تُعد هذه الدراسة جزءًا من حلقات متعاقبة؛ لذا فضلت أن يكون لكل حلقة عنوان مستقل بذاته، تهيبًا من تشتيت ذهن المتلقي بعدم تداركه متواليات الدلالة، التي تصب في العنوان الرئيس وهو: الصمت المخاتل في الشعر الجزائري المعاصر. إن مخاطبة الهوية الضائعة للذات الشاعرية، والسعي إلى استردادها ينمي البعد التأملي؛ للبحث عما يمكن أن يضيئ السبيل للضمير في موقفه من المصير، الذي لم يذكره النص، وإنما أفرزته اللغة المغيَّبة في طِرس المتن [لا شيء يعنيها سوى إيقاعها]، في صورة الإيقاع الذي جسدته الفراغات غير المرئية، في مقابل تجلي المساحة الانفعالية التي تضمنها محيط النص، وآثرها على حياته. ووثبا على الجهود المبذولة لمفهوم الذاكرة من قبل المفكرين والفلاسفة، كل بحسب رغبته فى الدفاع عن انتمائه، أو طريقة تناوله لشاعرية الصمت، ووثبا على مقولة سقراط الفلسفية الشهيرة [اعرف نفسك بنفسك]، أو منذ أن طرح سؤال الفكر اليوناني عن ماهية الوجود، وتحديد الحق على أنه [ما يكون هو ذاته بما هو ذاته]، ووصولا إلى البحث عن هوية الذات التي نجمل رؤيتها فى مقولة هيدغر Heidegger:" كيف يجب أن نكون نحن أنفسنا، والحال إننا لسنا نحن أنفسنا؟ وكيف يمكن لنا أن نكون أنفسنا، دون أن نعرف من نكون، حتى نكون على يقين من أننا نحن الذين نكون" في ضوء ذلك يمكن حصر جملة من هذه الفواعل المتعالقة في كل ما له صلة بتضمين شاعرية الصمت، والاشتراك في المعنى، بين المسكوت عنه ونص المتن، على وَفق ما حدده جيرار جينيت في مصطلح المتعاليات النصية التي أسماها ب الماوراء نصية، أي النصية الموازية، أو "النصية الواصفة Métatextualité" بوصفها نصًا موازيا، يجمع بين "علاقة التفسير والتعليق التي تربط نصا بآخر يتحدث عنه، دون الاستشهاد به أو استدعائه، بل يمكن أن يصل الأمر إلى حد عدم ذكره"، كما في الخرق الحاصل بين النصية الواصفة [المتضمنة] والعبور إلى الكتابة [المسكوت عنه] في دلالة النصية الواصفة لهذه الفواعل يتحسس كل شاعر مصير الهوية، ويترسب في ذاكرة كل منهما فعل المحو مما هو قصيٍّ فيها، بعد أن أصبحت الهوية طافية، تغرز جرحا عميقا بانفلات كل ما فيها من معنى وغياب الحقيقة، واختفاء العوامل المضيئة فيها، حين بدأت تخسر استمرار تواصلها التراتبي من يقين الإرث المرجعي، ودخلت فى رهان مع اللامتناهي، الذي يحاول أن يخلق بديلا لكل ما هو ثابت وقار، للدخول فى غمار المجهول بكل ما يحمله من صفات الغربة والغرابة، وحالة التفكك النيتشوي. إذا كان المضمر في النص يراد منه التخفي وراء حقيقة ما، والتعبير عن موضوع مغاير عما أورده المتن؛ فإنه يضاعف من حقل الدلالة المجازية، في كل من النص المكفول بالمعنى الذي تدل عليه الدوال، وهامش المسكوت عنه، المكفول باللامقول في النص، وغالبا ما يكون المحتوى المضمر ضروريا لتماسك الخطاب؛ كما قد تكون