- «هولندا» الرسمية والشعبية يطيب لي بمناسبة ذكرى يوم المجاهد تقديم هذه المساهمة المتواضعة حول صدى ثورتنا المجيدة في الصحافة العالمية , على أمل أن تكون دعما للمساهمات التي تسلط الضوء على مكانة ثورة التحرير المباركة لدى شعوب العالم و تشكل في نفس الوقت حافزا لمواصلة جهود الأجيال المتعاقبة إحياء ذكريات أمجادنا , لأنه» بإحياء ذكرى أمجادنا نستحق الحياة بالسير على دروبهم , و مواصلة عملهم «, كما كان يقول المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم في مثل هذ المناسبات . وبخصوص المساهمة , يجدر بي الاعتراف منذ البدء , بأني أعجز من أن ألم و لو بذرة مما أنتجته ثورة نوفمبر المجيدة و أثارته من الأصداء في الصحافة العالمية , و هذا شيخ الإعلاميين الدكتور عبد الله شريط (رحمه الله) وهو من «الاعلاميين الكبار الذين كونتهم الثورة الجزائرية بثقلها الوطني والإقليمي والدولي» يخصص لهذا الموضوع ثمانية أجزاء ضخمة بمعدل كتاب لكل سنة من سنوات حرب التحرير منذ 1955 و إلى 1962 دون أن يلم بجميع ما كتبته الصحافة العالمية عن وقائع وأحداث الثورة . غير أن الكتاب يبقى المصدر الأهم و المرجع الأساسي للدارسين والباحثين في هذا المجال . « فقد التحق الدكتور سنة 1955 بالبعثة السياسية لجبهة التحرير الوطني التي تشكلت بعد اندلاع الثورة اسندت له مهمة الترجمة من اللغة الاجنبية إلى اللغة العربية. وقد كلف بعد اصدار جريدة «المقاومة» وجريدة «المجاهد» لسان حال جبهة التحرير الوطني بتحرير الافتتاحية والتعليق في الصحيفة وترجمة المقالات المنشورة في الصحافة الدولية عن الثورة الجزائرية وظل يمارس هذه الوظيفة حتى فجر الاستقلال سنة 1962.» و لذا سأقتصر في هذه المداخلة على مثال واحد يكشف الدعم الذي تلقته الثورة الجزائرية حتى في الدول التي تساند حكوماتها فرنسا الاستعمارية في القضية الجزائرية , و يتعلق الأمر بمثال الدعم الإنساني الهولندي للاجئين الجزائريين في تونس و المغرب خلال ثورة التحرير .و هو دعم غطى بنجاحه الموقف السياسي السلبي شبه المنعدم لهولندا كونها هي نفسها قوة استعمارية كانت في نزاع مع اندونيسيا حول منطقة غينيا الجديدة مما جعلها تساند مساندة مطلقة فرنسا ضد الثورة الجزائرية . و هي الثورة التي بدأت منذ 1957 تتغلغل عبر الإعلام إلى أوساط الرأي العام الهولندي تدريجيا بحيث ما أن حلت سنة 1959 , حتى استقطبت القضية الجزائرية تجندا كبيرا لمجموعة من النخب الهولندية التي هبت من خلال» لجنة الجزائر للعمل و الإعلام» , لتحسيس الهولنديين بالوضع المأساوي للاجئين الجزائريين في تونس والمغرب , و تنظيمهم حملة متلفزة شعارها «انقذوا طفلا» , و عرفت نجاحا فاجأ حتى منظميها . التقديم كما أشرنا سابقا فإنه من الناحية السياسية أو الجغرافية أو الاقتصادية لا وجود لأية مصلحة لهولندا في منطقة شمال إفريقيا غير أن مواقفها السياسية و الدبلوماسية كانت تدعم الموقف الفرنسي بخصوص القضية الجزائرية و هذا منذ بدايتها إلى نهايتها, إذ باعتبارهما قوتين استعماريتين كانت بين هولندا و فرنسا قواسم مشتركة , إذ بالموازاة مع النزاع الفرنسي الجزائري , كانت هولندا في نزاع