يكتسي التكوين السياسي للشباب و تعبئته أهمية خاصة ولكي تتم عملية التسييس بكيفية عقلانية و تتمكن من تجاوز الحماس العابر ,فمن الضروري أن تتحقق ضمن إطار تنظيم واسع , ألا و هو الاتحاد الوطني للشباب الجزائري». إنها فقرة من الميثاق الوطني لسنة 1976 ...و من بين تصريحات الوزير الأول الحالي حول هذه الفئة, تأكيده أن: «الشباب مطالب باقتحام الحياة السياسية ضمانا للتداول و لإعداد جيل جديد من السياسيين النزهاء المحبين لوطنهم». من الفقرتين, نستشف أنه من الناحية التاريخية, يمكننا التأكيد دون مواربة بأن ملف الشباب و قضاياه كان دائما ضمن اهتمامات الأنظمة المتعاقبة على الحكم, سواء خلال حقبة الحزب الواحد أو بعد التعددية الحزبية. و كان الشغل الشاغل لهذه الأنظمة هو إيجاد الصيغ المناسبة لكل حقبة لتجنيد الشباب الجزائري و تشجيعه على الانخراط في العمل السياسي و المشاركة بفعالية في الحفاظ على استقرار البلاد , و منحه فرصا لمناقشة مختلف القضايا السياسية بشكل يتيح تواصل الأجيال و تكاتفها لخدمة الصالح العام و المصالح العليا للوطن , و هي الأهداف التي كانت تتطلب تأطير فئة الشباب لضمان مشاركته القوية في السياسات المنتهجة في كل حقبة , لكن بفعالية متباينة , حيث تكفلت المنظمات الجماهيرية بهذا الدور خلال حكم الحزب الواحد , إذ تولى الاتحاد الوطني للشباب الجزائري , مهمة تعبئة الشباب سياسيا و تجنيده لخدمة أهداف النظام الاشتراكي. و كان من المفروض أن ترث أحزاب التعددية السياسية , مهام التكفل بالتأطير السياسي للشبيبة الجزائرية , غير أنها وظفت هذه المهمة بشكل أجج النزعة الإيديولوجية لدى مناضليها على حساب النزعة الوطنية الجامعة , مما نفر الشباب من الانخراط في الأحزاب و من النشاط السياسي عموما , فضلا عن كثرة عدد الأحزاب و تشابه برامجها السياسية. فالشباب الذين استفادوا من ديمقراطية التعليم بكل مستوياته أصبحوا أكثر و عيا من أن تخفى عليهم العلاقة الجدلية بين تطور المجتمع بجميع مكوناته, و بين ما حققه و يحققه الشباب من مكاسب في جميع المجالات و بالتالي فإنهم سيدركون في نهاية المطاف بأن كل الوعود السياسية أيا كانت جاذبيتها ستظل مجرد وعود ما لم يحقق المجتمع ككل تطورا يستوعب مثل هذه الوعود و يجسدها في الميدان. و هي رسالة في محلها كوْنها ترشد الشباب إلى الطريق السليم و الأقصر لبلوغ مبتغاه في الرقي و التحرر من قيود التخلف ، و ذلك بمشاركته من جميع المواقع التي بلغها و هي كثيرة وهامة بمعية بقية الفاعلين الاجتماعيين في إرساء دعائم مجتمع التقدم و الرقي و إحداث القطيعة مع أساليب التسيير التقليدية و الذهنيات البالية و تطوير أخرى بديلة تستوعب مستجدات العصر دون المساس بالتماسك الاجتماعي . إنها طريق صعبة و شاقة , لكن نتائجها مضمونة إذ ستسمح لمجتمعنا أن يتبوأ موقعا مشرفا في مجال «الحداثة و العصرنة», و هو موقع ستصبح فيه مكانة الشباب المتميزة ؛تحصيل حاصل. مكاسب تحققت في زمن قياسي و دون التقليل من شأن نضال الشباب الذي اتخذ عدة أشكال و استعمل مختلف الوسائل للتعبير عن طموحاته