بعض الصيغ في المضمر، مزودة بدرجة جلاء قصوى للمعنى الذي ينطوي على ضمير اللاوعي في النص، أو من خلال مجموعة من القرائن التي تعتمد في مواضع أخرى على ضرورة إرجاع التماسك التشاكلي الدلالي، الذي يخل به المعنى الحرفي إلى أصله بفرض قراءة بيانية، فكلما انتهك [الخطاب] على مستوى محتواه البيّن، تفعَّل الاستدلال الضابط له بشكل أقوى (كاترين كيربات – أوريكويني، المضمر)؛ لأن النص المضمر خادع، ومخاتل، وحتى بعد لملمة المسكوت عنه في النص، جوزنا تناول شتاته بالقبض على المعنى المنفلت؛ إما دعمًا للمتن، أو انزياحًا عنه، وكأننا نبحث عن تأويل في التأويل، أي البحث في تناسل المعاني، وما يتعقبها من إضافات نوعية، بوجه الاحتمال. إذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب .. وكثيرا ما كان الصمت في المضمر أوفر حظا من الخطاب/ الكلام؛ وذلك لأن المضمر يخفي معنى الدراية، ويجترئ على مأْثَرة الطويَّة المحفوظة في المسكوت عنه المبتغى، ويدفع بضرورة توافر خيارات الإبانة والمجاهرة، المستترة في سبر أغوار النص، أو في نفس المخاطب. ولم يخل المضمر في المعارف الإنسانية من حضور؛ إذ كان للموروث الشعري العربي نصيب منه، نجمل ذلك فيما حظي به الخطاب - الذي عهدنا في مروياته - أنه "إذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب"، كما في مدح الصمت/المضمر من علي بن أبي طالب:إِن القليلَ من الكلامِ بأهلهِ/ حَسَنٌ وإِن كثيرَهُ ممقوتُ/ما زلَّ ذو صمتٍ وما من مكثرٍ/ إِلا يزلُّ وما يُعابُ صَموتُ/ إن كان ينطقُ ناطقًا من فضة/ فالصمت درٌ زانَه الياقوتُ/ وكما جاء في قول أحمد بن يحيا بن بدر: عجبتُ لإزراء العييِّ بنفسِه/ وصمتِ الذي قد كان بالقَوْلِ أعلما/ وفي الصمت سترٌ للعيِّ وإِنما/ صحيفةُ لبِّ المرءِ أن يتكلما وتظل لطائف الصمت من لطائف كلّ معنى يلوِّح للفهم، ويلمِّح بالكناية أو الاستعارة، ولا تسعها العبارة؛ ولما يختزله من قوة التأمل، وما ينفرد به من انفعال، وفي ضوء هذا الإحساس ظلت كلمات الشاعر عبد الرحمن بوزريبة مثقلة برنين الصمت، فيما هي تقوده التجربة نحو عواصف الحرف، ولهب العبارة: مساءَ المطرْ../ مساءَ ال...مساءْ/ مساءَ الغزالاتِ راكضةً للسماءْ/ مساءَ انهمارك فيَّ/ مساءَ انهياريَ فيكِ/ مساءَ الذي فجأةً/ لم يعد/ يستطيعُ/ الغناء..! (من قصيدو طيماء الدهشة) الغناء شهوة المنصت لصمت موسيقى الذات الباطنية في تأملها وعزلتها، وهي التجربة التي قادت الشاعر لابتكار معجمه الشعري، ومفردات صمته، في أبجديات فقه الصمت وبلاغة المضمر، وهو يعيد للكلمات رونقها بإحساس عميق، يعج بالدهشات. ومن هنا، فإن اللغة ضرورية وملزمة للإنسان، بأن يتكلم ويفصح، غير أن بدائل الصمت تظل أقرب إلى وجدان المخاطب، بوصفها فسحة للتأمل، تجول في مطلق الكون، كما جاء في قول أبي العلاء المعري: أطرق كأنك في الدنيا بلا نظر/ واصمت كأنك مخلوق بغير فم/ وفي هذا السياق، يطل علينا الشاعر عبد الرحمن بوزربة في قصيدة أخرى مثقلة بعراجين الصمت، الدال على مجاله الإشاري المفتوح على اللانهائي: للوردةِ الأولى تغني/ أم لشوكِ الأزمنهْ..؟