الأستاذ قروش محمد (جامعة أبو بكر بلقايد تلمسان) الأستاذ فتاح كمال (جامعة مصطفى اسطمبولي معسكر) لقد شهدت الساحة السياسية الجزائرية مؤخرا حركية كبيرة و غير مشهودة للمترشحين للتشريعيات المقبلة المقررة في 12 جوان ، بحيث يلاحظ الإقبال الواسع للأحزاب و الأحرار لإيداع ملفات الترشح ، و تم إحصاء 680 ملف ترشح تم سحبه من قبل الأحزاب و 300 ملف سحب من قبل الأحرار . و تشير هذه الأرقام إلى مدى الاستجابة لخطاب السلطة و دعوتها لتوسيع المشاركة السياسية وعلى وجه التحديد فئة الشباب بالأخص دعوة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بتاريخ 11 مارس للهيئة الناخبة للمشاركة في الاستحقاقات المقبلة ، حيث يلاحظ تنافس كبير بين المترشحين ضمن القوائم حزبية و أخرى حرة وهذا يشير إلى مظهر من مظاهر التحول الديمقراطي بالنظر للعدد الكبير للمترشحين وخاصة الأحرار منهم الذين يرتقب منهم إعطاء نفس جديد للحياة السياسية و الديمقراطية في الجزائر من خلال تقديم إطارات وكفاءات شبانية جديدة بإمكانها إضفاء شرعية أكثر على الممارسات السياسة التي فقدت مصداقيتها لعقود من الزمن في الجزائر، خاصة مع فشل النظام السابق في تحقيق مطالب الشعب في كل المجالات و على وجه التحديد فى المجال الاقتصادي و الاجتماعي . ويمكن تفسير دعوة السلطة ممثلة في الرئيس عبد المجيد تبون لتوسيع المشاركة في الانتخابات و فتح المجال أمام الشباب المثقف الذي يحمل رؤى جديدة وأفكار مستحدثة بإمكانها تحقيق نهضة الأمة الجزائرية بمحاولتها استرجاع ثقة الشعب بالسلطة وجذبه نحو الاهتمام أكثر بالسياسة التي أصبحت آخر اهتمامات المواطن الجزائري طيلة فترة طويلة ، بسب خيبة الأمل و عدم الثقة في الأداء السياسي مشاركة الشباب نقل ٌ لمطالب الشعب إلى البرلمان كما أن هذه الدعوة تهدف أيضا إلى تحقيق وفاء السلطة بالتزاماتها ووعودها خاصة التغيير الجذري لمؤسسات الدولة التي كان يغلب عليها الفساد و ضعف الأداء لارتباطها أو بعضها بإفرازات بيروقراطية و التي عانى منها الشعب الجزائري .لذلك فإن الإقبال الكبير للشباب من خلال قوائم حرة و حتى الأحزاب السياسية مؤشر جيد من مؤشرات التحول الديمقراطي الذي قد يؤدي بالنظام السياسي إلى التحول نحو ديمقراطية حقيقية و ممارسة سياسية ذات جودة بهدف بلوغ ما يعرف أكاديميا بالجودة السياسية التي تقلّص مشاكل الشعب و تحقق نهضته . كما تهدف السلطة من وراء تشجيع الشباب على الترشح و تجاوز سياسية الكرسي الشاغر إلى محاولة نقل المطالب الشرعية للحراك إلى أروقة البرلمان و الحياة السياسية وهذا من شأنه أن يضع الجزائر في المسار الصحيح نحو بناء دولة الحق و القانون و إعطاء نفس جديد للممارسة السياسية بالنظر إلى فشل الأحزاب التي كانت في مقدمة العمل السياسي في تحقيق مطالب الأمّة لاسيما ما تعلّق بمطالب التنمية و تحسين الظروف المعيشية و نمط المعيشة . هذا ويلاحظ الأستاذ قروش محمد من جامعة أبي بكر بلقايد أن القانون العضوي للانتخابات جاء بالشكل الذي يسمح ويؤسس إلى الهدف المنشود من الانتخابات من خلال السماح للأحزاب الصغيرة و كذا القوائم الحرة من إفتكاك مقاعد في المجالس الشعبية الوطنية ، الولائية و البلدية ، بحيث أن النظام الانتخابي السابق كان يزيد من سيطرة الأحزاب الكبرى إذ لم يكن للأحزاب الصغرى أي وزن خاصة مع نظام العتبة الذي جعل الأحزاب الصغرى لا تصمد أمام الأحزاب الكبرى. احتمال تراجع نتائج الأحزاب و تشير جميع المؤشرات إلى أن التشريعيات المقبلة بل وحتى المحليات ستشهد دخول وجوه جديدة إلى