أكد رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, أن "مصداقية" الدبلوماسية الجزائرية و"نزاهتها" يؤهلانها للعب دور الوسيط في حل مختلف الازمات والقضايا الاقليمية والدولية بما في ذلك الملف الليبي. وقال السيد تبون في حوار مع قناة "روسيا اليوم" أن الجزائر ب"مصداقيتها ونزاهتها باستطاعتها ان تلعب دور الوسيط", فهي تقوم بذلك "وفاء لمبادئها دون أن تطلب مقابلا أو تعويضا, لأن الامر يتعلق بمبدأ مستلهم من ثورة أول نوفمبر المجيدة". وأوضح في رده على سؤال بشأن عودة الدبلوماسية الجزائرية الى الواجهة من خلال نشاطها المكثف في الفترة الاخيرة, أن الجزائر "تحوز في هذا المجال رصيدا تحسد عليه, لاسيما ما تعلق بالوساطة بين الفرقاء وذلك منذ الاستقلال". وتابع قائلا : "أعتقد اليوم ان عودة الدبلوماسية الجزائرية هو مطلب شعبي نابع من إيمان متأصل من أجل لم شمل الفرقاء والأشقاء بالأخص (...) فمن الصعب علينا أن نرى شعبا عربيا يتألم ونحن موجودون ونفس الشأن بالنسبة للشعوب غير العربية, حيث سبق للدبلوماسية الجزائرية أن تدخلت في عديد القضايا التحررية عبر العالم (تيمور الشرقية, ساومتومي وبرانسيبي, الميز العنصري في جنوب إفريقيا, القضية الفلسطينية, الصحراء الغربية وصولا الى الملف الليبي)". وفي هذا الاطار, أبرز رئيس الجمه ورية ان مساعي الجزائر لحل الأزمة التي تعيشها ليبيا "نابع من القواسم المشتركة التي تجمع البلدين والشعبين مثل اللغة والدين والجوار, وأيضا استنادا الى رصيد لا يمكن للجزائريين نسيانه والمتمثل في وقوف الشعب الليبي الى جانب الشعب الجزائري خلال الثورة التحريرية". وفي هذا السياق أكد الرئيس تبون بشأن الزيارات الاخيرة للعديد من المسؤولين الأجانب الى الجزائر, أن الجزائر "تقف على مسافة واحدة من كل الفرقاء وكل المتدخلين في أي قضية انطلاقا من مبدأ عدم انحيازها", لافتا الى أن "من يرغب في لعب دور الوسيط ينبغي له أن لا ينحاز لأي طرف". وقال ان "كل المتدخلين في هذه القضية أشقاء وأصدقاء, على غرار مصر, الإمارات, روسياوتركيا", مشيرا الى أن الجزائر "مؤهلة لان يصل صوتها الى الأصدقاء و الاشقاء وهمها الوحيد في ذلك هو ايقاف نزيف الدم في هذا البلد الشقيق وايقاف المأساة التي يعيشها, دون أن تكون لديها أطماع سياسية أو اقتصادية أو توسعية". وبخصوص تركيا, قال رئيس الجمهورية : "لدينا علاقات قوية جدا مع هذا البلد تمتد لقرون وستستمر, غير أن الجزائر لن تجر الى أي سياسة لا تختارها". فسياسة بلدنا --يضيف الرئيس تبون-- "نحن من يختارها ولا تفرض علينا من أي كان". وعن الزيارة المرتقبة لأمير دولة قطر الى الجزائر, أكد الرئيس تبون قائلا: "نحن لا ننتظر المقابل لا من الاشقاء في قطر ولا من الامارات ولا من السعودية أو من مصر ولا حتى من الاصدقاء الآخرين", مبرزا أن "أمير قطر شقيق وهو مرحب به". وأضاف في ذات السياق قائلا: "كنت سأزور الم ملكة العربية السعودية, غير أن كثافة الرزنامة الداخلية من خلال فتح عديد الورشات كانت وراء تأجيل الزيارة الى هذا البلد الذي نكن له كل المحبة". وبشأن العلاقات مع المغرب وامكانية فتح الحدود, قال الرئيس تبون أن "زوال المرض لن يتأتى إلا بزوال أسبابه, فلم يسجل على الجزائر