مع أندونيسيا حول مستقبل غينيا الجديدة , علما أنه شهرا قبل استقلال الجزائر , تخلت هولندا عن آخر مستعمراتها في آسيا . و قد ترك هذا الموقف الرسمي لبلادهم من القضية الجزائرية , انزعاجا لدي الهولانديين ما فتئ يتراكم منذ 1957 . و ليسوا استثناء في هذا المجال لأن الثورة الجزائرية أثارت ردود فعل قوية في جميع أنحاء العالم من الدول الإسكندنافية إلى الشرق الأوسط مرورا بدول إمريكا اللاتينية . و لكن ما ميز موقف الهولنديين بشكل عام , هو مبادراتهم التضامنية لصالح اللاجئين الجزائريين في المغرب و تونس , و منها حملة «أنقذوا طفلا» التي نظمها التلفزيون الهولاندي في خريف 1959. إنه مثال من بين أمثلة لا حصر لها عبر العالم تدعم فرضية كثير من المؤرخين بخصوص عالمية الثورة الجزائرية , من منطلق أنها شكلت نزاعا عالميا طويلا و عميقا تجاوز الإطار الجزائري الفرنسي . و قد نظمت بعد الاستقلال في الجزائر عدة ملتقيات و صدرت عدة دراسات وبحوث تناولت الجانب العالمي لثورة التحرير , آخدة بعين الاعتبار عوامل انحسار الاستعمار و الحرب الباردة و استراتيجية تدويل الحركات التحررية و منها حرب الجزائر كثورة نموذجية في هذا المجال . من جهة, فإن فرنسا معروفة كمهد لمعاهدة حقوق الإنسان و المواطن , كانت تعتبر حاملة لواء القيم العالمية الغربية , و أصبحت بعد الحرب العالمية الثانية, مركزا للثقافة و المثقفين و بالتالي محط أنظار النخب العالمية بما فيها الهولندية . و من جهة أخرى , فإن النزاع الجزائري بمثاليته يتيح للنخب و المناضلين الانخراط في الكفاح من أجل التحرر ضمن الرؤى المثالية المستشرفة نحو ميلاد إنسان جديد و مجتمع جديد . في هولندا , طليعة الرأي العام التي احتجت ضد حرب الجزائر , تشكلت من قلة من المثقفين و المناضلين المنشقين عن الأحزاب (الشيوعي , الاشتراكي و الاجتماعي الديمقراطي ). و تضم خليطا من التروتسكيين و السلميين و الكاثوليك و البروتستانت التقدميين . خلال السنين الأولى من الثورة كان الاحتجاج في شكل صرخات تنديد فردية يطلقها هؤلاء أمام الهيئات اليسارية الموجودة . ولم يشرع معارضو الحرب في تشكيل تنظيمات و شبكات خاصة بالجزائر إلا في خريف 1959 , و منها على وجه التخصيص «لجنة الجزائر للعمل و الإعلام», متأخرين بحوالي سنة عن نظرائهم في بقية البلدان الأوروبية , مثل بلجيكا التي كانت بها «لجنة من أجل السلم في الجزائر» و لجنة بنفس التسمية بكل من إيطاليا و الدانمارك ... و هو النوع من اللجان الذي يتناسب مع الشبكات المؤقتة و الهياكل المرنة و الثقافة المحلية غير الرسمية , المستوعبة للتنوع بشريا و إيديولوجيا و كذا مخلفات الحرب العالمية الثانية و الاحتلال النازي و ما يمثله من عمالة و مقاومة و تعذيب و رعب . فاستذكار الأحداث الرهيبة للحرب الكونية كان دائم الحضور في الأذهان و يستغل لتشكيل هوية مشتركة للمعارضة المتعددة الأشكال , و لشرح حرب الجزائر من خلال إطار واضح و أخلاقي .