تشكل كتب الدكتور الفلسطيني إبراهيم موسى النّقديّة؛ موادّ غنيّة وثريّة تتضمّن رؤى نقديّة تجديديّة، تهتم باللغة الماضويّة النّقديّة، وتتفاعل مع التيارات النّقديّة الحداثيّة، وتتناول الأدب بلغةٍ موضوعيّة، وتفسح المجال للمتلقّي للاستمتاع بجماليّات التحليل؛ إذ كانت خفيّةً عليه، ومستبطنةً في ثنايا الإبداع الأدبيّ. ولقد شكّلت دراساته مواءمةً بين رؤيته النّقديّة والمادة الأدبيّة التطبيقيّة _قيد التحليل_. الفلسطينيّ د. إبراهيم نمر موسى عميد كلية الآداب في جامعة بيرزيت، وأستاذ الأدب والنقد الحديث فيها، درّس أكثر من عشرين مساقًا في جامعته، حصل على جائزة دولة فلسطين للدراسات الاجتماعيّة والعلوم الإنسانيّة المقدّمة من وزارة الثقافة الفلسطينية عام 2015، وتعتبر الجائزة من أعلى الجوائز الأدبيّة في فلسطين، فقد تمّ تسليمها في قصر الثقافة في مدينة " رام الله " بحضور الرئيس محمود عباس. وذلك عن كتابه "تجلّيّات الوطن واستبطان الذات في شعر كمال ناصر"، وتأتي أهمية الكتاب من خلال الكشف عن أبعاد التجربة الشعريّة في ديوان الشاعر كمال ناصر من جانبين: يتمثل الأوّل في رصد الظواهر الموضوعيّة، وتجليّاتها الوطنيّة، وآثارها النفسيّة؛ ليقف القارئ على مراحل تطور الوعي الفكري في حياة الشاعر، ومزاوجته بين الكلمة والمقاومة، أمّا الجانب الثاني فجانب نقديّ أسلوبيّ، يدرس النصوص الشعريّة من الداخل؛ للكشف عن بنيتها اللغويّة وتراكيبها الفنيّة، ومن ثمَّ إنتاج الدلالة المستمدة من باطنها. درس د. إبراهيم أشكال الموروث الشعبي في الشعر الفلسطينيّ المعاصر في كتابه: "صوت التراث والهويّة" الصادر عن دار الهدى للطباعة والنشر في كفر قرع عام 2001، وتنبع أهميّة هذا الكتاب في محاولة دراسة الشعر الفلسطينيّ دراسة علميّة وموضوعيّة، تستند إلى إنجازات المناهج النقديّة الحديثة، ومدى ارتباطها بواقع الإنسان الفلسطينيّ، وقدرتها على تبيان همومه وقضاياه الوطنيّة والقوميّة والإنسانيّة، قسّم د. إبراهيم الكتاب إلى مقدّمةٍ قصيرةٍ بيّن فيها علاقة الشعر بالأدب الشعبيّ، وأربعة فصول، ففي الأول ناقش "الحكاية الشعبيّة"، وفي الثاني "الأغنية الشعبيّة"، وفي الثالث "العادات والتقاليد"، وفي الرابع "المثل الشعبي"، وحلّل من خلال هذه الفصول إشارات شعبيّة، مثل " ألف ليلة وليلة "، والحكاية الشعبيّة، والخرافيّة، والسير، وأغاني الأفراح والوطن والحرب، وعادات الضيافة والمجاملات، والبيت، والتعاويذ والعرّافة، ...، وقد تضافرت فصول الكتاب مع بعضها البعض للتعبير عمّا توارثته الأجيال جيلًا بعد جيل؛ ممّا جعل القصيدة جزءًا من كيان الأمّة، وهويّتها القوميّة، ووجودها الحضاريّ، كما جعلها ذات حضور في الذاكرة الجماعيّة ، باعتبارها انعكاسًا اجتماعيًّا وجماليًّا، عمل على توثيق الصلة بين الأدب الشعبي والقصيدة الشعريّة الفصيحة، فأصبح لها طاقة تأثيريّة قويّة، وحضور فاعل ضدّ محاولات الطمس والتذويب والسرقة التي يمارسها الاحتلال الصهيونيّ ؛ لينفيَ عن الشعب الفلسطيني ّ مقوّماته الحضاريّة والإنسانيّة، وأحقيّته في فلسطين التاريخيّة. صدر لموسى كتاب نقدي بعنوان: "مشهديّة القدس في الشعر الفلسطيني المعاصر"، عن مكتبة كلّ شيء_ حيفا، عام 2018، ويتكون الكتاب من ثلاثة فصول"القدس بين نقوش الهوية واشتعال المقاومة في شعر محمود درويش"، "عرفانية القدس في شعر علي الخليلي"، "التشكيل الروحي للقدس في الشعر الفلسطيني المعاصر".، ولقد أتبع الفصول بملحق إحصائيّ مفصّل لإشارات القدس في دواوين الشعراء الفلسطينيين المعاصرين، بحيث تجلّت صور القدس وأبعادها الدينيّة والصوفيّة، والتاريخيّة والهويّة، والذاكرة الجمعيّة، والأم والحبّ، والمقاومة، ووحشيّة الاحتلال ومحاولته تشريد شعبٍ بأكمله من أرضه قسراً، أو نفيه خارج حدود الزمان والمكان. «شعريّة المقدّس في الشعر الفلسطينيّ المعاصر" الصادر عن دار اليازوري العلميّة للنشر والتوزيع عام 2018 هو كتاب آخر يضاف إلى إبداع د. إبراهيم في النقد، ولقد بيّن فيها علاقة الشعر بالدين، كما درس تجلّيّات "الأساطير اليونانيّة واستحضار الطقوس القديمة"في الشعر الفلسطينيّ ، وقد جسّدت هذه الأساطير حرارة التجربة الإنسانيّة، وصوّرت البطولة، ولوعة الألم، والتّوق للعدالة والحريّة والكرامة الإنسانيّة.، شكّلت"الأساطير الشرقيّة وتجليّات الوعي" مفاصل مهمّة في الشعر الفلسطيني .. لقد أضاء البحث جانبًا مهمًّا من جوانب تجربة توفيق زيّاد الشعريّة في أبعادها الإنسانيّة، وتحوّلاتها الدلاليّة. ومن أهم النتائج التي توصّل إليها د. إبراهيم في بحثه، أنّ الموروث الشعبيّ لم يعد كيانًا ساكنًا ثابت الدلالة، بل أصبح شيفرةً حرّةً تتّسم بحركيّة متجدّدة، للتعبير عن الواقع المعاش، فقد تحوّلت الأغاني الشعبيّة من أغانٍ دالة على الحبّ والأفراح، إلى أغانٍ دالة على أمجاد العروبة ورفضها للضيم، واستحضار المكان والتّشبّث به، كما خاطب د. إبراهيم النّص الأدبيّ من خلال مناهج نقديّة مختلفة، إذ قدّم كتبًا قيّمةً تتّسم بموادّ نقديّة ممتعةً، وبالتحليل الواضح، وتشير إلى أدواتٍ نقديّةٍ رصينة؛ لذلك هو يكتب بدرجة أعلى من الوعي والصَّرامة...