يوما ما أن شتمت المغرب أو شعبها...", مشددا على ان الشعب الجزائري "يكن مودة خالصة لشقيقه المغربي...". وذكر في هذا الاطار بأجواء الفرحة التي عاشتها مختلف المدن المغربية عند فوز الجزائر بكأس أمم افريقيا لكرة القدم الاخيرة بمصر, وهي الأجواء ذاتها التي عاشها الشعب الجزائري. وبشأن الحدود, ذكر الرئيس تبون أنها "أغلقت كرد فعل, وكانت للمرة الثانية, وكانت مؤلمة جدا أكثر من الغلق الاول لها", مذكرا بأن "قرار الغلق كان في ظرف سيئ جدا وتم في وقت جعلت فيه دولة أوروبية من كل الجزائريين ارهابيين, ناهيك عن غلق الاجواء باتجاه الجزائر (...) في هذا الظرف تأتي دولة شقيقة وتتهمنا بالإرهاب وتضع التأشيرة على الجزائريين". و بعد أن ذكر بالعمق والامتداد الذي تشكله بلدان المغرب العربي لبعضها البعض, أكد الرئيس تبون انه "من الصعب ان نتكلم لغة واحدة عندما تكون هناك خلفيات. فنحن واضحون وليست لدينا خلفيات...", معربا عن أمله في أن "تسوى الامور مع المغرب الذي لا نكن له أية عداوة, بعيدا عن المناورات ومحاولة عزل الآخر...". =القضية الفلسطينية: ما يسمى ب"صفقة القرن" مآلها الفشل= وبخصوص موقف الجزائر مما عرف ب"صفقة القرن", أكد رئيس الجمهورية أن الموقف الجزائ ري من القضية الفلسطينية "مبدئي ولم يتغير منذ أجيال", حاثا الفلسطينيين على توحيد الصفوف لتجاوز "حالة التشرذم" التي تعيشها فلسطين وحتى الدول العربية. وفي هذا السياق, أعرب الرئيس تبون عن يقينه بأن هذه الصفقة "لن تمر لأنها غير مبنية على أسس منطقية أو تاريخية أو أخلاقية ولا حتى على مبادئ القانون الدولي", مشددا على أن هذه الخطة "فاشلة مبدئيا" وان الدولة الفلسطينية "ستقوم لا محالة". وبشأن ما يمكن للجزائر ان تقدمه في هذه المسألة, قال رئيس الجمهورية ان الولاياتالمتحدةالأمريكية "دولة صديقة وليس لدينا خصومة معها ومن يريد سماع صوت الحق, عليه سماع صوتنا, ومن لا يريد وهو أصم بالنسبة لرأي الجزائر وتصورها, فله ذلك". وتابع قائلا بان "هذه أمور تخص تاريخ أمة وليست صفقة تجارية, فمن المستحيل نزع شعب بأكمله من الخريطة", لافتا في هذا الصدد الى وجود "أصوات في الكونغرس الامريكي ترفض هذه الصفقة وكذا الشأن بالنسبة للاتحاد الأوروبي" و غيرها من الدول, ناهيك عن جزء كبير من المجتمع الاسرائيلي الذي يرفض هذه الصفقة, "الامر الذي يظهر ان مآل هذه الخطة هو الفشل". واستطرد رئيس الجمهورية بهذا الخصوص أن الامور "يجب ان تسير نحو إنشاء الدولة الفلسطينية في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف". وبخصوص الوضع في سوريا, جدد رئيس الجمهورية التأكيد على "بقاء الجزائر وفية لمبادئها التي لا تقبل ان يتم المساس بأي دولة عربية", مذكرا أن سوريا تعد من بين الدول المؤسسة للجامعة العربية ومن اعرق الدول العربية وكنا على يقين انها لن تسقط. وأش ار رئيس الجمهورية في هذا الشأن الى أن "ما جعل هذا البلد (سوريا) ضعيفا على المستوى الدولي, كونه الوحيد الذي لم يطبع (مع إسرائيل) وهو ايضا من بين دول المواجهة, كما عاش لسنوات موجها سياسته واقتصاده ومؤسساته نحو التصدي, الامر الذي ربما قلص من مساحة الديمقراطية والحرية ...". وعن العلاقات بين الجزائروروسيا, كشف