سياسية قوية لضبطها وتنظيمها، بغية إعادة الأمور إلى نصابها، لاحتواء الفوضى التي يشهدها قطاع العقار في بلادنا، وتكثيف الجهود لإسترجاع الأموال الطائلة المتداولة خارج خزينة الدولة. «فناي» متذمر من الدخلاء يرى رئيس مكتب الفدرالية الوطنية للوكالات العقارية «فناي» بوهران، وعضو مجلسها الوطني محمد يحياوي، أن الفايسبوك أصبح فضاء مفتوحا للجميع، للوكلاء المعتمدين والمحترفين و للخارجين عن القانون أيضا، من أصحاب مكاتب المال والأعمال، ممن لديهم صفحات متخصصة في العقار على الفايسبوك، يعتمدون فيها على الإبهار، من خلال عروض عقارية مغرية، ومنهم من تخصص في العقارات الفاخرة ! لكنهم في نهاية الأمر غير قادرين حتى على منح فاتورة لزبائنهم،لأن القانون لا يخول لهم ذلك، ويمنعهم من عقد كل الصفقات ذات الصلة بالعقارات، فمهامهم حددت في نشاطات الوساطة التي تهم المجال الاقتصادي والتجاري وكذا المفاوضات، باستثناء النشاطات التي تخضع إلى القوانين.وفي هذه الحالة لا يتأخر هؤلاء في التحايل على القانون، من خلال اللجوء إلى وكيل عقاري معتمد، بغية الحصول على فاتورة لزبائنهم، فالمهنيون والمحترفون الذين يقبلون مثل هذه التصرفات، يضيف محمد يحياوي، هم يسيؤون لسمعتهم وللمهنة أيضا، ويشجعون هؤلاء الدخلاء الذين اكتسحوا الساحة، وباتوا ينافسونهم في السوق... يقول محمد يحياوي، أن الفايسبوك هو وسيلة مهمة في التواصل والاتصال أكيد، ولهذا فهو حريص على جعل صفحة «فناي وهران» على الفايسبوك، ملمة وشاملة لكل نشاطات الفيدرالية وجامعة لكل أخبار ومستجدات سوق العقار على المستوى المحلي، لكن المتحدث يرى أن المشكل لدى ممارسي هذه المهنة، يكمن أساسا في الذهنيات، التي لا تزال حبيسة الوسيط، مما حال دون الارتقاء بمهنة الوكيل العقاري، مضيفا في سياق متصل، أن مساعي مهنيي ومحترفي العقار، منصبة اليوم لجعل أسعار البيع والشراء المصرح بها أو المعلن عنها حقيقية، إذ لا يعقل أن يباع عقار ب 5 ملايير دينار، في حين يتم التصريح في الوثائق الرسمية بمليار دينار فقط !؟ آن الأوان للدولة أن تسترجع كل هذه الأموال المتداولة في السوق الموازية، التي جعلتها الخاسر الأكبر في هذه المعادلة. مكاتب الأعمال المنافس الأول بالنسبة لوكالة « أ أم سي»، فإن العقار مسألة عائلية بامتياز، مهنة ورثها الأخوان سليم ليسانس في العلوم التجارية، وفريد مهندس مدني، عن والدهما رجل القانون محمد أزيل، أكثر من 25 سنة قضاها هؤلاء الوكلاء العقاريون في احتراف هذه المهنة، يرى سليم أن الجزائري بطبعه يحبذ الفوضى، وسوق العقار يعكس تماما هذه العقلية المتجذرة لدى الأغلبية، حيث أوضح هنا «لقد أصبح منافسنا الأول في السوق، هو مكاتب الأعمال، ثم يأتي الوسطاء «المحترفون»، و في المرتبة الثالثة الوسطاء «المناسباتون»، و هنا بإمكان أي كان أن يلعب دور الوسيط، الطبيب والمهندس والمعلم ...ثم يحل الإشهار في المرتبة الرابعة، لكن الأخطر في كل هذا، أن كل هؤلاء ينشرون المعلومات وكل الأخبار المتعلقة بالعقار، على مواقعهم في شبكة الأنترنت وصفحاتهم على الفايسبوك، وهذا يتنافى مع القانون، الذي يفرض عليهم بعد إبرام ثلاث عمليات، ضرورة حيازة السجل التجاري، انتشارهم بات واسعا اليوم على شبكة الأنترنت، واكتساحهم السوق أصبح مقلقا»، كما أضاف المتحدث قائلا : « نعمل منذ حوالي 15سنة وفق المعايير الدولية، وبنفس المستوى الذي تعمل به الوكالات العقارية في فرنسا، لنجد أنفسنا اليوم نغرد خارج السرب ... 