طالبت 570 منظمة غير حكومية عالمية تمثل 105 دولة، السلطات الفرنسية باستخراج النفايات النووية الناجمة عن التفجيرات ال 57 التي أجرتها في الصحراء الجزائرية منذ 61 عاما . و أطلقت المنظمات ال 570 نداء باسم «الحملة الدولية لحظر الأسلحة النووية» (ايكان) الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 2017 ، طالبت فيه المجتمع الدولي بممارسة ضغوط على فرنسا لاستخراج نفاياتها النووية من الجزائر ، لافتة، إلى أن آثارها لا تزال قائمة وتهدد السكان، حسبما أكدته جمعية 13 فبراير 1960 برقان . و أصدرت المنظمة تقريرا مفصلا بعنوان «تحت الرمال.. نشاطا إشعاعي، نفايات التجارب النووية الفرنسية في الجزائر» اعتبرت فيه ان الماضي النووي لفرنسا لا ينبغي ان يبقى مدفونا تحت الرمال، فقد حان الوقت للكشف عن النفايات الناتجة عن التجارب النووية التي اجرتها فرنسا بين عامي 1960 و 1966 في الصحراء، لضمان الأمن والسلامة الصحية للأجيال الحالية والمستقبلية . و أشارت الى أن الكشف عن هذه النفايات واستخراجها من الجزائر سيسمح بالحفاظ على البيئة ويفتح عهدا جديدا من العلاقات بين الجزائر و فرنسا. وأضاف أن الدراسة ترسم أول جرد لما تم إبقاؤه عمدا من نفايات غير مشعة ومواد ملوثة بالنشاط الاشعاعي جراء التفجيرات النووية ودفنها تحت الرمال، من مفك براغي بسيط ملوث بالنشاط الاشعاعي الى حطام الطائرات والدبابات. قامت فرنسا ب 57 تجربة نووية في الجنوب الجزائري خلال الفترة من 1960 إلى 1966، أي حتى بعد الاستقلال فاق عدد ضحاياها 42 الف جزائري وفق وزارة المجاهدين و منظمات حقوقية فرنسية، فيما تقدرها دراسات فرنسية بنحو 210 . وأشارت الدراسة إلى انه من بين تلك التجارب 04 تفجيرات نووية بمنطقة حموديا برقان، و05 تجارب بالبلوتونيوم في المنطقة ، و 13 تفجيرا تحت الأرض بمنطقة «انايكر»بتمنراست و 35 تجربة نووية في المنطقة نفسها . و أكد خبراء ومؤرخون جزائريون وفرنسيون، بأن التجارب النووية التي نفذتها باريس في الجنوب الجزائري تعد من بين أسوأ الجرائم التي ارتكبتها بالجزائر، وفق سياسة الإبادة الجماعية التي انتهجها الاستعمار الفرنسي خلال فترة احتلاله التي دامت 132 عاما . وجرت أول تجربة نووية فرنسية بالجنوب الجزائري في 13 فبراير 1960 بمنطقة «حموديا» على بعد 65 كلم من مدينة رقان . والتي سميت ب «اليربوع الأزرق» تيمنا بلون العلم الكيان العبري ولونٍ من العلم الفرنسي، حيث كان اول تعاون عسكري بين فرنسا والكيان الصهيوني على الأراضي الجزائرية . وفيما يلي تفاصيل الجريمة النووية البشعة. ليلة تفجير حموديا لاحظ سكان منطقة رقان أن ثمة تحركات غير عادية للقوات الفرنسية التي اتخذت إجراءات صارمة ومراقبة السكان، استخدمت فيها الطائرات، وازداد تحرك وتنقلات الآليات العسكرية، وتم إحصاء السكان وتسجيل وتصوير كل مكونات البيئة والمحيط، من بشر وحيوانات ونباتات وخيام بسرية تامة لم يخطر للسكان أنهم سيصبحون أهداف لتجربة نووية ، وأنهم فئران تجارب للمخبر الفرنسي . وزرع الفرنسيون القائمون