الرئيس تبون انه تلقى دعوة من نظيره فلاديمير بوتين لزيارة روسيا وأنه تم تأخيرها بسبب "كثافة" الرزنامة, مؤكدا بأنه سيقوم بهذه الزيارة ب"كل فخر واعتزاز". وعن مستوى التعاون الثنائي, أعرب الرئيس تبون عن أمله في أن تنتقل علاقات البلدين الى مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي تعكس مستوى التفاهم السياسي الذي يجمعهما. =الفصل في تعديل الدستور قبل نهاية السنة الجارية= وبشأن رزنامة الاصلاحات السياسية داخل البلاد, أكد الرئيس تبون أن "أقصى حد للانتهاء من ورشة تعديل الدستور سيكون مع بداية الصيف المقبل, وقبل نهاية السنة نكون قد فصلنا كليا في الدستور وقانون الانتخابات ونكون بذلك قد وصلنا الى الانتخابات التشريعية والمحلية". وحول رأي البعض بانه كان من الضروري حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية قبل تعديل الدستور, رد السيد تبون بأن "المنطق يقتضي بناء البيت من الأساس" في اشارة منه الى تعديل الدستور أولا الذي يعد --مثلما قال-- "أساس أي دولة", لافتا الى أنه "من غير الممكن البداية بالانتخابات, في حين لم يفصل الدستور في دور المنتخبين ولا في دور الرقابة". وقال أن "نفس الأسباب تؤدي الى نفس النتائج", مشيرا الى أن "حل البرلمان والذهاب الى انتخابات برلمانية آنيا سوف يؤدي الى نفس النتيجة لان المال الفاسد لا زال في الشارع, واستغلال الن فوذ لا زال موجودا, الامر الذي سينتج برلمانا بنفس المعايير". وأشار في هذا الشأن الى انه "بعد تحديد هذه الامور قانونيا وتجريم بعض التصرفات, يمكن الذهاب الى برلمان آخر أغلبيته شباب ومثقفون تكون لهم السلطة المعنوية الكافية". وفي رده عن سؤال حول الحراك الشعبي الذي عاشته البلاد منذ سنة, أكد الرئيس تبون أن وصفه إياه بانه "مبارك" هو "عن جدارة وعن دراية بما كان سيحدث للدولة الجزائرية التي كاد أن يذهب ريحها وأن تنهار مؤسساتها وأن تدخل في أجندة من يريد أن يجعل منها سوريا آخرى وليبيا اخرى وعراق آخر لأغراض ربما دنيئة", مشيرا الى ان الحراك "أنقذ الدولة الجزائرية من الانهيار في ظل انزلاقات الحكم الفردي ومحاولة تمديد مأساة سياسية عاشتها الجزائر". وبعد أن ذكر بدور الشعب الجزائري في كل المحطات التاريخية التي عرفتها البلاد, لاسيما خلال ثورة اول نوفمبر, أكد رئيس الجمهورية ان الشعب الجزائري "أظهر من خلال هذا الحراك أنه شعب مسالم, مثقف, مسيس وليس متهورا أو ارهابيا مثلما كان يروج له حتى من قبل بعض الاشقاء", مبرزا أن الجزائريين بسلوكهم هذا "أعطوا درسا للآخرين ودرسا آخر في تمسك الجيش الشعبي الوطني بالدستور و بوطنيته التي أظهر من خلالها أنه حقا سليل جيش التحرير الوطني", مستدلا بعدم إراقة أية قطرة دم طوال سنة. واكد رئيس الجمهورية ان الحراك "سمح بتوقيف العهدة الخامسة ورفض تمديد العهدة الرابعة وأسقط كل الرؤوس التي أوصلت البلاد الى ذلك الوضع, ناهيك عن محاسبة كل من استغل الاقتصاد الوطني لأغراض شخصية, وهم اليوم يقب عون في السجن". أما ما تبقى من مطالب الحراك, فأوضح الرئيس تبون أن الامر يتعلق ب"إعادة النظر في كيفية تسيير البلاد مع ضمان أكبر مساحة ممكنة من الحريات وحمايتها, الى جانب التوازن بين المؤسسات حتى لا تطغى