الاحتلال النازي يوفر نموذجا بسيطا يناسب الراي العام . لجنة الجزائر للعمل والإعلام الهولندية كان هدفها إقناع الراي العام المحلي , عبر تظاهرات تقليدية , كترجمة التقارير الإعلامية الفرنسية و الجزائرية الصادرة بجرائد «ليكسبريس و تيموانياج كريتيان و المجاهد «, و طبع كتيبات دعائية , و إنجاز العرائض , و تنظيم امسيات للنقاش و المظاهرات و عرض أفلام نضالية . و في غالب الأحيان فإن هذه النشاطات لا تستقطب سوى جمهور محدود يتمركز في أمستردام المهتمة منذ البداية و الملتزمة لصالح القضية الجزائرية , و بالتالي فإن اللجنة المذكورة رغم قلة أعضائها, كانت تبذل جهدا كبيرا من أجل اختراق الرأي العام المحلي , غير أن جهدها ظل متواضع التاثير في الهولنديين . صورة الثورة في الإعلام كشف المؤرخ ماتيو كونيللي أن جبهة التحرير و الحكومة الفرنسية ,اعتبرتا الولايات المتحدة الإمريكية المنبر الرئيسي لتحسيس الراي العام العالمي , بحكم احتضانها مقر منظمة الأممالمتحدة بنيويورك و بقوة التأثير لوسائل الإعلام و الرأي العام . كما تعتبر أوروبا مسرحا آخر لا يقل أهمية في هذا المجال . بخصوص وسائل الإعلام و الدعاية , فإن جبهة التحرير كانت تدعو الصحافيين الأجانب للقيام بربورتجات حول الوضع في الجزائر , في سنة 1956 , و في هذا الصدد زار صحافيان أمريكيان منطقة ندرومة , و هذا الإجراء أصبح أشبه بنظام إعلامي خلال العام الموالي . المصالح الإعلامية للأفالان بتونس كانت تدعو بانتظام الصحافة الأجنبية للقاء جيش التحرير في الجبال . و من بينهم مصور هولندي «كرين تاكونيس , الذي غطى وقائع الحرب مصاحبا جيش التحرير في خريف 1957. و من الصعوبة بمكان القول أن الوطنيين الجزائريين هم الذي تجشموا عناء الوصول إلى الصحافة و الجمهور الهولنديين آو أن جهدا بُذِل لهذا الغرض ,لأنه على المستوى العالمي فإن الجبهة كان لها مناطق نفوذ أخرى أهم من هولندا كان عليها كسبها , و الأكيد أن الجبهة لم تفتح مكتبا لها في هذه الدولة , بينما بادرت إلى فتح مكاتب لها في جميع مناطق العالم من دمشق إلى نيويورك مرورا بألمانيا الغربية و بلجيكا . و عموما فإن نقص المعلومات عن الأفالان , كانت تعوضه السمعة السيئة للسياسة الفرنسية في العالم أجمع . إن ثورة التحرير , حظيت بتغطية الصحافة الأجنبية منذ اندلاعها . و رحلة الصحفي الإيطالي أنجيلو دال بوكا في الأوراس معروفة . الروبرتاج الذي نشره بجريدة «الغازيطا دال بوبولو , نشر مترجما إلى الفرنسية في ديسمبر 1955 بصحيفة «لي تون مودارن». كما أن الصحافيين الهولنديين الأوائل حلوا بالجزائر منذ منتصف نوفمبر , و تقاريرهم نشرت خلال نفس الشهر بالجرائد الجهوية و الوطنية مما مكن القراء الهولنديين من الاطلاع على ما يجري في الجزائر, أولا بأول ,منذ نوفمبر 1954. و من بين الصحافيين الهولنديين جيمي هويزينغا ابن أحد المؤرخين , الذي تميز ببراعته في تشريح التناقضات السياسية بدقة متناهية , و يبدو أن سلطات الجزائر آنذاك وجدت تحليلاته مهمة من أجل إعداد تقييمها الخاص للوضع مادامت تقارير في هذا الشأن نشرت في «نشرة صحافة الجزائر لمصلحة الاتصال الشمال إفريقية «. و على العموم , فإن وجهة النظر للمطالبين بالاستقلال , لم يكن لها في الصحافة الهولندية سوى أصداء ضعيفة إذا استثنينا صحافة أقصى اليسار . فخلال السنوات الأولى من الثورة , ظلت الجبهة لدى الهولنديين عبارة عن منظمة غامضة , حركة وطنية مثل بقية حركات كثيرة مماثلة في إفريقيا و آسيا . و لكن خلال 1957 ,الاهتمام بالجزائر تكثف في الصحافة بشكل كبير . ممارسات التعذيب تسببت في صدمة عميقة للرأي العام .