يحظى مشروع تعديل الدستور, الذي تم عرضه و المصادقة عليه امس الاحد في اجتماع مجلس الوزراء, بعناية بالغة باعتباره اولوية لإرساء قواعد الجزائر الجديدة كما وعد بها الرئيس تبون غداة انتخابه في 12 ديسمبر 2019 رئيسا للبلاد وكما يتطلع اليها الشعب الجزائري. في كلمته, خلال تدخله أمس في اجتماع مجلس الوزراء, أكد رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, أن مشروع التعديل الدستوري يوفر "كل الضمانات لنزاهة الانتخابات", سواء بدسترة السلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات أو بتقنين صارم للتمويل السياسي, للحفاظ على حرية الإرادة الشعبية, أو بمنح فرص متكافئة للجميع في التصويت والترشح حتى يحترم صوت الناخب ويتعزز المشهد السياسي بجيل جديد من المنتخبين". وأوضح الرئيس تبون في هذا الشأن أن "الواجب كان يقتضي تسبيق التعديل الدستوري, لأنه ليس من المعقول أن نجدد الهيئات المنتخبة بقوانين مرفوضة شعبيا", مضيفا أن "تطبيق هذا التعديل الدستوري, إذا ما وافق عليه الشعب, يستلزم تكييف عدد من القوانين مع المرحلة الجديدة ضمن منظور الإصلاح الشامل للدولة ومؤسساتها واستعادة هيبتها". واحالة مشروع تعديل الدستور على البرلمان هو بمثابة المحطة الاخيرة قبل عرضه, في الفاتح من نوفمبر المقبل, على استفتاء تكون الكلمة الفصل فيها للشعب بصفته مصدر كل سلطة وهو ما أكده الرئيس تبون شهر أوت المنصرم, خلال لقاء الحكومة مع ولاة الجمهورية, حين جدد التأكيد على أن "التغيير مثلما طالب به الحراك المبارك هو تغيير سلمي, لكن جذري, يتم على الدستور الذي هو أساس الدولة", وأن " الشعب هو من يقرر وله الحرية في قبول مسودة الدستور أو رفضها". وتمثلت المهام الموكلة للجنة التي يرأسها أحمد لعرابة، بصفته أستاذ للقانون الدولي العام وعضو لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، في "تحليل وتقييم، من جميع جوانبها، عملية تنظيم وعمل مؤسسات الدولة" و"تقديم مقترحات وتوصيات إلى رئيس الجمهورية بهدف تعزيز النظام الديمقراطي القائم على التعددية السياسية والتداول على السلطة". و ساهم في اثراء نص المشروع حسب ما أكده الوزير الاول عبد العزيز جراد خلال عرضه لمشروع القانون اثناء اجتماع مجلس الوزراء, مواطنين ممثلين لأحزاب سياسية, نقابات, منظمات المجتمع المدني وأساتذة جامعيين وغيرهم بحوالي 5018 مقترح. كما جاء المشروع تتويجا لعمل لجنة الخبراء, التي شكلها رئيس الجمهورية في 8 يناير الماضي لصياغة المقترحات من أجل مراجعة أحكام الدستور، في إطار تجسيد التزاماته أمام الجزائريين وتحقيق أحد المطالب التي عبروا عنها خلال الحراك الشعبي السلمي في 22 فبراير. وكان السيد لعرابة قد قدم لرئيس الجمهورية في 24 مارس الماضي, الاقتراحات المتعلقة بتعديل الدستور والذي بدوره أشاد بأعضاء اللجنة نظير جهودهم المبذولة طوال شهرين من أجل ترجمة الرغبة في احداث تغيير جذري في المواد الدستورية التي تشكل أساس بناء الجمهورية الجديدة فور تأييدها من طرف الشعب في صيغتها التوافقية النهائية". و بالنظر الى أهميته في احداث تغيير جذري في سياسات التشريع, التنفيذ والتسيير, تمحورت معظم المقترحات حول ضرورة تكريس "الحقوق الاساسية والحريات العامة", "تعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها" و " السلطة القضائية" و "المحكمة الدستورية" و "الشفافية, الوقاية من الفساد و مكافحته" و "السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات", بالإضافة الى مقترحات اخرى. ومن أهم المقترحات المدرجة في نص المشروع الذي جاءت في ستة محاور, "تعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها" حيث تم تكريس مبدأ عدم ممارسة أحد أكثر من عهدتين رئاسيتين متتاليتين أو منفصلتين مع إمكانية رئيس الجمهورية من تعيين نائب له, اضافة الى تعزيز مركز رئيس الحكومة. كما تضمنت أحكاما أخرى هامة على غرار إقرار التصويت داخل البرلمان بحضور أغلبية الأعضاء, تحديد العهدة البرلمانية بعهدتين فقط, التمييز في الاستفادة من الحصانة البرلمانية بين الأعمال المرتبطة بممارسة العهدة وتلك الخارجة عنها. وضمانا لمبدأ استقلالية العدالة تم اقتراح, دسترة تشكيلة لجنة المجلس الأعلى للقضاء و إسناد نيابة رئاسية للمجلس إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا الذي يمكن له أن يرأس المجلس نيابة عن رئيس الجمهورية مع إبعاد وزير العدل والنائب العام لدى المحكمة العليا من تشكيلته. ومن ضمن المقترحات المدرجة في المشروع, دسترة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته, وإدراجها ضمن الهيئات الرقابية, التصريح بالممتلكات في بداية الوظيفة أو العهدة وعند انتهائها لكل شخص يعين في وظيفة عليا في الدولة, أو منتخب أو معين في البرلمان, أو منتخب في مجلس محلي مع إلزام السلطات العمومية باحترام الحكم الراشد وفرض احترامه في تسيير الشؤون العمومية و معاقبة القانون لاستغلال النفوذ. كما شمل المشروع أحكام أخرى أدرجت في ديباجة النص أهمها دسترة الحراك الشعبي ليوم 22 فيفري 2019, حظر خطاب الكراهية والتمييز, إدراج لغة تمازيغت ضمن الأحكام التي لا تخضع للتعديل الدستوري. اضافة الى ذلك, تم اقتراح دسترة مشاركة الجزائر في عمليات حفظ السلام تحت رعاية الأممالمتحدة و في المنطقة على استعادة السلم في إطار الاتفاقيات الثنائية مع الدول المعني لجوء رئيس الجمهورية الى استفتاء شعبي لتمرير مشروع تعديل الدستور هي صلاحيات مخولة له في الدستور الحالي و في القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات اذ تنص المادة 8 من الدستور على أن "?السلطة التأسيسية ملك للشعب", الذي يمارس سيادته بواسطة "المؤسسات الدستورية التي يختارها" ويمارسها أيضا "عن طريق الاستفتاء وبواسطة ممثليه المنتخبين", وتخول ذات المادة لرئيس الجمهورية "أن يلتجئ إلى إرادة الشعب مباشرة". ويضطلع رئيس الجمهورية حسب المادة 91, بالإضافة إلى السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور, بعدة سلطات وصلاحيات, من أهمها "أن يستشير الشعب في كل قضية ذات أهمية وطنية عن طريق الاستفتاء". ولرئيس الجمهورية أيضا حق المبادرة بالتعديل الدستوري -حسب المادة 208- التي تنص على أنه "بعد أن يصوت عليه المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة بنفس الصيغة حسب الشروط نفسها التي تطبق على نص تشريعي, يعرض التعديل على استفتاء الشعب خلال الخمسين (50) يوما الموالية لإقراره", و"يصدر رئيس الجمهورية التعديل الدستوري الذي صادق عليه الشعب". وبدوره, يحدد القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات الإطار القانوني للاستشارة الانتخابية عن طريق الاستفتاء الشعبي, حيث يستدعى الناخبون -حسب المادة 149- "بموجب مرسوم رئاسي قبل خمسة وأربعون (45) يوما من تاريخ الاستفتاء", ويرفق النص المقترح للاستفتاء بهذا المرسوم الرئاسي.