آثار التفجيرات سيبقى مفعولها يمتد لمدة 24000 سنة استيقظ سكان منطقة "رقان" الواقعة على بعد 140 كيلومتر جنوب عاصمة الولاية أدرار صبيحة يوم 13 فبراير 1960 على الساعة السابعة وأربع دقائق و 38 ثانية على وقع انفجار ضخم ومريع، حيث جعل من سكان الجزائر حقلا للتجارب النووية، وتحويل أكثر من 42 ألف مواطن من منطقة رقان ومجاهدين، حكم عليهم بالإعدام على شكل فئران تجارب للخبراء الصهاينة وجنرالات فرنسا على رأسهم الجنرال ديغول. حيث تذكر كتب التاريخ ومن بينهم الجنرال "لافو"، الذي تحدث عن سبب اختيار منطقة "رقان" لإجراء تجربة القنبلة الذرية في جوان 1957، وإبرازه في حديثه أن الأشغال بدأت بشأنها سنة 1958، وفي أقل من ثلاث سنوات وجدت مدينة حقيقية برقان يقطنها 6500 فرنسي و3500 جزائري من سكان المنطقة، كلهم كانوا يشتغلون ليل نهار لإنجاح إجراء التجربة النووية في آجالها المحددة لها. ليضيف الجنرال "لافو"، أن تكاليف أول قنبلة ذرية فرنسية بلغت مليار و260 مليون فرنك فرنسي، تحصلت عليها فرنسا من الأموال الإسرائيلية بعد الاتفاقية المبرمة بين فرنسا والكيان الصهيوني في المجال النووي. ففي صبيحة هذا اليوم المشهود، تمت عملية التفجير تحت اسم "اليربوع الأزرق" تيمنا بلون علم الكيان العبري وأول لون من العلم الفرنسي. هذا التفجير الذي سجل بالصوت بعد الكلمة التي ألقاها ديغول في نقطة التفجير ب"حموديا" على بعد 60 كيلومتر من مدينة رقان، قبل التفجير بساعة واحدة فقط، تم نقل الشريط مباشرة من رقان إلى باريس ليعرض في النشرة الإخبارية المتلفزة على الساعة الثامنة من نفس اليوم، بعد عرضه على الرقابة. نجحت فرنسا ومعها الكيان الصهيوني في تجاربهما النووية المشتركة وهما يدركان حق الإدراك أن سكان هذه المنطقة سيعانون لفترة تزيد عن 24000 سنة حسب ما أكده الدكتور أوسيدهم مصطفى ورئيس جمعية 13 فبراير 1960 من وقع الإشعاعات النووية التي لا تبقي ولا تذر ولا تفرق بين نبات وحيوان وإنسان أو حجر. ارتكبت فرنسا جريمتها الشنعاء مع سبق الإصرار، ذلك أنها كانت تسعى للالتحاق بالنادي النووي آنذاك، بغية إظهار عظمتها للعالم مع مد الكيان الصهيوني بالتسلح النووي سرا بأي ثمن . كانت أول قنبلة نووية سطحية وصلت طاقتها التفجيرية إلى حدود 70 كيلوطنا في مأساة أطلق عليها مختصون "اليربوع الأزرق"، التي بلغت ثلاثة أضعاف تفجير قنبلة هيروشيما باليابان سنة 1945، في مشهد شدد الخبراء على أنه نووي بكل المقاييس، تلتها قنبلة "اليربوع الأبيض" بتاريخ 1 أبريل 1960 بقوة 5 كيلوطن ثم في 27 ديسمبر 1960 فجرت فرنسا قنبلة أخرى بقوة 5 كيلوطن وسمتها "اليربوع الأحمر"، حسب ترتيب الألوان الثلاثة للعلم الفرنسي، لتختتم التفجيرات الاستعمارية النووية بمنطقة "حموديا" بالقنبلة الرابعة والأخيرة التي سميت ب"اليربوع الأخضر" وهذا في 25 أبريل 1961، حيث فشلت هذه التجربة ما أدى إلى إصابة 195 عسكري بالإشعاعات النووية إثر تفجير ذري في الغلاف الجوي حيث لم تنفجر القنبلة طبقا للتوجيهات المحددة. وقرر الاستعمار الفرنسي التحول بهذا المخطط الإجرامي لسلسلة التفجيرات النووية إلى ولاية تمنراست. 