على التجربة كميات من البذور النباتية موضوعة بصناديق، وطلبوا من السكان توزيعها ووضعها على مسافات معينة متباعدة عن مركز نقطة التفجير المقررة، تبعد الواحدة عن الأخرى بمسافة نصف كيلومتر، ثم طلبوا من السكان جمعها بعد التجربة، رغم علم الفرنسيين بأبعاد الأخطار المدمرة لحياة هؤلاء من اقترابهم من المناطق الملوثة بالإشعاع، والذي لا يزال أثره حتى اليوم على مسافات معتبرة من نقطة التفجير . لقد أوهم الفرنسيون السكان بتعليق أفلام التحسس الإشعاعي على صدورهم، وإخبارهم أنها «حروز» تقيهم من شر الإشعاع. تلك الحروز الأفلام التي تم وكان الإشعاع حسب المناطق وبعدها عن موقع التفجير. ونقل الفرنسيون عددا من الاسرى والمجاهدين والسجناء، وعدد من اللفيف الأجنبي ووزعوهم بشكل مدروس ومقصود على مسافات معينة من مركز التفجير . و يقدر العديد من الشهود أن عدد أولئك الضحايا يتجاوز 150 شخصا، كانوا كلهم متساوين أمام الموت بالإشعاع ، الإنسان ورافعي شعارات الأخوة والعدالة والمساواة . في ليلة 12 فبراير 1960 طلب القائمون على الجريمة من السكان الانتظار في المواقع التي حددت لهم سلفا، وأوصوهم بعدم فتح عيونهم و التغطي بالبطانيات والبقاء في العراء حتى السابعة صباحا. يقول أحد الناجين من المجزرة «أجبرنا الجيش الفرنسي على الخروج من بيوتنا قبل الحادث وذلك بعد غروب الشمس، أرغمونا على التمدد على الأرض ، وجوهنا نحو التراب رجالا و أطفالا ونساء ، وركزوا على توصيتنا بغلق عيوننا ووضع أيدينا على آذاننا عند رؤية الطائرة وسماع صوت الانفجار ورؤية وهج الضوء . وحدث الهول و انقلبت الدنيا بما فيها، عصف واهتزاز و تطاير التربة وصوت دوي الانفجار ونسي الضحايا كل التوصيات تحت هول الضوء الساطع والقصف الذري الذي وصل لحظتها إلى 80 كلم/ساعة، صاحبته ريح صرصر عاتية وعاصفة وهول اهتزت له الصحراء ، وصلت آثارها المناخية بسقوط أمطار سوداء فوق البرتغال وشرق آسيا، وارتفعت سحابة الفطر النووي في السماء، ولكنها سرعان ما جلبتها الرياح نحو المناطق الآهلة بالسكان . كما خلف الانفجار هوة سخيقة تعدى مدارها مئات الأمتار، وظل أثرها سنوات عديدة . وبقي الموقع ولازال مهجورا تغطيه طبقة من الغبار الذري تغوص به الأرجل حتى الركبتين . النتائج الأولية لهذا التفجير كانت مفزعة، 35 حاملا أجهضن وعدد كبير من سكان القصور أصابهم العمى الذي طال منهم من كان على بعد أكثر من 30 كلم، و أصيب البعض بأمراض عقلية . نقل الكثير من الأهالي الى المستشفى العسكري الفرنسي بالقاعدة لمعاينتهم فقط دون إعطاء علاج . محمد بن هاشمي شاهد عيان على التفجيرات المسمومة رقاني محمد بن هاشمي من مواليد 1937 كان وقتها يشتغل ممرضا بالقطاع الصحي الفرنسي رفقة «بيشوتوغي» كان آنذاك الموظف الجزائري الوحيد الذي كان ضمن القطاع الصحي الفرنسي بالمنطقة ، أكد أن فرنسا تعمدت استعمال سكان القصور كفئران تجارب، خصوصا بعد احصاء السكان لمدة 04 أشهر قبل التفجير دون استثناء أحد، قبل أن تخرجهم للعراء يوم التفجير ، غطاؤهم كان السماء، تاركين