/ أم أنّها النّاياتُ أثقلَها السّكوتُ فصافحتْ حُزنَ السؤالْ...؟ (من قصيدة حزن السؤال) يستهل الشاعر نصه بتساؤل مَهيب، يعيد بناء الزمن في علاقته بالصمت، فضلا عن صيغة التساؤل الواقعة بين النفي والإثبات، بين سكون الطبيعة المتمثل في سكوت النايات، وبين حركية السؤال الذي يثيره موقف الذات. وبلغة تساؤلية يرتفع حزن السؤال أمام ما يتحمله الناي الحزين من ثقل السكوت؛ السكوت بما هو رهبة الحيران، وموقف المتسائل عن جدوى الدخول في البدايات؛ بوصفها إطارا أزليا للصمت الذي يسبق أنين النايات، ومن ثم يردف الشاعر قائلا: حدّقْ هناك.../ نوافذُ الحيّ العتيق/ تأبّطتْ جُدْرَانها/ َوَ ما تزالُ هنا/ وتوغلُ في الصدى/ تصغي لهمسِ الأمكنهْ..؟ (حزن السؤال) يستند هذا المقطع إلى جملة من المفردات الدالة على حنين الذات إلى البدايات، وهو حنين صامت مفعول به، يفضل الإصغاء إلى كل ما يوحي بالسكون بداية من فعل الأمر "حَدِّقْ"، الذي يستدعي حاسة النظر لتكون شاهدة على هدوء الآفاق، ورهبة المكان المعتق "نوافذ الحي العتيق"، ثم يضيف ثلاث صفات من مشتقات الصمت: (الصدى، الإصغاء، الهمس) وهي صفات لا تقال بالكلمات، وإنما تستقبلها الحواس، فتقبض عليها اللحظة الشعرية متلبسة بالقول، وهو شرط أساس للكتابة، والفهم، أسوة بالفكرة التي يكوِّنها المتلقي، الدالة على مركزية النموذج التأويلي، كما يتصوره، مادام أنها تشكل موضوع محاولة إعادة بنائه الذي لا يضع نفسه مكان صاحب النص فحسب؛ إذ كل [خطاب] يرمي إلى [معنى] ما كان يمكن أن يرمي إليه لو كنت أنا قائله... وقد وضعت نفسي مكان المرسل وتلبَّست شخصيته.( كاترين كيربات – أوريكويني، المضمر) ويستمر تعلق الشاعر بسحر الصمت وعلاقته بالزمن، سواء من خلال تجليات الأماكن العتيقة، التي توحي بالرهبة والسكون، أو من خلال رمزية الليل، رفيق الشعراء، منذ ليل امرئ القيس: يا للنهايةِ!/ لم تجدْ غيرَ احتمالِ النومِ/ في كَفنٍ يضيءُ/ ولم نجدْ في الليلِ/ غيرَ الليلِ نمضغُ صمتهُ/ والشمسُ منتجعٌ بعيد (من قصيدة حزن السؤال)، والحال هذه فإن الصمت يولد من رهبة الليل، وينتسج في أعماق الزمن، مخلفا أثرا ساحرا في وجدان الشاعر والمتلقي، ويفتح المجال لتأمل يبني ثقافة الوجدان، ويصوغ أسئلة الممكن والغائب والمستحيل. الشعر أوفر حظا من الفلسفة، وأسمى مقاما من التاريخ يستمد الشعر ألقه، وسموَّه، من احتوائه لكلية إنسانية نابعة من ذاكرة جماعية، يشارك في صنعها الإنسان، ولذلك كانت الملاحم القديمة والأساطير، وما تزال، موطن الفنان وملاذه. والشعر كما يقول أرسطو أوفر