تعكس الانتخابات الرئاسية القادمة في الجزائر والمنتظرة في 12 ديسمبر حدثا مميّزا في المسار السياسي الذي تسير عليه البلاد منذ الاستقلال، فهي حدث مميّز من باب أنّها تأتي في ظروف استثنائية صنعها الرفض الشعبي التام للتمديد للرئيس السابق بوتفليقة، وحمله على الاستقالة أيّاما قليلة قبيل انطلاق الحملة الانتخابية، مع ما تبع ذلك من تطوّرات حاسمة في منظومة حكم البلاد من اعتقالات لرؤوس الفساد ومحاكمات مختلفة، عسكرية ومدنية لا تزال مستمرّة. وبالتالي الظروف التي ستجري فيها الانتخابات المقبلة في شكلها و مضمونها أيضا استثنائية من استدعاء الهيأة الناخبة إلى الإعلان عن اسم المرشح الذي سيفوز بمنصب القاضي الأول في البلاد ، و منصب القاضي الأول في البلاد يستجمع حوله عديد الراغبين في خوض تجربة الرئاسيات علّ و عسى يخرج للجزائريين اسم لم يكن في الحسبان ، ما دامت الفرصة قد أعطيت للجميع و تعهدت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بضمان نزاهة العملية و تنقية الفعل الانتخابي من كل الشوائب التي تعوّدت عليها المواعيد السابقة في البلاد . الراغبون في الوصول إلى قصر المرادية كثر، تعدّدت ميولهم السياسية ومناصبهم المهنية و أيضا قناعاتهم في الحلول التي سيقترحونها، والتي لحد الآن لم يعبّروا عنها مباشرة، باعتبار المرحلة لا تزال في طور جمع التوقيعات للترشح والتي يفصل فيها المجلس الدستوري في البلاد. ولكن شكّلت فترة جمع التوقيعات محور حديث العام و الخاص سواء عن طريق الإعلام الجزائري بكل وسائله أو منصات العالم الافتراضي التي لا تفوّت الفرص في التطرق للموضوع، الذي سيسخن الوطيس خلال الأيام المقبلة، فقد تداولت عديد وسائل الإعلام الصعوبات التي تعتري بعض المرشحين في الامتثال لشروط جمع التوقيعات، التي تبدو أنّها تخضع لشروط موضوعية، خاصة لدى بعض الوجوه غير المعروفة على الصعيد الوطني والتي لم يحرمها قانون الانتخابات من فرصة التقدم لسحب استمارات جمع التوقيعات، وهي التوقيعات التي لا بد أن تأتي من كل ربوع الوطن . ومن جانب آخر فإنّ كثيرا من الانتقادات اللاذعة وجّهت لبعض المترشحين الذين يكونون قد جمعوا التوقيعات بدفع أموال لجهات يوظفونها من أجل استدراج مواطنين لمنح توقيعاتهم لهذا المرشح أو ذاك ، و ذلك فعل يعاقب عليه القانون الجزائري لأنّه يدخل في شراء الذمم و بالتالي المواطن الذي يعطي توقيعه لهذا المرشح أو ذاك ليس مقتنعا به ككفاءة وطنية في انتظار البرنامج الانتخابي الذي سيروج له ، بل منحه الصوت بدافع العوز و ربما الحالة الاجتماعية ، و قد توجه عديد المساعدين للمرشحين في جمع التوقيعات نحو الفئات الاجتماعية الهشّة لاستقطابها ببعض الأموال من أجل الحصول على التوقيع و بالتالي استكمال نصاب التوقيعات التي تودع لدى الجهة المعنية بالفرز و الغربلة ، وهي الغربلة التي قد تلفظ عديد الملفات لدواع شكلية و أخرى موضوعية .