لم يحدث أن عرف العمل السياسي بالجزائر تفسخا وانحطاطا في مستوى الأداء، كما جرى في فترة ما بعد الانتخابات التشريعية 10 ماي 2012. فالأحزاب، التي تعتبر واجهة ممارسة السياسة، هزتها الانشقاقات والصراعات الداخلية رغم حداثة سنَها وانقسمت إلى كيانات صغيرة لا يوجد فيها إلا رئيس الحزب أحيانا. وغاب التدافع والتنازع داخل الأحزاب حول الأفكار والبرامج والتوجهات الإيديولوجية، وحلَ محلها اللهث وراء المكسب المادي والرغبة في التسلق، على حساب الأخلاق، ما يجعل الجزائر بعيدة جدا عن مؤشرات الديمقراطية التي حملها دستور 23 فبراير 1989. خارطة الإصلاحات لم تتحمل جرعة الأحزاب الجديدة فأصيبت بإسهال السلطة ميّعت الحياة السياسية لقطع الطريق أمام معارضة قوية أصيبت البنية السياسية في الجزائر ب''إسهال'' شديد، إثر عملية ''تسمين'' غير ''علمية'' للمشهد السياسي، بأحزاب جديدة وجدت نفسها تسبح في مستنقعات من مخلفات غلق دام سنوات، ومقذوف بها إلى واقع جديد شكله ''إصلاح'' وباطنه ''تمييع''. من يستجمع محصلة الواقع السياسي بعد الانتخابات التشريعية، ترتسم في ذهنه خارطة لأحزاب جديدة، أحيلت قياداتها على ''راحة صيف'' بعد جهد جهيد بذلته في ماراطون برلمان 2012، فتحصلت على ''الفتاة'' متأثرة ب''خديعة ال50 بالمائة'' التي نسفت الأفالان إلى سماء، بينما ضرب لها موعد إلى انتخابات 2017 لعلها تصبح صالحة للمرحلة تلك، طالما أن ميلادها، الحالي، لم يرتبط أبدا برغبة في انفتاح حقيقي يتيح البديل الأنفع لمرحلة ''ربيع عربي'' أرادته السلطة ''استثناء جزائريا''. ''نفخت'' السلطة في البنية السياسية، حوالي 21 حزبا، ومنحت قيادتها الاعتماد في زمن قياسي لا يعتقد أن ترسانة التحقيقات الأمنية لنشطائها قد استوعبتهم جلهم. رغم ذلك، لم تواجه مصالح الوزير ولد قابلية أي عثرة في توزيع اعتمادات، سبق عنها كلاما يفيد بأن البلد كان يواجه ضغوط داخلية ''مباشرة'' وخارجية ''غير مباشرة'' تدفع إلى تمكين الحزيبات الجديدة من المشاركة في الانتخابات التشريعية، قصد ضمان مشهد بأرانب يحملون ''شارات'' تغيير، دلت نتائج العاشر ماي أنها شكلت ''بانادول'' لمرحلة حساسة فقط، لم تكن خلالها سوى لاعبا لدور ''المنافس الوهمي''. وبعيدا عن المبتغى الظرفي لتواجد الأحزاب الجديدة، فإن استجابة السلطة بمطلب قديم جديد، يتعلق بالانفتاح السياسي، رافقتها ''إحترازات'' ترجمت ''سلبيا'' في تدخل منتظم لها في رسم معالم خارطة، سياسية، كان يفترض، تلقائيا أنها تتشكل لوحدها بأجنحتها وتياراتها، لكن، ارتسام تلقائي لخارطة سياسية، يقلب الأوضاع رأسا على عقب، كان مسارا مستحيل القبول به، ولمواجهته، تم تمييع الحياة السياسية بضخ 21 حزبا، دفعة واحدة، إلى خارطة سياسية، أصيبت بإسهال سياسي جراء اكتشافها لكائنات ''غير مألوفة لديها''، تمثلت في الأحزاب الجديدة. كما ''تقيأت الساحة'' مزيدا من ''التصحيحيات '' بعدد يقارب عدد الإعتمادات الجديدة، بينما تشير قراءات أن ما يحصل داخل الأحزاب التي فجرتها الإنتخابات التشريعية، يؤشر على سعي لإعادة