حظا من الفلسفة، وأسمى مقاما من التاريخ؛ لأن الشعر يروي الكلي، والتاريخ يروي الجزئي. كما كان في وسع الشعر أن يتحمل مسؤولية إعادة صياغة الوجود، ولعل الصمت يعد من أهم مفاتيح الدخول إلى عالم يظل في حاجة إلى النبض. ولا شك في أن ذاكرة الشعر تعد من أهم بواطن الشعورالإنساني في قدرته على صوغ عالمه المتجدد، وهو استحقاق بطولي تفردت به الذائقة الشعرية على غرار ما نجد في قول الشاعر العربي الكبير محمود درويش:أُصغي إلى الصمت. هل ثمة صمت؟ لو/ نسينا اسمه، وأَرهفنا السمع إلى ما/ فيه،/ لسمعنا أَصوات الأرواح الهائمة/ في الفضاء، والصرخات التي اهتدت إلى/ الكهوف الأولى. الصمت صوت تبخّر واختبأ/ في الريح، وتكسّر أَصداء محفوظةً في/ جِرارٍ كونيّة. لو أرهفنا السمع لسمعنا/ صوتَ ارتطام التفاحة بحجر في بستان الله،/ وصرخةَ هابيل الخائفةَ من دمه الأول،/ وأَنينَ الشهوة الأصلي بين ذكر وأُنثى/ لا يعرفان ما يفعلان، ولسمعنا تأملاتٍ/ يونس في بطن الحوت،/ والمفاوضاتٍ السرية/ بين الآلهة القدامى. ولو أرهفنا السمع/ إلى ما وراء حجاب الصمت، لاستمعنا إلى/ أحاديث الليل بين الأنبياء وزوجاتهم،/ وإلى إيقاعات الشعر الأولى، وإلى/ شكوى الأباطرة من/ الضجر، والمكان، وإلى/ الموسيقى المصاحبة لطقس الدعارة المقدس،/ وإلى بكاء جلجامش على صاحبه أَنكيدو،!/ إلى عرش القبيلة، وإلى الشتائم المتبادلة/ بين سارة وهاجر لو أَرهفنا السمع / إلى صوت الصَّمت... لصار كلامنا أَقل! ( محمود درويش، ديوان، أثر الفراشة، قصيد، هدير الصمت) بهذا المعنى الملحمي، يضفي الشاعر محمود درويش على الصمت ملامح تجعل منه مصدر التأوهات البشرية منذ الولادة والبدايات الباكرة للإنسان، كما أنه خزان لذاكرة الوجع والأنين، ومرآة لوجوده المغيب في الزمان والمكان، ولذلك يطلب منا أن نصغي إلى الصمت، لعل ثمة أرواحًا هائمة في الفضاء، وصرخات قابعة في صمت الكهوف الأولى، منذ تفاحة آدم، مرورا بقابيل وهابيل، والآلهة القدامى إلى بكاء جلجامش، وشتائم القبيلة بين سارة وهاجر. إلى أن يقول: لو أرهفنا السمع/ إلى صوت الصمت..... لصار كلامنا أقل..! / بخاصة حين يتناسق إيقاع الليل مع إيقاع الصمت:/ ولو أرهفنا السمع/ إلى ما وراء حجاب الصمت، لاستمعنا إلى/ أحاديث الليل بين الأنبياء وزوجاتهم/ حينذاك، يتوق الليل والصمت إلى بعضهما ببعض، ويُحرم الإنسان من حس الوجهة، ومن معالم المعنى، ويجعل ذاته تنكمش على نفسه، فيعيش الاختيار الخطير لفقدان حريته. دافيد لوبروطون، (الصمت، لغة المعنى والوجود) وحين يصير الكلام أقل، تتحول الذاكرة إلى ما يشبه السينما الصامتة، وهو ما نقرأه لدى الشاعر لخضر فلوس في قصيدة " إلى ذات الظلال الكثيفة"/ العراف:/ قال لي: ستحب.../ وتجرحك المرأة/ الصامتة.../ فلبست الحذر/ حين مر العمر../ فجأة في الطريق/ شقت القلب نصفين إيماءة صامته (لخضر فلوس، الى ذات الظلال الكثيفة) فالصمت هنا، هو المتكلم عبر تقنية التذكر بإعادة اللقطة عن طريق استرجاع الحدث، وتمثل الذاكرة في هذه الحالة، بعدًا مجازيا، يختصر سرد نبوءة العراف في "إيماءة صامتة"... ولتأنيث الصمت هنا دلالة أعمق تذكرنا بالمأثور العربي كما في قول عمر بن أبي ربيعة:أشارت بطرف العين خيفة أهلها/ إشارة محزونٍ، ولم تتكلَّم / فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا/ وأهلًا وسهلًا بالحبيب المتيَّم/ وتزداد كثافة الصورة حين ينقلنا الشاعر برؤية يتماثل فيها الإخراج الفني في مشهد سينمائي، يقول فيه: تبادل:/ دائما نلتقي صدفة في الطريق/ نتبادل أشياءنا:/ هي تأخذ اسمي لتلبسه/ وأنا أرتدي غابة من حريق لخضر فلوس، إلى ذات الظلال الكثيفة، الى ذات الظلال الكثيفة). يغيب كل منطوق في هذا المشهد الذي يصور لقاء حدث – عرضا - بين حبيبين من دون اتفاق، وتحضر معه – مصادفة - لغة تبادل الكلام بالصمت، وتقوم هذه اللغة على جسد الأشياء التي تشير إلى علاقة خفية ومبهمة، تنمو في الغياب وتتقدم بالمضمر. شيء ما يحدث، ويحصل بشكل غامض، ومريب، يزج بالشاعر في موقف مبهم، تصنعه علامات إشارية تظهر من خلالها الذاكرة حكاية لقاء بعد عمر يأتي؛ ليخلف حرائق في الوجدان، ويمضي ليترك اسمه ورسمه؛ لامرأة عبرت بصمت في التماعة حلم، ولمعانا خافتا ارتدى في ظله غابة من حريق. ويستمر الشاعر في استعمال لغة اللقطة السينمائية الصامتة في قوله: التّحية:/ تتساءل في صمتها/ كيف مر ولم يلق حتى السلام/ وهي ما علمت أنني منذ عام/ كنت ألقيت قلبي على بابها/ خلاصة كل الكلام ( لخضر فلوس، إلى ذات الظلال الكثيفة) تظهر الذات الشاعرة بوصفها عالمة بأحوال الشخصية، وتقوم بالحديث الصامت " تتساءل في صمتها" بدلا عنها، وذلك لتعرب عن طريق إسكات المشهد عن رغبة في الاعتراف بأنها مشدودة إليه، هذا الذي كان قد ألقى بقلبه عند بابها - منذ عام - كاتما وجده وعشقه، دون أن يبوح بسرها، مختصرا بذلك كل الكلام الذي يؤدي إلى إفشاء أو إعلان. هذه اللغة التي تصمت، تمنح المسكوت عنه القدرة الفائقة على قلق الذات، ومع ذلك فإن هذه النصية الواصفة في اللغة الصامتة، تطمئن الذات بالتذكير بأن العالم لا يزال موجودًا خارج الذات، انطلاقا من أن الصمت مخيف؛ لأنه يُعدم كل مُداورة، ويضع الإنسان أمام نفسه، ويجعله في مواجهة الآلام المبطَّنة، وحالات الإخفاق والندم (دافيد لوبروطون، الصمت، لغة المعنى والوجود) بخاصة عندما يكون الحدث في حالة سكون، وتزيد الصدف من حالات الاضطراب المفاجئ، وتتعطل الأقدار، فتأتي الصور القائمة على الومضات التصويرية السينمائية لتحل محلها، وتكون عند ذلك المنعطف عكاز الشاعر، عندما تعجز الكلمات عن التعبير، ومثل هذه التقنيات بإمكانها أن تنتج ذائقة جديدة لدى المتلقي، ذائقة تستدعي فك شفرات الصمت.