الحركة المسرحية الجزائرية فيها الكثير من نقاط يلفها الظلام ، ولم يتم الكشف عنها لتقليص الباحثين فيها ، إذ لم تعرف إلى حدّ الآن أبحاث جادة فعلا في مسارها ،وما زال الاختلاف بين من تناولوا دراستها حول التاريخ الفعلي لبدايتها . إن مرجع ذلك هو قلة الوثائق التي تتحدث عن ذلك، وقلة النشر للنصوص المسرحية كذلك، إذ نكاد لا نعثر على ما يسلط الأضواء على الحركة المسرحية الجزائرية وينير الطريق إلى الباحثين لإجلاء حقيقتها.،باستثناء مذكرات محي الدين بشطارزي، وكتاب " شروق المسرح الجزائري الرائد علالو "، و بقية ما صدر ،حولها مرجعها الأساسي هو هذه الكتب التي تبقى ناقصة ، لأنها تتحدث بالدرجة الأولى عن مسار صاحبها أكثر مما تتحدث عن مسار الحركة المسرحية ككل. ورغم أن مذكرات محي الدين بشطارزي صدرت في جزأين، هي الأكثر شمولا ،إلا أنها تشهد الكثير من النقائص، رغم أن محي الدين كان أكثر إلماما واهتماما من رفاقه في الحركة المسرحية، وبذلك غابت عنا معرفة العديد من النصوص المسرحية ومعرفة أصحابها لجوانب كثيرة لم يتطرق لها محي الدين في مذكراته ، مثل مسار الحركة في مدن أخرى غير الجزائر العاصمة، ودار الأوبرا التي تولى هو إدارتها ، علما أنه كانت هناك فرق مسرحية في مدن أخرى ، خاصة الكبرى منها ، مثل قسنطينة ووهران ، أما النصوص التي قدمت فإننا لا نكاد نعثر عليها وفي الغالب لا نعرف سوى عناوينها ،ويذكر بشطارزي الكثير منها، لكنك لن تجد ولا نصا منها في المكتبات ولا حتى في الأرشيف. و ظاهرة عدم الأرشفة قائمة حتى الآن في المسارح الجهوية، إذ أغلبها لا يتوفر حتى على النصوص التي قدمها، و أظن أنه لو كانت هناك حركة بحث جدية ، ما كنا نكتشف نص " دانينوس"، لو لم يكتشفها " سادوغروف " ، رغم أنه نشر سنة 1848 في الجزائر، ويمكن القول نفسه بخصوص نصوص كثيرة، كانت لفرقة جبهة التحرير الوطني و أخرى لعبد الحليم رايس وغيره وكذا نصوص لكتاب قدمت بعد الاستقلال ، ولن أدخل هنا في لعبة ذكر الأسماء، إنما يمكنني القول أن المسارح لم تكن وما زالت لا تهتم بأرشفة ما تقدمه ولا توجد في أغلبها مصالح أرشفة أنشطتها، رغم أهمية مثل هذه العملية وحاجة الباحث لها. و ما دفعني إلى طرح هذه الإشكالية هو اكتشاف نص مسرحي لم يكن معروفا لأي كان في الأوساط المسرحية ، ولا أحد تحدث عنه من قبل ، وهو للباحث العراقي " علي الربيعي" ، وقد وجدته منشورا في جريدة اليقظة العراقية وتاريخ نشره هو سنة 1959 ، أي أثناء الثورة التحريرية وهو اكتشاف له أهميته في مسار الحركة المسرحية الجزائرية .وقد سارعت في الاتصال بالأستاذ علي الربيعي وطلبت منه نسخة من النص ، فتفضل مشكورا بإرسالها لي مصورة . ورغم أن ما صوره وإرساله لي يصعب قراءته، إلا أن النصّ يبقى شاهدا على حركة التأليف المسرحي، والمشرّف أن النص نُشر دون ذكر كاتبه، إذ اكتفى صاحبه بنشره باسم مناضل جزائري، وعليه فعلى الباحثين عندنا الآن السعي إلى الكشف عن اسم الكاتب، والذي في الغالب، إما من أفراد بعثة الطلبة الجزائريين في العراق وأما أنه لأحد أفراد البعثة الدبلوماسية للثورة هناك. وقد عمد الكاتب إلى إخفاء اسمه خوفا لا شك من ملاحقة الجيش الاستعماري له لأنه من المناضلين .ولأن أغلب الطلبة الجزائريين الذين درسوا في العراق في تلك الحقبة أغلبهم من المثقفين وممن يكتبون الأدب، وبما أنه لا أحد منهم ذكر في مرة أنه كتب نصا مسرحية ، ولأنني عرفت البعض منهم وأعرف أنه لو كان أحدهم هو صاحب النص، ما كان سيبقى مجهولا ، و أنا شخصيا أرجح أن يكون النص لأحد أفراد البعثة الدبلوماسية . النص المشار إليه عنوانه "عذابات"، وقد نشر كما قال الأستاذ علي الربيعي في جريدة اليقظة العراقية ، ويتحدث عن عذابات المرأة الجزائرية أيام الثورة التحريرية ومقاومته لجنود الاستعمار الفرنسي، مبرزا تلك المعاملات الوحشية التي كان جنود الاستعمار ، يعاملون بها المرأة الجزائرية، ومركزا على صلابة هذه المرأة وهمومها وتحملها لكل تلك العصابات ، مضحية بنفسها من أجل حرية وطنها.. إن اكتشاف هذا النص يفتح الطريق أمام البحث في الحركة المسرحية الجزائرية خاصة في المدن العربية التي كان يتواجد بها بعثات طلابية مثل العراق ومصر وتونس والمغرب، ويفتح لنا باب تجديد المطالبة المسارح الجهوية عندنا بإنشاء مصلح للأرشيف وبها ، والعمل على أرشفة كل أنشطتها وعروضها وأرشفة النصوص التي تقدمها تسهيلا لعمليات البحث وكتابة تاريخ الحركة المسرحية الجزائرية ، وكذلك على وزارة الثقافة أن تعمل على نشر النصوص غير المشورة من المسرحيات سواء أكانت مكتوبة بالعربية الفصحى أو باللهجة الدارجة، لأنه تراث يجب المحافظة عليه.