ترتيب الطبيعة الأولى للمشهد السياسي(ما قبل الربيع العربي) وقطع الطريق أمام بروز أحزاب معارضة جادة وقوية في طبيعة تفكير، يفهم من إشاراته أن إرهاصات أزمة التسعينات مازالت تلقي بظلالها على القرار السياسي، رغم مرور نحو 23 سنة عن التعددية السياسية، ورغم تغير الكثير من المعطيات، وطنيا ودوليا. تشبّه هذه المرحلة، كثيرا، مرحلة ما بعد إقرار التعددية، في مظهرها وفي رهانات السلطة من خلالها كذلك، فلم يتحقق مبتغى ترقية الممارسة السياسية ولا الانفتاح السياسي، من ''الإصلاحات السياسية'' بفعل نشوء طبقة سياسية، نتاج ل ''تفريخ حزبي'' يستنسخ الواقع ويعيد تقديمه كما هو، وليس نتاج ولادة طبيعية لكيان سياسي يحمل الفكرة الصحيحة والبرنامج البديل، الواقع عرّته الحملة الانتخابية للتشريعيات الماضية، لما خلت أمخاخ القيادات الحزبية الجديدة من كل ما يمكنه أن يكون معول استقطاب الناخب لها.. خطابات استهلاك وبرامج استنساخ وكلمات متتابعة لكنها غير متجانسة. الجزائر: محمد شراق
نقاش حول الانشقاق في التشكيلات السياسية شبه أحزاب تؤدي وظائف يحتدم فيها الصراع على المصالح تعود أسباب الانشقاق الذي عرفته أحزاب كثيرة، إلى الافراط في ممارسة الزعامة وإلى عدم احترام القوانين الداخلية لهذه الأحزاب. ولكن للسلطة أيضا ضلع في العواصف التي هبت على التشكيلات السياسية، وأيا كانت الأسباب، فالمناضل وحتى زعيم الحزب يفتقد لثقافة سياسية. هذه المعاينة تمت في إطار نقاش نظمته ''الجزائر نيوز'' بالعاصمة، أداره سفيان جيلالي رئيس ''جيل جديد'' وجمال بن عبد السلام رئيس ''جبهة الجزائرالجديدة''، وزوبير لعروسي مختص في قضايا المجتمع وعبد العزيز جراد، أمين عام وزارة الخارجية سابقا، الذي قال أن مقاييس تصنيف الأحزاب بالجزائر غير متفق حولها، هل بالأقدمية أم بعدد المناضلين أم بمقياس التجذر في الأوساط الشعبية أم بالمقياس الإيديولوجي؟ مشيرا إلى عدم وجود خارطة سياسية واضحة تبيّن مكان كل حزب من الأحزاب ال45 المعتمدة. واعتبر الانشقاق ''عاكسا لأزمة يعرفها النسق السياسي في البلاد''. وذكر زوبير لعروسي أن الانشقاق في الأحزاب ليس صفة جزائرية، وأن أحزابا كثيرة في عدة بلدان عاشت قلاقل وانشقاقات. وقال أن أغلبية الأحزاب بالجزائر عرفت صراعات داخلية، من الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى حركتي النهضة والإصلاح ثم حركة مجتمع السلم بالنسبة للأحزاب الإسلامية، مرورا على حزب الطليعة الاشتراكية. كل حركات التذمر داخل هذه الأحزاب، حسب لعروسي، عبّرت عن الخروج عن مبدأ ''السمع والطاعة''. وعدَد بن عبد السلام، الذي كان احد من انشقوا عن عبد الله جاب الله في حركة الإصلاح، 16 سببا للانشقاق في الأحزاب. بعضها داخلي وآخر خارجي تتحمَله السلطة، حسبه. وقال أن أكثر الأسباب أهمية، الزعامة وتضخم الأنا الفردي. مشيرا إلى أن التنظيمات والأحزاب هزتها نزاعات داخلية خلال الحركة الوطنية، من بينها حزب الشعب الجزائري وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. أما سفيان جيلالي، فقال