في مختلف المراحل التاريخية للبلاد , إلا أن هذا النضال ما كان ليؤتي ثماره لو لم يعرف المجتمع الجزائري التطور الكافي لاستيعاب و تقبل كل المكاسب التي حققها الشباب في فترة زمنية قصيرة من سنة 2019 بفضل الحراك الشعبي و ما تمخض عنه من إصلاحات و قرارات تعيد للشاب الجزائري اعتباره . و لأن الأحزاب غالبا ما ترفع شعار التشبيب في اختيار مرشحيها للاستحقاقات الانتخابية , لكنها سرعان ما تغض عنه الطرف, لدى إعدادها قوائم المرشحين ,بوضع الشباب في مراتب لا تمنحهم أدنى حظ في الفوز بمنصب انتخابي , مما يُشْعِر الشباب ,أن الأحزاب تستعملهم كورقة للترويج لقوائمها الانتخابية, التي يتصدرها الشيوخ عادة , فيصرفون اهتمامهم عن السياسة و عما يمت لها بصلة كالانتخابات محلية كانت أو وطنية ؛ فإن التعديلات الدستورية و تعديل قانون الانتخابات تحاول إصلاح هذا الخلل و لو بتخصيص نسبة من المناصب الانتخابية لفئة الشباب على منوال النساء , لإفساح المجال للشبيبة لولوج عالم السياسة كمنتخبين, مما قد يشجعهم على التصويت على غيرهم. و قد تكرس هذا الاهتمام بفئة الشباب في التعديل الدستوري بدءا بالديباجة التي نصت فقرتها الثانية عشرة على أنه:«اعترافا بالطاقة الهائلة التي يشكلها الشباب الجزائري و بتطلعاته و إصراره على رفع التحديات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للبلاد , أصبح من الضروري إشراكه الفعلي في عملية البناء و المحافظة على مصالح الأجيال القادمة بضمان تكوين نوعي تتولاه مؤسسات الدولة و المجتمع», كما نصت الفقرة الثانية من المادة 73 من الدستور المعدل على:« تشجيع الدولة للشباب على المشاركة في الحياة السياسية «, بينما نصت المادتان 214 و215 من ذات الوثيقة الأساسية على إنشاء مهام المجلس الأعلى للشباب. أما قانون الانتخابات المعدل فجعل من بين أهدافه الواردة في المادة الأولى منه , المادة الرابعة , «ضمان مشاركة المواطنين و المجتمع المدني و لاسيما الشباب و المرأة في الحياة السياسية و ضمان اختيار حر بعيد عن كل تأثير مادي». هذا إلى جانب مواد أخرى مبثوثة في هذا القانون العضوي , و التي تفرض على الأحزاب أن يكون ثلث مرشحيها للانتخابات من فئة الشباب , و كذا تكفل الدولة بجزء من نفقات الحملة الانتخابية للقوائم الحرة الخاصة بالشباب. هل تكفي هذه الإجراءات لتحفيز الشباب على ولوج عالم السياسة ؟ إنه تساؤل كررناه بعد كل إصلاح دستوري أو قانوني , و حتى لا نستمر في تكراره لا بد لنا أن نضع في الحسبان بأن أي إصلاح من هذا النوع يصاغ بعيدا عما يطمح إليه معظم الشباب خاصة و الهيئة الناخبة عامة ؛ و لا يراعي سوى الجوانب التقنية و الإدارية و اللوجستية و المالية و القانونية و ما شابهها من شكليات , إن مثل هذا الإصلاح لا يمكنه جلب اهتمام الشباب و دفعه إلى ولوج عالم السياسة ، ما دام لا يأخذ بعين الاعتبار رأيهم و اقتراحاتهم ,و هو ما قد يفسر حرص السلطات العمومية الحالية على إشراك فئة الشباب في وضع أسس النظام السياسي للجمهورية الجديدة, عبر قنوات متعددة تدعم الجانب التشريعي.