80 بالمائة من الصفقات تتم خارج الوكالات العقارية، إما عن طريق الانترنت أو الوسطاء أو مكاتب الاعمال، لقد كان خيارنا الوحيد، أمام هذا الوضع المؤسف، هو الانسحاب من المشهد قليلا، بعدما تيقنا أن سوق العقار بات يعج بالخارجين عن القانون، نحن اليوم نعمل وفق الحجم الذي يناسبنا ويساعدنا، وفضلنا التوجه إلى الترقية العقارية، والتفرغ إلى مشروعنا الكبير، الخاص بانجاز مساكن راقية بوهران شرق». و عن أسعار سوق العقار في وهران يقول سليم « يحتل اليوم العقار الصناعي والفلاحي الصدارة في السوق، ثم يأتي العقار التجاري، من محلات و مكاتب وغيرها، وفي المرتبة الثالثة عقار السكن، وهنا الأسعار تختلف حسب النوع والموقع طبعا، فإذا كان عقار السكن الراقي مستقرا، رغم أن أسعاره تتراوح من 200 ألف دج وما فوق للمتر المربع، فإن المساكن ذات النوع المتوسط، انخفضت بنسبة 30 بالمائة، أما السكنات الاجتماعية الجديدة فسعرها محدد ب 100 ألف دج للمتر المربع، في حين يسجل عقار الأراضي الموجهة للاستخدام، تراجعا ما بين 10 و20 بالمائة، وفي الأخير يأت العقار السياحي، الذي لا يزال غير معروف في بلادنا، نظرا لغياب هذه الثقافة عندنا ». الزبون بين الوكيل والوسيط يجمع عدد من الزبائن أن إشكالية البحث عن السكن، لم تعد مطروحة، منذ اقتحام الوكالات العقارية الفايسبوك، لكن الهاجس الأكبر لدى الكثيرين، كيف يمكن لهم التمييز، بين المحترفين الحقيقيين، والمتطفلين على هذه المهنة، يقول رضا الذي اشترى شقة بوسط مدينة وهران «اقترح علي أحد السماسرة شقة، تتوفر تقريبا على كل المواصفات التي كنت أبحث عنها، وخلال زيارتي لهذا العقار، لم يتم اخباري بمشكل تسرب المياه، الذي كان محل نزاع بين سكان العمارة، وكذا تعطل المصعد الذي لم يتحرك منذ عقود من الزمن، فهذه المشاكل نغصت حياتي وجعلتني أندم على شراء هذه الشقة، حيث سارعت إلى بيعها، وبعد هذه التجربة السيئة، لجأت إلى وكيل عقاري معتمد، الذي عرض علي شقة رائعة تستجيب لكل المواصفات التي حددتها منذ البداية، اشتريتها واليوم أنا راض على عمل الوكيل العقاري، الذي اتصلت به عبر صفحته على الفايسبوك»، كما أضاف المتحدث قائلا : « لقد اكتشفت الفرق الشاسع بين الوكيل العقاري المحترف والمعتمد، الذي لديه خبرة في هذا المجال، ويسهر على ارضاء زبائنه على كافة المستويات، حيث لا يبخل عليهم بالنصح، ويهتم بأدق التفاصيل إلى غاية توقيع عقد الشراء لدى الموثق، و السمسار أو الوسيط الذي همه الوحيد هو اتمام الصفقة ليس إلا». العقار لم تُضبط عقارب أرقامه بعد تشير الأرقام المقدمة من قبل مصالح مديرية التجارة بوهران، إلى وجود 90 وكالة عقارية على مستوى الولاية، معتمدة من قبل وزارة السكن، و28 لا تملك إعتمادا، لكن هذا العدد يبقى بعيدا كل البعد عما هو متوفر من أرقام لدى مصالح السجل التجاري بوهران، التي أكدت وجود 213 وكالة عقارية مسجلة على مستوى الولاية، من بينها 151 بمدينة وهران لوحدها، جاء هذا بعد صدور المرسوم التنفيذي رقم 09- 18 المؤرخ في 20-01-2009، الذي ألزم الوكالات العقارية، التي كانت قبل هذا المرسوم نشاطا حرا، بضرورة الحصول على الاعتماد من وزارة السكن، من أجل مزاولة نشاطها، وهو ما أسفر عن شطب 110 وكالات من قائمة السجل التجاري، أما عدد المنخرطين في غرفة التجارة بوهران، فقد بلغ حسب آخر الإحصائيات المستقاة من هذه الغرفة 223 وكالة عقارية، أرقام توحي كلها بالتضارب وعدم التوافق، وهو ما يؤكد صعوبة معادلة العقار، الذي لم تضبط عقاربه بعد في بلادنا، وكلها مؤشرات توحي بأنه يسير عكس عقارب الساعة.