افتتاحية هيبرت بوف- ميري في جريدة «لو موند» بتاريخ 13 ديسمبر1957 بعنوان «هل نحن مهزومو هتلر ؟« , كان لها صدى واسع بهولاندا بدءا بالصحافة الكاثوليكية .صدور كتاب هنري علاق حول التعذيب بعنوان «السؤال» ((La Question في بداية 1958 كان الدليل الجوهري الذي اثار سخط الرأي العام , الكتاب ترجم في زمن قياسي إلى الهولندية و إلى لغات أخرى . لاسيما أن شهر فبراير من نفس العام تم قصف ساقية سيدي يوسف بتونس مما تسبب في ردود فعل منددة و شغل الحدث الماساوي الصفحات الاولى للجرائد طيلة أسابيع كما اعترف السفير الفرنسي في لاهاي في تصريح صحفي مفصل آنذاك . خلال سنتي 1957-1958 , ضاعفت الإدارة الفرنسية من جهودها لكسب معركة الرأي العام الهولندي , حيث كان للسفير الفرنسي في لاهاي عدة مساعي تجاه الكثير من الصحف . و حدث أن تصدى شخصيا للرد على مواضيع اعتبرها ناقدة للسياسة الفرنسية , أو لتقديم الأحداث من زاوية إيجابية . كما تم تنظيم لقاءات لعرض أفلام قصيرة دعائية و اقتراح زيارات الصحفيين إلى الجزائر . غير أن محاولات السفير لم تنجح في حث الصحافة على الالتزام ببعض الرقابة الذاتية , و على محاربة المواقف و الأحكام السلبية للرأي العام و تقديم صورة إيجابية للأحداث في الجزائر . و هو ما سجله السفير الفرنسي في تقريره أواخر 1958 عندما أكد « أن الرأي العام الهولندي أظهر دائما تحفظا شديدا تجاه تطورات السياسة الفرنسية في الجزائر «. ثورة التحرير الجزائرية , لم تكن نزاعا متلفزا بالمعنى الحالي لكلمة متلفز , لأن التلفزة في بداية الخمسينيات كانت في خطواتها الأولى و النقل @@@ @@@المباشر للأخبار من مواقع النزاعات بواسطة الفرق التلفزيونية كان جد محدود , و مع ذلك كان دور التلفزة واضحا في مجال تحسيس الرأي العام الدولي , و في هولندا على الأقل . و بهذا البلد كانت الإذاعة و التلفزيون مثل كل وسائل الإعلام مجزأة ,و هي ميزة الفضاء العام الهولندي في تنظيم المجتمع بشكل يتيح لكل التيارات الفلسفية و الإيديولوجية أن يكون لها صحافتها الخاصة و أحزابها و هياكلها النقابية والاجتماعية . و بالتالي لم يكن هناك لا قناة مثل البي بي سي , و لا قناة وطنية عمومية كفرنسا و قنوات تجارية مثل إمريكا , و لكن كانت هناك امتيازات من حصص البث موزعة على التيارات الكاثوليكية , البروتستنتية , الاشتراكية و الليبرالية , و هي التعددية التي لعبت دورا مهما في تغطية حرب التحرير . التلفزة بدأت نشاطها في هولندا في أكتوبر 1951 . وخلال السنوات الأولى من الحرب كانت الوقائع تقدم من خلال صور الجرائد و المجلات الأسبوعية المصورة , و كان في إمكان الهولنديين مشاهدة الأحداث المصورة حول النزاع الجزائري الفرنسي من خلال الأشرطة السينمائية . التغطية السمعية المرئية لحرب التحرير تطورت مع مرور الوقت و خاصة خلال المرحلة الأخيرة من الثورة بين 1958و 1962 , عندما أصبحت أجهزة التلفزة في