أن سبب الانشقاق هو عدم احترام القوانين الداخلية للأحزاب الأمر الذي يوَلد، حسبه، خلافات بين القياديين وبين المناضلين، وعدم تحلي الأعضاء بتكوين سياسي. واتفق مع بن عبد السلام في كون السلطة متورطة في كثير من الصراعات الداخلية في الأحزاب. وأضاف بأن أسباب الانشقاقات مهما كان مصدرها تعكس غياب الثقافة السياسية في البلاد عموما. ودعما لهذا الطرح ذكر الباحث في علم الاجتماع ناصر جابي، عند فتح باب مناقشة الموضوع، أن الإحصاءات تفيد بأن 2 بالمائة فقد من الجزائريين منخرطون في أحزاب. وتحدّث عن سبر آراء نتيجته أن الحزب هو آخر مؤسسة يثق بها المواطن إذا ما قورنت ببقية المؤسسات مثل الوزارة والبرلمان. وأضاف جابي: ''نحن أمام شبه أحزاب تؤدي وظائف معينة، الصراع فيها ليس حول البرامج والأفكار وإنما حول مصالح مجموعات صغيرة من الأشخاص''. الجزائر: حميد يس
حوار
الناشط السياسي امحند ارزقي فرَاد ''أزمات الأحزاب من صنع الأحزاب نفسها بمساعدة السلطة''
كيف تفسر ما يحدث داخل الأحزاب من انشقاقات؟ ما يجري فيما يسمى تجاوزا أحزابا، يعود بالأساس لغياب ثقافة سياسية في الجزائر، ثم أن النضال السياسي في الأحزاب أصبح في بلادنا وسيلة للترقية الاجتماعية، ناهيك أن هذه الأحزاب قائمة على طغيان الشخص وليس الأفكار السياسية أو المشروع السياسي، إضافة إلى هذا طبيعة النظام السياسي القائم في بلادنا، انه نظام شمولي جاثم على النفوس، حيث تخضع الأحزاب السياسية للتسيير الإداري لوزارة الداخلية. فالإدارة تملك اليد الطولي في ضبط الحياة الحزبية وتكسير الأحزاب متى شاءت. إذا السلطة لها يد في هذه الانشقاقات أو ما يعرف بالحركات التصحيحية؟ السلطة تسعى لإفراغ العمل السياسي من محتواه وتحويل الأحزاب إلى مجرد أدوات، هي (السلطة) تعمل للقضاء على الممارسة السياسية، فالنظام لا يؤمن بالتعددية واستقلالية الطبقة السياسية. لماذا تتحمل السلطة كل شيء ألا تلاحظ أن هناك عجز داخلي للأحزاب في مجال الديمقراطية والشفافية ؟ السلطة ليست مسؤولة وحدها عن تفسخ الحياة السياسية وانشقاق الأحزاب، يجب ألا ننسى أن قوة النظام من ضعف الأحزاب، هناك أزمات داخلية تعيشها هذه الكيانات السياسية، بعض القيادات تلجأ إلى وصف معارضيها بأنهم أدوات في يد السلطة لكن لا يمكن تعميم ذلك الحكم، لقد انسحبت رفقة زملاء لي (من الأفافاس) ولا أحد منا ذهب للسلطة. هناك خلل في بناء الأحزاب السياسية. كما قلت سابقا هي تقوم حول أشخاص إلا في حالات ناذرة، هناك تمييع وتشويه للعمل السياسي والحزبي، صدمت مؤخرا عند قراءة تصريح لمسؤول حكومي سابق انشق عن حزبه قدّم نفسه على أنه رجل دولة، هذا يوحي بأن مشروعه الوحيد هو الوصول للحكم لا غير. ألا تجد هذه الانشقاقات تفسيرها في صراع الأجيال، فهناك قيادات ترى أن حظوظها في الرقي إلى الزعامة غير متوفر في ظل وجود قيادات من نفس الفئة العمرية أو تحوز على كاريزما معينة؟ يمكن أن يفسّر صراع الأجيال جانبا من الخلافات القائمة داخل الأحزاب، ولكن هذا لا يجعلنا نغفل عن مسؤولية الأحزاب السياسية القائمة والسلطة، لقد تحولت الأحزاب إلى سجل تجاري، إنها لا تشتغل إلا في المواعيد الانتخابية، ثم هناك النظام السياسي الجاثم على صدورنا إنه جامد غير تفاعلي عاجز عن التأقلم مع المتغيرات الداخلية الإقليمية، نحن متخلفون كثيرا مقارنة بجيراننا الأقربون. الجزائر: حاوره ف. جمال
رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الانسان بوجمعة غشير ''الأحزاب أصبحت وسيلة للترقية الاجتماعية''
كيف تفسّر ظاهرة الانشقاق داخل الأحزاب؟ الظاهرة تمس الأحزاب والمنظمات على حد سواء، ويمكن تحديد ثلاثة أسباب لها الأول يتعلق بالممارسة السياسية التي لم تعد مبنية على قناعات وبرامج مجتمع بديلة للسلطة القائمة، بل وسيلة للترقية الاجتماعية وتحقيق المكاسب. لذلك كل منتم لحزب لا يجد ضالته ماديا يخرج منه ليلتحق بحزب آخر. السبب الثاني هو انعدام الديمقراطية داخل الأحزاب، والتداول على القيادة فيها بطيء جدا، لذلك ينفذ صبر المناضلين في بلوغ مناصب القيادة فيتمردوا على الرئيس أو الأمين العام للحزب. أما السبب الثالث فهو أن السلطة بحد ذاتها تساعد بطرق مباشرة وغير مباشرة على الانشقاقات حتى تبقى الجمعيات ضعيفة، وتكون بالتالي في راحة من أمرها. الأحزاب تحمّل دائما السلطة مسؤولية الاضطرابات التي تقع فيها. لماذا برأيك ؟ هناك احزاب صغيرة لا تثير اهتمام السلطة وتعرف هي أيضا انشقاقات وصراعات داخلية. السبب برأيي أن ممارسة السياسة صارت في أعين الكثير من المنتمين لأحزاب أفضل من التجارة. وهذا الأمر يعكس حقيقة هي أن الأحزاب ليست مبنية على برامج تطرح كبديل للسلطة ومشاريعها، وإنما أصبحت وسيلة للتربَح والوصول إلى السلطة وما تحمله المناصب من مكاسب مادية. صحيح أن السلطة مسؤولة بشكل ما فيما حدث للأحزاب من صراعات، ولكنها تأتي ثالثة في ترتيب الأسباب كما شرحت سابقا. فالسلطة لا تهتم بكل الأحزاب ولكن تجد راحتها في الانشقاق عندما يقع. البعض يفسّر الظاهرة على أنها تعكس غياب الثقافة السياسية وأن غالبية القيادات الحزبية والمناضلين يفتقدون للتكوين السياسي، ما رأيك ؟ عندما ينخرط أي شخص في أي حزب وهو لا يحمل رؤية مجتمعية وإيديولوجية تعبَر عن أفكاره ومبادئه في الحياة، يكون همه الوحيد هو الوصول إلى قمة السلطة وبالتالي يستعمل كل أنواع البراغماتية السياسية على حساب القواعد الديمقراطية. كيف يمكن تحقيق الاستقرار في الاحزاب ؟ الاستقرار في العمل السياسي بصفة عامة، يتحقق بوضع ضوابط جادة في قانون الأحزاب تلزم تحديد إيديولوجية الحزب وبرنامجه بوضوح، وتمنع ما عرف بالتجوال السياسي منعا مطلقا خاصة أثناء الترشح للانتخابات سواء البرلمانية أو المحلية. لأن الاستحقاق السياسي هو المثال الحيَ على مشاركة الأحزاب من اجل المكاسب التي يدرَها البرلمان والمجالس المنتخبة المحلية. إضافة إلى ذلك، ينبغي برأيي ترسيخ ثقافة ديمقراطية داخل الأحزاب تتيح التداول على القيادة بصفة دورية، إذ ليس مقبولا أن يبقى الزعيم في القيادة مدة 15 سنة لان ذلك يفرز حزازات تتطور إلى حركة تمرد. الجزائر: حاوره حميد يس