معترك المنافسة عن طريق القوائم الحرة ، أما الأحزاب الكبرى فستتراجع حصتها مقارنة بالإستحقاقات السابقة وهذا في حد ذاته إنجاز و خطوة نحو الديمقراطية الحقيقية و خطوة هامة نحو الرشادة السياسية . المقابل فإن كثرة المترشحيين من شأنه أن يشتت الأصوات و بالتالي قد يكون هذا سببا في إقصاء عدد لا يستهان به من المترشحين ، الأمر الذي يستوجب على بعض المترشحين و حتى القوائم الحزبية أو الحرة أن يحقق الإجماع بشأن قائمة واحدة من خلال التحالف أو تشكيل قوائم إئتلافية حتى تزيد من حظوظها في الفوز و فعلا هذا ما لوحظ في كثير من القوائم الحرة و التي تحاول تحقيق تحالف أو إئتلاف ضمن قائمة واحدة. إن السياسة فن الممكن و الممكن هنا قد يكون خارج الوجوه المعروفة وربما التجديد يصنع المعجزات و قد تجد في النهر ما لا تجده في البحر . وفي ذات السياق يشير الأستاذ فتاح كمال من جامعة مصطفى اسطمبولي إلى أنّ الأجواء السياسية والتكتيكية التي تسبق الحملة الانتخابية تحسبا للتشريعيات تتسم بالترقب والقلق الشديدين من جانب الأحزاب السياسية والقوائم الحرة نظرا لخصوصية المشهد السياسي الذي يطبع البلاد . ويمكن للأحزاب السياسية أو الأحرار المرفوضة ملفاتهم تقديم الطعون بداية من انقضاء المهلة الإضافية التي قررها الأمر الرئاسي و التي تنتهي في 27 من هذا الشهر ،على أن تجدد الترشيحات حسب المادة 207 في حالة رفض ترشيحات بصدد قائمة معينة في أجل لا يتجاوز 25 يوما السابقة ليوم الاقتراع وهو يوم 18 ماي القادم كآخر أجل لتأكيد القوائم المرشحة لخوض غمار الانتخابات التشريعية القادمة. على هذا الأساس فإنّ الحملة الانتخابية لهذا الاستحقاق ذات نوعية خاصة بين قوائم معتمدة بشكل نهائي وقوائم أخرى أمامها فرصة تقديم طعونها وانتظار قرار السلطة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات بشأن قبول ترشحها من عدمه. تعداد انتخابي معتبر وقد سجل مؤخرا أن 1755 قائمة تابعة لأحزاب سياسية معتمدة و 2898 قائمة حرة أبدت رغبتها في الترشح أي بمجموع 4653 قائمة، علما بأن السلطة كانت قد سلمت 7.655.809 استمارة اكتتاب فردي للتوقيعات لفائدة المترشحين. وحسب المعطيات التي أوردتها السلطة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات فإن التعداد النهائي للهيئة الناخبة عبر 58 ولاية بعد البت في الطعون بلغ 23.587.815 ناخب، فيما بلغ العدد بالنسبة لأعضاء الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج 902.365 ناخب. أما بخصوص إمكانية عقد التحالفات والائتلافات بين الأحزاب السياسية والقوائم الحرة التي تتشابه في الجانب الإيديولوجي (الأفكار التي تخص الواقع) والخطاب السياسي (التسويق اللغوي للبرامج والوعود الانتخابية)، فإنّ الوقت مناسب جداً لتوحيد الجهود تفادياً لرفض الطعون غير المؤسسة قانوناً خاصة بالنسبة للقوائم الحزبية أو الحرة التي لم تستوف شروط القبول من أجل الترشح، وهو ما يفتح المجال واسعاً أمام دراسة العروض من كلا الطرفين من أجل تدارك النقائص وتعزيز فرص الحضور والمشاركة في الموعد الانتخابي المقبل. والجدير بالذكر أن الحملة الانتخابية قد بدأت فعلا بالنسبة للقوائم التي تم اعتمادها بغية كسب تأييد الناخبين في الفترة التي تسبق الانتخابات، فالقانون العضوي للانتخابات لم يشر صراحة إلى آليات ضبط بداية الحملة الانتخابية خاصة في جانبها الإلكتروني أو الرقمي عبر وسائط التواصل الاجتماعي لتفادي المشاكل المتعلقة بالنزاهة وضمان تلقي الناخبين المعلومات بأكثر الطرق المتوازنة قدر الإمكان.