متناول الجمهور العريض , وظهور أنواع جديدة من المنتوجات الإعلامية و قواعد جمع المعلومات و تحليلها . و بالتالي فإن الحاجة إلى المعلومات و شرحها عبر التلفزيون ازدادت فظهرت نشرة الأخبار , و مجلة الأحداث لتلبية هذه الحاجة . في البداية انطلق بث نشرة الأخبار يوميا ابتداء من سنة 1956 . و باستثناء بعض الحصص التي تم الاحتفاظ بها فإن البقية ضاعت خلافا لبعض الشروح المتعلقة بها و التي تفيد في التعرف على مدى تطور تناول القضية الجزائرية في نشرات الأخبار الهولندية . فمن حفنة من الأخبار كانت تبث في 1956 , تناولت نشرات الأخبار أكثر من 100 موضوع عن الجزائر سنة 1960 , ليرتفع العدد إلى 250 موضوعا سنة 1962 مما جعل القضية الجزائرية تعرض على المشاهد الهولندي بوتيرة يومية تقريبا, و هي وتيرة سرعان ما تراجعت بعد الاستقلال حيث لم تخصص نشرة الأخبار بالتلفزيون الهولندي سوى 77 خبراعن الجزائر خلال سنة 1963 ثم 32 خبرا فقط في العام الموالي 1964 . التطور الثاني في التغطية الإعلامية الهولندية لحرب التحرير تمثل في بداية بث المجلة المصورة بالتلفزيون في 1959 . خلال 1962 قدمت المجلة بورتري لكل من فرحات عباس و أحمد بن بلة , و عام قبل ذلك , أوائل 1961 أنجزت المجلة ثلاثة تحقيقات ميدانية بالجزائر وتونس و أجرت حوارا مع محمد يزيد , وزير الأخبار في الحكومة المؤقتة الملاحق على الدوام من طرف الصحافيين و وكالات الأنباء العالمية . مراسلون و أقلام مشهورة مثل إيدوارد بيهر(بريطاني) و جون لاكوتير(فرنسي يساري ملتزم ناصر القضية الجزائرية ) و مادلين ريفود (فرنسية مراسلة لعدة صحف منها ليمانيتي) كانوا دائمي الحضور حوالي هيئات الحكومة المؤقتة , و هو ما كان يسميه جيلبير ماينيي على سبيل المزاح «السرك المغربي» ( هو مؤرخ فرنسي عارض الحرب و تعاطف مع الثورة –ت /في /12-20017) فالتلفزيون هو الذي اعطى وجها للحركة الاستقلالية أكثر من بقية وسائل الإعلام الأخرى , ولا سيما خلال السنوات الأخيرة من حرب التحرير , فمن خلال نشرات الأخبار و المجلات المصورة , كان التأثير واضحا في الرأي العام العالمي , غير أن التلفزة الهولندية تميزت عن غيرها بخصوص القضية الجزائرية بالحملة الإعلامية التي نظمتها في خريف 1959 تحت شعار «أنقذوا طفلا» حملة أنقذوا طفلا لصالح اللاجئين في المغرب في بداية سنة 1959 , أعلنت الأممالمتحدة عن سنة عالمية لللاجئين تمتد من جوان 59 إلى جوان60 و ضمن هذا الإطار قررت جمعية بث إذاعي بروتستانتية بهولندا إطلاق حملة وطنية لجمع مساعدات لصالح اللاجئين الجزائريين , كما أنشأت هولندا كبقية دول العالم لجنة خاصة بالسنة العالمية للاجئين , و كانت الحرب في الجزائر قد اضطرت ألاف العائلات الجزائرية إلى اللجوء بدول الجوار و خاصة المغرب وتونس ابتداء من سنة 1956 , غيرأن تدفق اللاجئين سرعان ما تناقص بعد غلق الحدود بالأسلاك الشائكة بخطي شال و موريس , و استنادا إلى بيانات المحافظة السامية للاجئين بجنيف , فإن عدد اللاجئين الجزائريين بلغ في 1960حوالي 200 ألف لاجئ موزعين بين المغرب و تونس . من أجل منح الحملة انطلاقة متميزة قررت الجمعية إنجاز روبرتاج بوسائلها حول اللاجئين