بيوتهم خالية مفتوحة النوافذ والأبواب وهم وسط الصحراء . كما روى محمد الرقاني، أن الأرض التي وقع بها الانفجار ، جدبت ولم تنبت ولا عشبة واحدة فيها منذ ذلك الوقت و أن الحيوانات ماتت جميعها، كما أن الناس هناك ممن بقي حيا، لاحظوا غرائب في ولاداتهم الجديدة حصدت أرواحا عديدة، منها أمراض تقرح الجلد وسرطانته، إضافة إلى تسجيل العديد من حالات السرطان، ولم يعرف السكان تفسيرا لهذه الأمراض والظواهر الصحية الغريبة، ولم يعرف اولئك السكان البسطاء أن الأمر برمته نتيجة مباشرة للانفجار الذي اختارت فرنسا ان تكون على أرضهم و أن يكونوا هم كباش الفداء. تكاليف القنبلة الذرية الفرنسية بلغت مليار و 260 مليون فرنك فرنسي وتذكر كتب التاريخ ومن بينهم الجنرال «لافو» الذي تحدث عن سبب اختيار منطقة رقان لإجراء تجربة القنبلة النووية في جوان 1957 ، وإبرازه في حديثه أن الأشغال بدأت بشأنها سنة 1958 ، وفي أقل من ثلاث سنوات وجدت مدينة حقيقية برقان يقطنها 6500 فرنسي و 3500 جزائري من سكان المنطقة ، كلهم كانوا يشتغلون ليل نهار لإنجاح إجراء التجربة النووية في آجالها المحددة لها، ليضيف الجنرال «لافو» ،أن تكاليف القنبلة الذرية الفرنسية بلغت مليار و 260 مليون فرنك فرنسي، تحصلت عليها فرنسا من الأموال الإسرائيلية بعد الاتفاقية المبرمة بين فرنسا والكيان الصهيوني في المجال النووي . ففي صبيحة يوم 13 فبراير 1960 على الساعة السابعة واربع دقائق و 38 ثانية وقع انفجار ضخم و مريع. هذا التفجير الذي سجل بالصوت و الصورة بعد الكلمة التي ألقاها «ديغول» في نقطة التفجير بحموديا قبل التفجير بساعة واحدة فقط، تم نقل الشريط مباشرة من رڤان إلى باريس ليعرض في النشرة الاخبارية المتلفزة على الساعة الثامنة من نفس اليوم بعد عرضه على الرقابة . مازال التعتيم لوصف تفصيلات الأخطار التي لحقت بالسكان و البيئة أسير الأرشيف الفرنسي، وما نشر هو عدد من المقابلات مع السكان الذين بقوا على قيد الحياة وعدد من المقالات الصحفية التي لا تتعدى مذكرات الشهود الذين تكلموا عن الفاجعة، منهم من أصابهم العمى، لا يمكن استبعاد تأثير الاشعاع في أحداثها، منها امراض تقرح الجلد وسرطانه اضافة الى تسجيل العديد من حالات السرطان، حيث تسجل سجلات المراكز الصحية في منطقة رقان اعلى نسبة لأمراض السرطان مقارنة مع المستوى الوطني . ويذكر في هذا السياق شاب في عقده الثالث المدعو «محمد» بأن التفجيرات النووية الفرنسية حولت حياتهم في المنطقة الى جحيم،وعلى الرغم من مرور 61 عاما على هذه التفجيرات، لكن اثارها متواصلة على الاجيال الصاعدة . وكشف نفس المتحدث عن تزايد عدد الامراض في العقدين الأخيرين و اشار الى ان سكان رقان بعد الاستقلال كانوا يتنقلون الى اماكن التفجيرات لنقل الحديد وصفائح الزنك لاستعمالها في تغطية أسقف المنازل، ولم يكن السكان على دراية بخطر هذه المواد التي كانت تحمل الاشعاعات النووية. ويضيف ذات المتحدث،بان قصر «تعرابت» برقان يعد من اكثر المناطق تضررا بهذه التفجيرات، مشيرا الى أن هذا القصر