يستضيف الروائي ياسمينة خضرا في روايته الجديدة الصادرة عن منشورات القصبة الموسومة ب «ملح كل المنسيات» القارئ في رحلة بحث عن الإنسان لتضميد جروح الروح و القلب وإعادة بناء الذات بتجاوز المحن. ويروي هذا العمل الجديد الذي يقع في 287 صفحة جزء من حياة آدم نايت قاسم معلم ، الذي يعيش حياة هادئة بدون مشاكل في إحدى قرى منطقة البليدة في بداية الستينات من القرن الماضي، وفجأة ينهار كل شيء أمامه، لتتحول حياته إلى جحيم بعد أن قررت زوجته مغادرته ، فيقرر آدم ترك بيته و تلاميذه، والانعزال عن المجتمع وتقليص التواصل مع الناس، قبل أن يتخلى عن كل شيء، ويروح تائها في الأرض دون هدف، يهوم هذا «البطل السلبي» الكئيب في متاهات الحياة بحثا عن سبب مقنع لذهاب زوجته. و قد حاول في البداية النسيان متنقلا بين حانات البليدة، في محاولة يائسة لطي أحزانه.لكن الظروف جعلته يتعود هذا النمط الذي يشبه التشرد و ذلك رغم كل الأيادي التي امتدت لمساعدته من كل جانب، إلا أنه رفضها حفاظا على عزة نفسه. و بعد ذلك وجد آدم نايت قاسم نفسه في مصحة للأمراض العقلية بعد إن أصبح فريسة الأحزان والمواجع ، وهناك يلتقي بشخص يدعى « العيد « يعاني من مرض الامنيزيا ( فقدان الذاكرة) ومن الانطواء و الكآبة، ويدرك آدم بعد ذلك أن مثل هذه «الأشباح التي تدور في حلقة مفرغة هي التي تعكس الصورة الحقيقية للعالم والوجه الحقيقي لإنسانية قاسية وغير عادلة .وبعد خروجه من المستشفى يجد المعلم الذي مازال يرفض البوح بقصته حتى للأطباء هبة من التضامن و الكرم ، من قبل كل الذين التقى بهم صدفة على غرار البقال الذي عرفه في منطقة نائية ، و قام بإيوائه و أيضا صاحب العربة الذي كان يقوم بنقله عند الطلب. ومن بين هؤلاء أيضا نجد « ميكا « الذي كان يعيش في عزلة بالغابة ، وكان بالنسبة له الملاك الحارس، وخلال هذه الأسفار والتنقلات اطلع بطل القصة عن كثب على تلك الجروح والمعاناة التي بقيت شاهدة على عمق الأضرار التي خلفتها حرب التحرير ، كما تعرف أيضا على المآسي الشخصية للذين قاموا بمساعدته رغم تعنته في الرفض ، ويجد القارئ صعوبة في إدراك الزمن والمكان الذي تجري فيه أحداث هذه الرواية التي تركز أساسا على العلاقات الإنسانية العفوية مهما كانت طبيعتها .