و اتصلت بالمفوضية السامية للاجئين بجنيف التي كانت تنسق حملات الدعم العالمية , و تقرر تركيز العمل على ألاف اللاجئين الجزائريين في المغرب و خاصة منهم الأطفال . لا يمكن الجزم بأن تلفزيونات أجنبية أنجزت أعمالا عن اللاجئين الجزائريين في المغرب خلال عام 1959 , لكن يمكن التأكيد بأن معارضي الحرب في الجزائر أنجزوا روبرتاجات في تونس . ففي 1957 صورت سيسيل ديكيجيس (مخرجة فرنسية ت/ 2017) روبرتاج «نداء اللاجئين في تونس «بالتعاون مع الهلال الأحمر الجزائري . كما صورت عدة أفلام قصيرة حول حرب الجزائر من طرف روني فوتري تضمنت مشاهد عن اللاجئين و مخيماتهم , وهكذا تم توزيع فيلم «ممرضات في ساحة المعركة» في بلدان المعسكر الاشتراكي عبر ألمانيا الديمقراطية بين 1957و 1958 , كما أن الحكومة المؤقتة وزعت فيلم «الجزائر الملتهبة» في نفس الفترة عبر شبكات مناضليها , وقد وزع هذا الفيلم في هولندا غير انه لم يعرض إلا خلال تجمعات للمناضلين و لجمهور محدود . و بحكم طابعها الإنساني اختارت الجمعية البروتستانتية الهولندية شعار «أنقذوا طفلا» لحملتها الإعلامية , لأن الأوساط المقربة من الجمعية تولي أهمية كبيرة لمبادئ حقوق الإنسان «في العالم الثالث» , كما أن الكثير من رجال الدين يؤيدون قولا وعملا حق الشعب الجزائري في تقرير المصير . و تحدد هدف الحملة بجمع مبلغ 100 فلورين هولندي لكل طفل من أجل توفير اللباس الدافئ و تحسين ظروف الإيواء خلال الشتاء القادم , و انطلقت الحملة الإعلامية التحسيسية و استهدفت الفئات الشابة على وجه الخصوص . الروبرتاج حول اللاجئين أنجز أواخر سبتمبر 1959 بالمغرب و صور الحياة اليومية للجزائريين في وجدة و ضواحيها , و منها طوابير اللاجئين في انتظار توزيع الطرود الغذائية بمراكز الصليب الأحمر , و الشعبة السويدية للاتحاد العالمي لمساعدة الأطفال . و ركز الروبرتاج خاصة على مظاهر البؤس في حياة اللاجئين , محيلا المشاهد على لاجئي الحرب العالمية الثانية من خلال مشاهد من فيلم «كازابلانكا» (1942) في بداية الروبرتاج . حملة «انقذوا طفلا « حققت أهدافها سواء من حيث جمع التبرعات أو من حيث الإشهار للقضية , إذ يومين بعد الحصة المتلفزة , الموزع البروتستني بعث بتحويل تلغرافي بمبلغ 200 ألف فلورين إلى الهلال الأحمر المغربي . و في الأثناء حظي روبرتاج أنقذوا طفلا بإشادة واسعة من طرف الصحف واصفة إياه بأنه جعل المشاهد وجها لوجه مع صور الجوع و البرد و نقص اللباس لأشخاص طردوا من ديارهم . الحملة استمرت طيلة 7 أسابيع عبر أمواج الراديو لضمان مواصلة جمع التبرعات , من خلال بث حصة أسبوعية كل يوم سبت , ومثل التلفزة فإن الراديو كان له تأثيره في دعم الحملة و التحسيس بقضية اللاجئين . و هو التحسيس الذي أنتج وسيلة اخرى لجمع التبرعات , و ذلك من خلال تنظيم سهرات فنية منقولة مباشرة عبر التلفزيون . و كان هذا النوع من العمل الخيري لدعم القضايا العالمية الأول من نوعه في تاريخ التلفزيون الهولندي و استقطب عشرات الفنانين الهولنديين الذي شاركوا فيه بحماس . الحفل الساهر استمر قرابة الساعتين من النقل المباشر عبر التلفزيون والراديو بالتوازي مع جمع