عندما رأيتها رأيت المدينة فيها.. و رأيت "إلهام".. بل رأيت الحياة التي تنبعث في القفار المحتضر.. هناك.. كانت تقبع الحياة التي تنتظر من يخرجها من الدائرة المغلقة.. إنها الحلم ..! الحلم الذي رسمته و تمنّيته..تمنّيت أن أخلّد المدينة.. أن أجعل من صخور قسنطينة الصامتة حياة تتقن الكلام الصامت.. بل تتقن كل اللغات! عبق "سيرتا" السابح في الهواء يخترقني، فيبلغ أقصى الخلايا.. هناك.. كان الجمال يفوح.. و النحت يعمّر معظم المكان.. هناك.. يقبع "قسطنطين" يحمل القسطنطينية بين ثناياه.. و عند قمة "المونيما" منحوتة تسبح بين الواقع و الخيال.. منحوتات منحها القدر الخلود.. لتكون جزءا من قسنطينة.. أما الجسور، فنحتٌ من نوع خاص.. إنه نحت في الفراغ.. ابداع ناتىء.. سابح في الهواء.. كأنما "عشتروت" قد فاض حبا، فغمر قسنطينة بالجسور و الصخور.. عندما يؤذن الليل.. يحين وقت الأحلام، فيصلي الفؤاد.. تسجد الحواس.. يخشع القلب.. يرتخي الجسد، فيسكن الصمت.. و تسبّح الروح بأعلى صوت، فيخمد الوجود.. و يشتعل النور وسط الديجور.. هناك.. تولد مدينة الخلود.. سيرتا التي استفاقت من ذاكرة الحياة بعد طول سبات.. و زرع فيها النبض بعد طول غياب.. و جاءها الموت قناصا، فانتحر.. لعنتْهُ قطعها الفنية، فتصلّب.. وشنقته حبال جسورها، فأُعدم.. عندها كتب سطر النهاية منتهيا.. إنها مدينة الخلود..