13 تجربة باطنية لقد تم الإعداد طويلا لسلسلة التفجيرات النووية الفرنسية في منطقة الهقار ووقع الاختيار المدروس لها على جبل "ان ايكر"، حيث يقع الجبل على محيط 40 كيلومترا ويمتاز بصلابة صخوره واعتبر موضع جيد لإجراء التجارب الباطنية وقد تم إجراء التجارب خلال الفترة من 1961 إلى 1966 داخل أنفاق أنجزت خصيصا لهذا الغرض، مخترقة الجبل من عدة جهات وتم تصميمها لأغراض التجارب وقدرتها التفجيرية... بلغ عدد التجارب الباطنية 13 حيث كان أول تفجير باطني في 7 نوفمبر 1961، التجربة الثانية أخفقت في 1 ماي 1962 ولم تكن محمية بما فيه الكفاية، فخلف الانفجار سحابة إشعاعية بلغت ارتفاع 2600 متر، لوثت الموقع ومن كان فيه وعدة مناطق أخرى. تفاوتت طاقة تجارب الهقار، لكن الانفجارات وصلت الى مسافات عميقة بعيدة داخل الأرض، وسجلت أجهزة الرصد الزلزالي أثارها بمسافات بعيدة، منها ما وصل إلى منطقة "تاتروك" على بعد 200 كيلومتر عن موقع التفجيرات، إحدى هذه التجارب أجريت يوم 18 مارس 1963 سميت تجربة "مونيك" بجبل "اينكر" بالهقار بلغت طاقتها التفجيرية ما يعادل 127 كيلوطن، لوحظت اهتزازات عبر مسافات تقع بين 3 و613 كيلومتر. علما أن اختيار منطقة الهقار تم وفق شروط بيئية وجيولوجية تمكن الفرنسيين من استخدامها كمنطقة تجارب باطنية، وكمدافن للمواد المشعة والنفايات النووية، ولم تتوفر لحد اليوم أية دراسات وضمانات من قبل السلطات الاستعمارية تؤكد مستويات التلوث خاصة المياه الجوفية، والمواد التي تطايرت بسبب انفجار إحدى القنابل وتسرب مواد الانفجار لمسافات بعيدة خارج الانفاق. وصرح الجنرال "لافو" أن اجمالي التفجيرات بالصحراء الجزائرية بلغ 17 تفجيرا نوويا بمختلف المقاييس ببرنامج إسرائيل بغطاء فرنسي. إن السلطات الفرنسية لم تبد أي ندم أو أسف على جرائم الإبادة في حق الشعب الجزائي، وما ارتكبوه من جرائم التفجيرات النووية على الأراضي الجزائرية، ولم يزل أرشيف هذه الجريمة مغلقا أمام الباحثين والدارسين. وتعتبر تفجيرات رقان النووية أهم الاتفاقيات التاريخية بين فرنسا والصهاينة، من خلال الاتفاق السري الذي وقعه الطرفان مع بعضهما عام 1953، حيث كان الكيان العبري يبحث عن الأرض لإجراء مثل هذه التفجيرات، رغم امتلاكها لحوالي 11 بروفيسورا في الذرة شاركوا في تجارب "أوكلاهوما" الأمريكية و6 دكاترة و400 إطار في نفس الاختصاص. في الوقت ذاته كانت فرنسا تبحث عن الحلقة المفقودة في امتلاك القنبلة النووية بعد أن تخلى عنها حلفاؤها القدماء، أمريكا وبريطانيا، وامتنعتا عن تزويدها بالطرق والمراحل التجريبية الميدانية للتفجير النووي، كما استفادت فرنسا بشكل كبير من