التبرعات عبر الهاتف , و حسب التقديرات فإن ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين هولندي تابعوا السهرة . الصحافة كانت أكثر مدحا وثناء للحفل من ذلك الذي خصت به الروبرتاج , لاسيما بخصوص الاتصالات الهاتفية التي اظهرت مدى سلطة التلفزيون في توجيه الرأي العام . مقارنة عمليات حملات تبرع بهذا الحجم المنظمة من طرف المنظمات غير الحكومية بأوروبا و في العالم , تظهر الطابع الاستثنائي للمبادرة الهولندية . ففي تقرير للمفوضية السامية لللاجئين الأممية بتاريخ 1961 , فإن حملة «انقذو طفلا» الهولندية تحتل الصدارة من حيث حجم التبرعات المقدرة بحولي 580 ألف دولار تليها حملة مماثلة بريطانية بحوالي 437ألف دولار . بينما تحل في رتب بعيدة بقية المبادرات منها المجلس النرويجي للاجئين ب 115 ألف دولار ' و الصليب الأحمر الإيرلندي ب50 ألف دولار , اللجنة الإيرانية للسنة العالمية للاجئين ب 9 آلاف دولار . ردود فعل عديدة جزائرية و أجنبية أكدت الطابع الاستثنائي للمبادرة الهولندية و منها جريدة المجاهد بتاريخ 15 ديسمبر 1959 عبرت عن «رضاها الكبير» و بفرنسا لم تُخفِ جريدة تيموانياج كريتيان ثناءها على الحملة الهولندية . أما لجنة بلجيكا من أجل السلام في الجزائر فقد أقترحت إطلاق حملة جمع تبرعات إنسانية و إرسالها إلى هولندا عبر بروكسيل . المساعدة الإنسانية للاجئين في تونس و ما أن أصبحت قضية اللاجئين الجزائريين في المغرب و في تونس , معترفا بها كقضية عالمية , حتى سارع عدد من المنظمات غير الحكومية إلى إدراجها ضمن برناج نشاطها . في البداية كانت المساعدات مناسباتية و متفرقة مقدمة من طرف منظمات غربية خاصة و لكن الوضع تغير بعد إقرار السنة العالمية للاجئين من طرف المفوضية السامية للاجئين الأممية بالتعاون مع الفيديرالية العالمية لمؤسسات الصليب الأحمر , حيث توزع العمل الخيري الهولندي لدعم اللاجئين بين الصليب الأحمر الذي ركز جهوده على المغرب , و بين حركة «العمل العام من أجل السلام مدعومة بالمنظمات الخاصة التي اهتمت بتونس . و خلافا للصليب الأحمر الملتزم بالحياد تجاه النزاع الجزائري الفرنسي , فأن حركة السلميين الهولندية في تونس اعتبرت نشاطها في تونس مساعدة لمعركة من أجل الاستقلال , و بالتالي تعاونت بشكل كبير مع الهلال الأحمر الجزائري . في أواخر جويلية 1958 , زار رئيس حركة السلميين هاين فان ويجك مخيمات اللاجئين في ساقية سيدي يوسف و وادي الرمل و الكاف بتونس , فصدمته رؤية ظروف الحياة بمخيمات مؤقتة تفتقر إلى كل مقومات الحياة , من غذاء و ثياب و أدوية و نظافة . هذه الزيارات ذكرت المقاوم السابق للاحتلال النازي , معاناته الشخصية بمحتشد داكاو بألمانيا و من وجهة نظره لا يهم ألا يسمى مخيم اللاجئين معتقلا , المهم هو إعلام الرأي العام الهولندي بوجود هذا النوع من المخيمات , الرئيس التقط صورا فتوغرافية و صور ظروف الحياة بمخيمات الإيواء و لدى عودته إلى هولندا استغل الصور و الأفلام في مقالات صحفية و عرضها خلال محاضرات . شهادة فان ويجك أثارت جملة من ردود الفعل انطلقت إثرها في خريف 1958 حملة مساعدة منسقة من طرف فان لإرسال الملابس و الأموال