الذي يضم مئات العائلات قد تم به إحصاء 40 إعاقة بالصم والبكم، الى جانب عدة اصابات اخرى بالسرطان والتشوهات الخلقية وضعف البصر. ويضيف محمد، بأن بعض السكان الذين يجهلون تأثيرات هذه الاشعاعات الموجودة في مادة الحديد لا يزالون يستعملونها في اسقف المنازل الى يومنا هذا . وتجاوزت آثار التلوث الاشعاعي السكان المحليين، لتشمل بعض الجنود الفرنسيين الذين كانوا بعين المكان، حيث كان الرئيس الشرفي لجمعية قدماء الجنود المشاركين في التجارب النووية في صحراء الجزائر، ميشال فارجي قد أكد أن «ما لا يقل عن 5 آلاف شخص بمن فيهم المدنيين والعسكريين وسكان رقان ذهبوا ضحية هذه التجارب . و أشار الجندي الفرنسي الذي كان قد شارك في التجربة النووية «اليربوع الأزرق إلى أن السلطات الفرنسية تعمدت آنذاك اخفاء الحقيقة ولازالت تقوم بذلك « مؤكدا حيازته لوثيقة تعود للبحرية الفرنسية مؤرخة في 1965 تشير الى أنه بعد مرور 90 ثانية من التفجير يزول تأثير الاشعاعات . وكانت فرنسا الاستعمارية تهدف من خلال هذه الوثيقة الرسمية تغليط العالم لأنها كانت تخشى أن يرفض الجنود والمدنيون الالتحاق بالقاعدة النووية،مثلما اكد . ومن بين الجنود الفرنسيين القدامى الذين قدموا شهاداتهم امام العالم اجمع حول استخدامهم كفئران مخبر خلال التجارب النووية الفرنسية برڤان، «غاست ونموريزو» و«لوسيان بارفي» الذي تسببت الاشعاعات في احداث تشوه كبير على مستوى وجهه، حيث حل ثقب كبير محل عينه اليسرى . أن شهادات الشهود الأحياء ممن عايشوا فصول الجريمة النووية الفرنسية في رقان وما بعدها، يؤكدون ان السلطات الفرنسية قد حفرت العديد من الانفاق وجلبت الجرافات وأدوات الحفر دفنت فيها الكثير من المواد الملوثة و المستخدمة في التجارب داخل الأرض ولا يستبعد أن تدفن السلطات الاستعمارية بقايا النفايات النووية والضارة في مدافن الصحراء خلال تلك الفترة، مما سيترك العديد من علامات الاستفهام عن المستوى الحقيقي للتلوث الناتج عن أربع قنابل ذرية و نفاياتها الاخرى . في هذا الصدد، نشير الى انه تم في شهر اكتوبر الماضي، العثور على عتاد حربي من مخلفات الاستعمار الفرنسي برقان، ويعتقد ان العتاد الحربي قد يكون من مخلفات التفجيرات النووية التي شهدتها رقان في عهد الاستعمار . ويرجح انه تم التخلص منها بردمها نظرا لخطورتها، باعتبار أن المنطقة استعملت كمدافن للمواد المشعة و النفايات النووية . أن الواجب الوطني والقومي والإنساني يطالبنا جميعا بالكشف عن ابعاد الجريمة النووية الفرنسية فوق الأرض الجزائرية ويلح علينا نشر الدراسات المتوفرة حول ذلك و أبعاد خطورة التلوث الذي شمل مسافات واسعة من الصحراء الجزائرية في مناطق رقان، تمنراست وبني ونيف بولاية بشار. وبمناسبة هذه الذكرى الاليمة سطرت السلطات المحلية بدائرة رقان برنامجا ثريا، بالتنسيق مع عدة مشاركين على غرار جمعية 13 فبراير 1960 وجمعية الغيث القادم، بحيث تم تنظيم عدة لقاءات تحسيسية حول مرض السرطان ومعرضا خاصا بوقائع التفجيرات وكذا عرض فيلم وثائقي بالمناسبة.