رؤوس أموال أغنياء اليهود لضمان القوة النووية للكيان الصهيوني، بغية تأمين بقائهم في منطقة الشرق الأوسط. هكذا ستشهد سنوات الخمسينيات أول مراحل التعاون في التراب الجزائري، بعد الصواريخ المتوسطة المدى التي طورتها فرنسا لإسرائيل وجربتها في منطقة بشار على مجاهدي الثورة التحريرية الجزائرية، والذي اطلق عليه اسم (ياريحو) بالعبرية، ما يعني بلدة أريحا الفلسطينية باللغة العربية، حيث تم انجاز هذا المشروع عام 1957 بسرية وتكتم تامين. ليلة مشؤومة في ليلة 12 فبراير 1960 طلب القائمون على الجريمة من السكان انتظار النتائج الأولية لهذه التفجيرات التي كانت مفزعة، حيث سجل إجهاض 35 إمراة حامل، عدد كبير من سكان القصور فقدوا البصر، أصحاء أصيبوا بأمراض عقلية، نقل الكثير من الأهالي إلى المستشفى العسكري الفرنسي بالقاعدة لمعاينتهم دون استفادهم من العلاج. هي الأحداث التي عرفتها "رقان" يوم 13 فبراير 1960 ساعات بعد تفجير "اليربوع الأزرق" حسب رواية "رقاتي محمد بن هاشم" من مواليد 1937 كان وقتها يشتغل ممرضا بالقطاع الصحي الفرنسي رفقة الطبيب "بيشو دوغي"، الذي كان آنذاك الرقاني الجزائري الوحيد الذي كان يشتغل في القطاع الصحي الفرنسي بالمنطقة، والذي يؤكد اليوم، أن فرنسا تعمدت استعمال سكان القصور كفئران تجارب، خصوصا بعد إحصاء السكان لمدة 4 أشهر قبل التفجير دون استثناء أحد، قبل أن تخرجهم للعراء، غطاؤهم يوم التفجير كان السماء تاركين بيوتهم خالية مفتوحة النوافذ والأبواب وهم وسط الصحراء، يقول "محمد الرقاني"، أن فرنسا كلفتهم بإخبار سكان القصور عن التدابير التي يجب أن يتخذوها، بإغماض أعينهم والانبطاح على الأرض على وجوههم قبل الانفجار، إثر رؤيتهم للطائرة التي ستحلق فوقهم، كما تم تسليم كل فرد منهم قلادة "كشف الإشعاع" تحمل رقما تسلسليا مع تهديد كل من يضيعها بالسجن، ويضيف متحدثا أنه يومها ارتفعت "سحابة الفطر" النووي في السماء، لكنها سرعان ما جلبتها الرياح نحو المناطق الآهلة بالسكان . وتفاديا لأي تداعيات تم نقل عائلات الضباط الفرنسيين من مدينة "رقان" على جناح السرعة لتجنيبهم أي خطر، كما لحقهم بعد ذلك كل القادة العسكريين خوفا على أرواحهم، فيما ترك الناس وسط غيمة من الغبار النووي لا تستطيع من خلاله إبصار شخص آخر على بعد 3 أمتار. وفي اليوم الموالي تم استرجاع كل القلادات وتسجيل كل التغييرات الطارئة على الأفراد الذين أجري عليهم، فيما نقلت الحالات المتضررة إلى القاعدة العسكرية لمتابعة تطوراتها قصد معرفة آثار الإشعاع عن البشر بعيدا عن نقطة الصفر. صرح "غاستون موريزو"، أحد قدماء الجنود الفرنسيين الذي كان حاضرا بموقع تفجير أول قنبلة نووية فرنسية في الصحراء الجزائرية بتاريخ 13 فيفري 1960 قائلا، "لقد استعملنا كفئران مخابر خلال أولى التجارب النووية برقان". وهو ما يؤكد خطورة هذه التجارب النووية على صحة الإنسان والحيوانات.