هناك عدة أمثلة حول الدعم الذي تلقته الثورة الجزائرية حتى من الدول التي تساند حكوماتها رسميا فرنسا الاستعمارية في القضية الجزائرية , و لعل مناسبة اندلاع هذه الثورة المجيدة تمنحني فرصة التذكير بمثال واحد عن هذه الصور من الدعم الإنساني وهو مثال المساعدة الهولندية للاجئين الجزائريين في تونس والمغرب خلال ثورة التحرير . وهو دعم غطى بنجاحه الموقف السياسي السلبي شبه المنعدم لهولندا كونها هي نفسها قوة استعمارية كانت في نزاع مع اندونيسيا حول منطقة غينيا الجديدة مما جعلها تساند مساندة مطلقة فرنسا ضد الثورة الجزائرية. وهي الثورة التي بدأت منذ 1957 تتغلغل عبر الإعلام إلى أوساط الرأي العام الهولندي تدريجيا بحيث ما أن حلت سنة 1959 , حتى استقطبت القضية الجزائرية تجندا كبيرا لمجوعة من النخب الهولندية التي هبت من خلال* لجنة الجزائر للعمل والإعلام*, لتحسيس الهولنديين بالوضع المأساوي للاجئين الجزائريين في تونس والمغرب, وتنظيمهم حملة متلفزة شعارها *انقذوا طفلا* التي عرفت نجاحا فاجأ حتى منظميها. في بداية سنة 1959, أعلنت الأممالمتحدة عن سنة عالمية للاجئين تمتد من جوان 59 إلى جوان 60 وضمن هذا الإطار قررت جمعية بث إذاعي بروتستانتية بهولندا إطلاق حملة وطنية لجمع مساعدات لصالح اللاجئين الجزائريين, كما أنشأت هولندا كبقية دول العالم لجنة خاصة بالسنة العالمية للاجئين, وكانت الحرب في الجزائر قد اضطرت ألاف العائلات الجزائرية إلى اللجوء بدول الجوار و خاصة المغرب وتونس ابتداء من سنة 1956 , غير أن تدفق اللاجئين سرعان ما تناقص بعد غلق الحدود بالأسلاك الشائكة بخطي شال وموريس , واستنادا إلى بيانات المحافظة السامية للاجئين بجنيف, فإن عدد اللاجئين الجزائريين بلغ في 1960 حوالي 200 ألف لاجئ موزعين بين المغرب وتونس . من أجل منح الحملة انطلاقة متميزة قررت الجمعية إنجاز روبورتاج بوسائلها حول اللاجئين واتصلت بالمفوضية السامية للاجئين بجنيف التي كانت تنسق حملات الدعم العالمية, وتقرر تركيز العمل على ألاف اللاجئين الجزائريين في المغرب وخاصة منهم الأطفال. وبحكم طابعه الإنساني اختارت الجمعية البروتستانتية الهولندية شعار *أنقذوا طفلا* لحملتها الإعلامية, لأن الأوساط المقربة من الجمعية تولي أهمية كبيرة لمبادئ حقوق الإنسان *في العالم الثالث*, كما أن الكثير من رجال الدين يؤيدون قولا وعملا حق الشعب الجزائري في تقرير المصير. الروبرتاج حول اللاجئين أنجز أواخر سبتمبر 1959 بالمغرب وصور الحياة اليومية للجزائريين. حملة *انقذوا طفلا * حققت أهدافها سواء من حيث جمع التبرعات أو من حيث الإشهار للقضية , إذ يومين بعد الحصة المتلفزة ,بعث الموزع البروتستنتي عبر تحويل تلغرافي مبلغ 200 ألف فلورين إلى الهلال الأحمر المغربي (كوسيط في العملية لأن المنظمين لم يكن في إمكانهم التعامل مباشرة مع الهلال الأحمر الجزائري). وفي الأثناء حظي روبرتاج أنقذوا طفلا بإشادة واسعة من طرف الصحف واصفة إياه بأنه جعل المشاهد وجها لوجه مع صور الجوع والبرد ونقص اللباس لأشخاص طردوا من ديارهم . الحملة استمرت طيلة 7 أسابيع عبر أمواج الراديو لضمان مواصلة جمع التبرعات, من خلال بث حصة أسبوعية كل يوم سبت, ومثل التلفزة فإن الراديو كان له تأثيره في دعم الحملة والتحسيس بقضية اللاجئين . مقارنة عمليات حملات تبرع بهذا الحجم المنظمة من طرف المنظمات غير الحكومية بأوروبا وفي العالم , تظهر الطابع الاستثنائي للمبادرة الهولندية. ففي تقرير للمفوضية السامية للاجئين الأممية بتاريخ 1961 , فإن حملة *انقذوا طفلا* الهولندية تحتل الصدارة من حيث حجم التبرعات المقدرة بحوالي 580 ألف دولار تليها حملة مماثلة بريطانية بحوالي 437 ألف دولار. بينما تحل في رتب بعيدة بقية المبادرات منها المجلس النرويجي للاجئين ب 115 ألف دولار والصليب الأحمر الايرلندي ب 50 ألف دولار, اللجنة الإيرانية للسنة العالمية للاجئين ب 9 آلاف دولار. ردود فعل عديدة جزائرية وأجنبية أكدت الطابع الاستثنائي للمبادرة الهولندية ومنها جريدة المجاهد بتاريخ 15 ديسمبر 1959 عبرت عن «رضاها الكبير» وبفرنسا لم تُخفِ جريدة «تيموانياج كريتيان» ثناءها على الحملة الهولندية . فالشكر كل الشكر للهولنديين و لكافة أصدقاء ثورتنا المجيدة الذين أبدعوا في ابتكار كل أشكال الدعم لشعب لم يبخل هو أيضا بأي نفيس لاسترجاع حريته واستقلال وطنه .