مؤسسة على أخرى, وذلك تفاديا للانزلاق الى الحكم الفردي والتسلطي". وبخصوص الجزائريين الذين يواصلون خروجهم الى الشارع كل جمعة, قال الرئيس تبون: "شخصيا لا أرى أي مانع في خروجهم, فهذا حقهم والديمقراطية تقتضي ذلك, ولا يطرح أي مشكل بالنسبة لنا", غير انه اشار بالمقابل الى ان "الخوف نابع من الانزلاقات التي تنجر عن اختراق صفوف الشعب الذي لديه الوعي بذلك". =الجزائر تطمح الى بناء اقتصاد نظيف خلاق للثروة ومناصب الشغل= وفي الشق الاقتصادي, أكد الرئيس تبون ان الجزائر تطمح في عهده الى "نموذج اقتصادي نظيف ونزيه" تكون مهمته الاساسية "خلق الثروة وتوفير مناصب الشغل وكذا معالجة المأساة الاجتماعية التي عاشها المواطن", مؤكدا انه "بات من الضروري الشروع في نسيان الاعتماد على الريع البترولي والذهاب صوب ثروات أخرى, وذلك لتحقيق اقتصاد لا يرتكز على الاستيراد ويكون مبنيا على اسس منطقية ووطنية بحيث يعود بالخير على الوطن والمواطن وليس على مجموعة من الاوليغارشيا". وبخصوص موضوع الغاز الصخري, أوضح الرئيس تبون ان هذا الموضوع تم توظيفه "لإثارة الغضب", مشددا بالقول: "أنا لم أقل بأننا سنستغل الغاز الصخري. قلت فقط أنه بالنظر الى الارقام, فان تطور الجزائر ونموها جعلنا نستهلك نصف انتاجنا من الغاز", مضيفا أن القرار في مسألة الغاز الصخري مرهون بتقرير الخبراء. و قال أنه "إذا رأى الخبراء أنه غير مجد أو قد يتسبب في التلوث, فالقرار يعود إليهم لانهم أهل الاختصاص". وفي سياق متصل, أشار رئيس الجمهورية الى أن الجزائر"تحوز كنزا من الثروات أكثرها غير معروف, ناهيك عن الفلاحة بشقيها الشمالي والصحراوي", لافتا الى عدم استغلال هذه الاخيرة ب"الشكل الكافي" في ظل توفرها على "مياه جوفية تقدر ب15 ألف مليار متر مكعب على عمق 50 مترا وكذا مساحات شاسعة من الاراضي". وفي هذا الجانب, أوضح الرئيس تبون أن الفلاحة في الجزائر وبإمكانيات تقنية ليست كبيرة تمكنت من انتاج ما قيمته 18 مليار دولار في نهاية 2018, ناهيك عن توفر البلاد على طاقة بشرية هائلة", مستدلا بتخرج "نحو 200 الف طالب سنويا من الجامعات الجزائرية". وبالنسبة لموضوع العملة الصعبة, جدد الرئيس تبون تأكيده أنه "بعد اصلاح الاوضاع الاقتصادية", سيقوم ب"رفع قيمة المنحة السياحية صونا لكرامته الجزائريين". وأشار الى أن السوق الموازية للعملة الصعبة كانت "من أجل التهريب", مجددا تأكيده على ضرورة بناء "اقتصاد نظيف وشفاف بصناعة حقيقية وليست مزيفة, يأتي بالحلول للبلاد". كما أبرز اهمية السياحة وتحرير المبادرة وتسهيل حصول الشباب على القروض. وعن رأيه في الفيلم الوثائقي حول "مناطق الظل" الذي تم عرضه أمام الولاة في اجتماعهم مؤخرا بالحكومة, أكد رئيس الجمهورية أن ما عرض هي "مشاهد حقيقية أعرفها شخصيا, انطلاقا من تجربتي كمسؤول محلي لسنوات", مشيرا الى أن "المحزن في الأمر أن لا أحد التفت الى معاناة هؤلا ء المواطنين والكل كان منهمكا في تزيين المدن". وبهذا الخصوص, أكد رئيس الجمهورية أن إيمانه بالريف "قوي" لعدة أسباب منها "تاريخية", مذكرا ب"معاناة الريف خلال فترة الاستعمار أكثر من أي مناطق اخرى ونفس الوضع خلال فترة الارهاب التي شكل فيها سكان الريف 70 بالمائة من الضحايا".