إلى اللاجئين بتونس . و خلال عام تمكنت الحملة من إرسال 8أطنان من الملابس و مبلغ 9000 فلورين , و بالقارنة مع حملة أنقذوا طفلا فلا وجه للمقارنة , لأن الحملة الأخيرة جندت عشرات الآلاف من الفلورينات لتمويل نفقات التنظيم فقط بينما قاربت المداخيل 2,5 مليون فلورين . غير أن مبادرة فان ويجك كانت مصدر إلهام لعمليات جمع الملابس في العديد من مناطق هولندا. في إطار مساعدة اللاجئين في تونس , حظيت دار الأطفال «المرسى» بإحدى ضواحي تونس بمكانة هامة . ففي صيف 1959 الشعبة الهولندية لمنظمة الخدمة المدنية العالمية ,أنشأت «لجنة المرسى» التي تكفلت بإنتاج وسائط إشهارية و جمع التبرعات المالية , حيث أخذ جانب الدعاية حيزا مهما في هذه الحملة التضامنية , اللجنة المذكورة اصدرت مطويات بعنوان «أطفال الجزائر يطلبون المساعدة» , و كذا منشورات أخرى أكثر تفصيلا بعنوان «دار الأطفال للاجئين الجزائريين ؛المرسى» و هذه حققت بعض النجاح الذي مكن من إنجاز عدة مراكز لإيواء الاطفال . في أواخر 1959 دور أطفال أخرى فتحت أبوابها بالمغرب , و بالضبط بمراكش ثم دار جميلة بالدار البيضاء خاصة بالبنات و بخميسات للذكور ... لللإشارة فإن هذا الاندفاع في مساهمة الهولنديين في الحملات التضامنية , سرعان ما خفتت حدته , حيث حاولت المنظمات المشرفة على هذا النشاط إعادة تجربة حملة»أنقذوا طفلا» غير أن المحاولات لم تثمر , و بالتالي استمرت المساعدات العادية بالتدفق على اللاجئين إلى غاية ربيع 1961 ... الخلاصة كيف يفسر النجاح المنقطع النظير للحملة الهولندية «أنقذوا طفلا «؟ إلى غاية 1959 تحدث الإعلام عن الملف الجزائري باعتباره نزاعا و حربا وتعذيبا ... و الأكيد أن مجموعة من المناضلين و السياسيين والمثقفين و الصحافيين الملتزمين ثاروا ضد الحرب , و لكن بالنسبة لمعظم الهولنديين فإن النزاع لا يعدو نزاعا لإنهاء الاستعمار مثل العديد من النزاعات المماثلة , بمعنى أن القضية لفها التجريد و فقدت صلتها بالملموس أي بالواقع , و بالتالي فإن حملة أنقذوا طفلا في هولندا كان لها الفضل في تحويل القضية الجزائرية إلى مشكل محسوس قريب و مفعم بالعاطفة , بعد آخر أضيف إلى النزاع هو البعد الإنساني , بالتالي فإن العمل التضامني كان يتوجه نحو الإنسان الأضعف و هو الطفل المتألم المعذب . والذي يمثل لوحده قيمة تتجاوز الإطار الصارم لحرب الجزائر , لتستقر في سجل عالمي بل مثالي... هذا النداء للتضامن مع ضحايا الحرب كان له صدى واسع لدى مختلف فئات المجتمع الهولندي لأنه مطابق لتقاليده من حيث التراحم الإنساني . فضلا عن أن حملة التضامن تمت في إطار تاريخي و أخلاقي الذي يخاطب كل هولندي حيث ذكريات الاحتلال النازي ظلت ماثلة للأذهان بحملات التفتيش و النفي و المجاعة . ففترة الحرب العالمية الثانية كانت بالنسبة للهولندي مرجعا شخصيا و إيديولوجيا و أخلاقيا . بالنسبة للمناضلين و المثقفين الملتزمين فإن الخطاب المعادي للاستعمار يشكل امتدادا منطقيا للخطاب المعادي للفاشية . «أنقذوا طفلا» جمعت معيارا إنسانيا و مرجعية أخلاقية , يضاف إليهما الأثر الكبير للوسيلة الإعلامية الجديدة التي هي التلفزيون . أ.بن نعوم