يقول الله تعالى : « فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى » قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ): «ما من يوم طلعت فيه شمسه إلا وبجنبتيها ملكان يناديان ، يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين -الإنس والجن- يقولان:( اللهم أعط منفقا خلفا ، وأعط ممسكا تلفا ) الناس يقولون خبئ الدرهم الأبيض لليوم الأسود ، لقد صدقوا فإنّ ثقافة الادخار ثقافة دينية وأخلاقية حسنة ، إلا أنه يجب أن نعلم أنّ اليوم الذي قد يكون أشد سوادا هو يوم القيامة ، لذلك لا نهمل الادخار الحقيقي ، وهو أن نجعل لأنفسنا خبيئة عند الله عز وجل ليوم القيامة . وهذه الخبيئة ليست شرطا أن تكون مالا بل قد تكون موقفا حسنا يحسب لنا وقد تكون كلمة طيبة تنفعنا يوم لا ينفع مال ولا بنون ، و الخبيئة حينها تنفع في الدنيا وفي الآخرة، ولعلنا نقف على حقيقة معنى أن نجعل لأنفسنا خبيئة عند الله ، من خلال قصة ... فقير بني إسرائيل في عهد موسى (عليه السلام) عاش زوجان فقيران أشد الفقر ،وفي يوم من الأيام قالت الزوجه لزوجها : أليس موسى نبي الله وكليمه ؟ قال لها : بلى قالت :لم لا نشكو له حالنا وما أصابنا من فقر، ليطلب ربه أن يغنينا من فضله ، كي نعيش مابقى من عمرنا في هناء ورغد .. قال الرجل : نعم الرأي فذهبا إلى نبي الله وكليمه عليه أفضل الصلاة والسلام وذكرا حالهما، فكلم موسى ربه وهو سبحانه أعلم بحالهما ، لا تخفى عليه خافية ، فقال الله لموسى: يا موسى قل لهما إني سوف أغنيهما من فضلي، ولكن لعام واحد فقط ، فإذا انقضى العام عادا لما كانا عليه من فقر، فأخبر موسى الزوجين أنّ الله قد استجاب لهما وأنه سوف يغنيهما ...ولكن لمدة عام واحد فقط ، استبشر الزوجان وفرحا فرحا شديدا، ولما عادا فإذ بالأرزاق تأتيهما من حيث لا يدريان .. وصارا من أغنياء القوم، وبدأت حياتهما تتغير وعاشا في رغد من العيش، وفي أحد الأيام ذكرت الزوجه الطيبة زوجها قائلة :يا رجل تذكر أننا سننعم لمدة عام وبعد انقضاء المدة سوف نعود لفقرنا ، قال : نعم!!! فقالت: إذاً نجعل خبيئة عند الله لعلها تنفعنا !!! قال: كيف ذلك ؟؟؟ قالت : نأخذ نصيبا من هذا المال ونصنع به معروفا عند الناس. فإذا مر العام وعدنا إلى فقرنا .. ذكر الناس معروفنا الذي صنعناه لهم ، فلربما أشفقوا علينا حينها فيعطونا حين نسألهم عطاء.. قال الزوج :يا امرأة ألم نكن فقراء ولم يساعدونا ؟ قالت :بلى ولكننا نحن بصنيعنا قد نغير من سلوكهم السيء نغرس فيهم حب العطاء من خلال عطايانا لهم ثم لا تنس أنها خبيئة نضعها عند الله عساها تنفعنا في الآخرة ،ولئن جحد الناس عطايانا ، فهي عند الله لا تضيع، وحتى نؤثر في الناس أكثر فلنبدأ بمن حرمونا من عطاياهم من قبل، فنعطيهم نحن - وكأنها بذلك تترجم حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : « أَفْضَلِ أَخْلَاقِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ ». وحينها قاما بتقديم المساعدة لجيرانهما جميعا ، ثم بنيا منزلا على مفترق طرق المسافرين السبعة ، وجعلا في كل واجهة من المنزل باباً مشرفا على الطريق فكانت سبعة أبواب بعدد الطرق، فجعلا يستقبلان الغادي والرائح من الناس ، ويصنعان لهم الطعام ليلا ونهارا ، من غير ملل ولا كلل...وظلا يشتغلان .. وتمر الأيام والشهور، وتأمل موسى حالهما يوما بعد أن انقضى العام ، فوجدهما على حالتهما من الغناء !!! .وهما منشغلان بصنع الطعام وإكرام الجيران والضيوف حتى أنهما نسيا تلك المهله التي حددها لهما ربهما، ومرّ العام ودخل عليهما عام جديد ..وهما على ما هما عليه لم يفتقرا !!! فعجب موسى وكلم ربه فقال : يارب قد اشترطت عليهما عاما واحدا من الغناء فقط والآن ها هما في عامهما الثاني ولم يفتقرا..فرد عليه المولى سبحانه وتعالى: ياموسى فتحت لهما بابا من أبواب رزقي ، ففتحوا سبعة أبواب يرزقان فيها عبادي ، ياموسى .....استحيت منهما ..ياموسى أيكون عبدي أكرم مني ؟؟؟ سبحانك يا أكرم من كل كريم ! ويا أرحم من كل رحيم ! وصدق من قال: «إنّ الأزمة تلد الهِمّة ولا يتّسِع الأمر إلا إذا ضاق ولا يظهر فضل الفجر إلا بعد الظلام الحالِك. أَوشك فجر الأمة أن ينْبَثِق، فقد ادْلَهمَّت فيه الخُطوب، وليس بعد هذا الضّيق إلا الفرج، سنَّةَ الله في خلقه». ولنعلم أنه إذا ضاق الأمر اتسع ، فليجعل مساحات في قلوبنا ،للعطاء ،ومساحات للعفو، ومساحات للتراحم فالراحمون يرحمهم الرحمان، فتلك أحسن خبيئة لنا...