منذ البدء يمكننا القول : أنه لو كانت نتائج اتفاق الشراكة الجزائرية الأوروبية في مستوى الأهداف المسطرة , لما احتاج إلى إعادة التقييم , و بطلب من الجزائر بوصفها الطرف المتضرر , و الذي اضطرته هذه الشراكة المختلة, بعد 5 سنوات من سريانها, إلى تجميد أحادي الجانب للامتيازات التعريفية الممنوحة للاتحاد الأوروبي , مما أوجب العودة إلى المفاوضات ,التي توجت بعد 8 جولات, بالتوافق على تأجيل إنشاء منطقة التبادل الحر المقررة في 2017 إلى سنة 2020. و من منطلق أن اتفاق الشراكة بين الطرفين لم يحقق منذ سريانه في سبتمبر 2005 أحد أهم الأهداف المنتظرة منه و المتمثلة في ترقية الصادرات الجزائرية خارج المحروقات نحو أوروبا إلى جانب تطوير الاستثمارات الأروروبية في الجرائر , ارتأى مجلس الوزراء الذي ترأسه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في أكتوبر 2015 ,ضرورة إعادة تقييم الجانب الاقتصادي من اتفاق الشراكة , و هي ضرورة أصبحت أكثر إلحاحا بعد تدهور أسعار البترول بداية من 2014. و الواقع أن البيانات الرقمية المتعلقة بالجانب الاقتصادي ظلت تظهر اختلالا مزمنا للميزان التجاري لصالح الطرف الأوروبي , و تشير هذه المعطيات إلى أن مجموع الصادرات الجزائرية خارج المحروقات نحو الاتحاد الأوروبي , لم تتعد مبلغ 14 مليار دولار, خلال عشر سنوات منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 2005 بينما وصل مجمل واردات الجزائر من هذه المنطقة 220 مليار دولار بمعدل سنوي يقدر بحوالي 22 مليار دولار. و انتقلت قيمة الصادرات الجزائرية خارج المحروقات نحو دول الاتحاد الأوروبي من 597 مليون دولار في 2005 إلى 3,2 مليار دولار فقط سنة 2014 قبل أن تنخفض إلى 1,6 مليار دولار في 2015. و هكذا بالنسبة لجميع المؤشرات الاقتصادية الأخرى التي ظلت سلبية عند تحييد مداخيل المحروقات؛ فالناتج الداخلي الخام للجزائر خارج المحروقات لم يعرف تطورا ملحوظا منذ سنة 2005 حيث بقي يتراوح في حدود 5.1% في سنة 2014. كما «تراجعت نسبة الصناعة من الناتج الداخلي الخام للجزائر خلال الفترة 2005-2014 حيث سجلت في بداية الفترة نسبة 5,5% و5% في نهاية الفترة، كما شكل هذا التراجع حوالي 1% سنة 2005 أي دخول اتفاق الشراكة حيز التنفيذ مقارنة بسنة 2004 بنسبة 6.3% ، ليستمر هذا التراجع في نصيب قطاع الصناعة من الناتج الداخلي الخام للجزائر خلال ثمانية سنوات من تنفيذ الاتفاق ليسجل أدنى نسبة له في سنة 2012 ب 4.5%». و بخصوص تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من دول الاتحاد الأوروبي إلى الجزائر خلال الفترة من 2005 إلى 2014، و من خلال فحص الإحصائيات المتوفرة ,يتضح أن اكبر قطاع يحظى بالاهتمام في مجال الاستثمار. توصيات لإعادة وضع الإتفاق في الاتجاه الصحيح الدول الأوروبية في الجزائر هو قطاع المحروقات، حيث جلب 31% من الاستثمارات المباشرة لدول الاتحاد الأوروبي ، و يأتي قطاع الصناعة في الدرجة الثانية بعد قطاع المحروقات. و تتوقع الدراسات في هذا الشأن استمرار هذا الوضع لصالح الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء مرحلة تفكيك الحقوق الجمركية على الواردات الجزائرية من الاتحاد الأوروبي بصفة نهائية عام 2020 وتحرير التبادل التجاري بين الطرفين في إطار منطقة التبادل الحر الأوروبية – الجزائرية، في ظل اعتماد الجزائر على صادراتها من المحروقات وعدم إمكانية منافسة المنتجات المحلية الجزائرية للمنتجات الأوروبية في ظل تباين مستويات التنمية بين طرفي الشراكة. و رغم ذلك نجد مسؤولين من الاتحاد الأوروبي( و لنقل من فرنسا على وجه الخصوص أكبر المستفيدين من اتفاق الشراكة) , تعودوا على التعبير عن «عدم رضاهم» على مستوى التعاون مع الجزائر و انتقادهم لسياستها. فالجزائر –حسبهم- هي «البلد الوحيد الذي طالب بإعادة تقييم اتفاق الشراكة»، و«هي شريك ملحاح كثيرا لا يتبع نفس النمط الذي يتبعه جيرانه»، كما أنها بلد «يريد أن يحصل على أقصى قدر من المصالح»و الجزائر كانت أيضا من «أشد المنتقدين لسياسة الجوار»، كما أنها «لم تقبل بمشروع الهجرة المقدم من طرف الاتحاد الأوروبي»، كما قاله مسؤولون أوروبيون، هذا دون إهمال «القلق» الذي عبّروا عنه بخصوص الوضع الاقتصادي الراهن وقرار اللجوء إلى التمويل غير التقليدي (..) فالأوروبيون لا يكتفون بالزبدة و نقودها في التعامل مع الجزائر , و إنما يريدون أكثر , أي يضغطون لتكون مقاليد الاقتصاد الوطني بين يدي أطراف طيِّعة سهلة الانقياد و يناصبون العداء للقطاع العام في جميع مجالات النشاط إنهم يفضلون أن تصبح الجزائر سوقا مفتوحة لاستهلاك ما فاض أو كسد من بضائعهم , و موردا رخيصا لحاجتهم من المحروقات , و مصدرا سهلا لدعم أرصدتهم المالية ... بعض المحللين المحليين ظلوا يرددون ما يقوله الأوروبيون بخصوص افتقار الجزائر إلى أوراق ضغط لفرض تصحيح الأوضاع بخصوص شراكتها مع الاتحاد الأوروبي , و إذا بالميزان التجاري المختل يتحول إلى ورقة ضغط بمجرد إقرار وزارة التجارة منع استيراد حوالي 900 مادة بهدف تقليص فاتورة الواردات , و انعكاس ذلك سلبا على المصدرين الأوروبيين , و من ثم اضطرار بروكسل إلى مراجعة موقفها من المطالب الجزائرية المتعلقة بتأجيل موعد تفكيك الرسوم الجمركية , و إعادة تقييم اتفاق الشراكة في شقه الاقتصادي على وجه الخصوص . و حسب مسؤول من وزارة الخارجية معني بملف إعادة التقييم هذه , فإن الوثيقة النهائية للمفاوضات تضمنت « 21 توصية تسمح باعادة بعث الشراكة بين الجزائر والاتحاد الاوروبي في اطار الهدف المسطر لوضع العلاقات الاقتصادية في جوهر هذا التعاون حيث منح هذا الاتفاق كل الاهمية واستعمال كل الامكانيات المتاحة ضمن ثلاث تشكيلات: سياسية واقتصادية وانسانية»و تشمل هذه التوصيات عدة إجراءات ومحاور للتعاون من اجل إعادة وضع اتفاق الشراكة في الاتجاه الصحيح». و هو المأمول .