يقول الله تعالى :{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} لقد رأينا ان نختم الدعاء في شهر رمضان الفضيل بهذه الآية المباركة فهي سيدة تربعت على عرش الدعاء حيث أنها من أجمل الآيات في فضل الدّعاء وبيان مقامه الشامخ، وفضله العظيم وبركاته السابغات ،حازت قمة الدعاء والتضرع وممّا يدل على ذلك كونها فتحت باب الرّجاء على مصراعيه في نفوس العباد، فلم تترك منفذا للقنوط من رحمة الله عز وجل، وإن كانت الآيات كلّها جميلة جمالا مطلقا لجمال قائلها ،فإننا لذلك نقول: اللّهم إنّا نسألك ببعض جمالك ، ولأن كلّ جمالك جميل وفوق كل جمال ، نعود فنقول اللّهم إنّا نسألك بجمالك الجمال كلّه. لقد استعمل القرآن الكريم في الآية المباركة هذا الدعاء ليرصع ببهائه كل دعاء . تماما كما الياقوتة توضع فوق التاج لتختم على جماله. وإن ضمير ياء المتكلم الواردة في الآية الكريمة والتي تشير إلى جلال الله سبحانه، لتؤكد على عظمة الدّعاء، وعظمة الداعي، وعظمة المدعو، وعظمة جوده وكرمه واستجابة دعاء عبده، وعظمة الأمل والرجاء بالله سبحانه وحده دون سواه. فقوله تعالى: (إني قريب)مظهر جميل من مظاعر العناية، أي أقرب إلينا من حبل الوريد، بل إنه يحول بيننا وبين قلوبنا، فيكفينا أن ندعوهُ ولو في أنفسنا خفيةً ومن دون وسائط ليقول؛ (فإني قريب) وأما قوله تعالى: (أُجيب) فالفعل المضارع يدل على الاستمرار والدوام بلا إنقطاع، فمتى ما كان، وأين ما كان، وكيف ما كان، ولأي أمر كان دعاؤكم ، فإني قريب ومجيب استجيب لمن دعاني. وهكذا فإن (أجيب) تجسد العطاء الدائم الذي لا ينقطع أبدا،ذلك لأن الدعاء في نفسه وبذاته عبادة، كالصلاة والصوم، بغضّ النّظر عن الإستجابة، بل فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الدّعاء مخّ العبادة) ممّا يدل على أصالته ومكانته السامية كمكانة المخ من الجسد، وإن المخ في الدماغ، هو الذي يدبّر شؤون الجوارح والجوانح في جسد الإنسان بالعقل، فكذلك الدّعاء فله مثل هذا الدّور في حياة الإنسان التعبدية وفي جسد عيشه، كما أنّ من فلسفة الخلقة وسّر الحياة العبادة مع المعرفة كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} فأفضل العبادة الدعاء، وإن لم نر قضاء الحاجة ،ولم ندرك الإستجابة، بل الله يستجيب لما وعد، ووعده حق وصدق، ولن يخلف وعده. وإنما فإن للإستجابة مراتب ومصاديق كما هو مذكور في محلّه ومعروف عند أهله، فما من شييء أفضل عند الله من أن يُسْأَل ما عنده، ومن لم يَسأل ربه كان من ا لمستكبرين عن عبادة ربّ العالمين. قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} وقد ورد في فضل الدعاء آيات وروايات كثيرة كما في قوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} وقوله {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}. وكما في هذه الآية في قوله تعالى: {إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي} فإنه لم يقل إذا سألك الإنسان أو النّاس، ممّا يدل على لطف الله بعباده ورحمته القريبة السابغة على المؤمنين والمحسنين. فبهذا جاء قوله تعالى {وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ} واما قوله تعالى: {دَعْوَةَ الدَّاعِي} فمعناه أنه ليس كل سؤال ودعاء من مصاديق دعوة الداع، بل لابدّ أن يكون في الدعاء يقينا وحقيقة، أي أن يحقق الشروط ويرعى الآداب عند الدعاء، فإنّ الدعاء طلب حقيقي بالقلب قبل اللّسان، لا بمجرد لقلة اللسان من دون تدبّر وتفّهم وإظهار فاقة وحاجة وفقر في داخل الإنسان وذاته، فالدّعاء باللسان إذا لم يوافق القلب، ليس بدعاء ولا بدعوة داعٍ، كما لابدّ للدعاء المستجاب أن يكون وفقاً للنظام التكويني وللحكم التشريعي، وما فيه مصلحة الداعي نفسه في دينه ودنياه فالدعاء إنقطاع خالص لله سبحانه وتعالى، والدعاء ابتهال إليه بالسؤال والرغبة فيما عنده من الخير والإحسان والرحمة الواسعة، والفضل العميم ،فكل دعاء حاز الشروط مستجاب بإذن الله،قال تعالى : {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وقال تعالى : {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} ايها الصائمون هل بعد هذا نغتر ونسأم ونتعب من الدّعاء؟! الآن وجب أن يرفع كل واحد فينا يديه إلى السماء فيجأر بالدعاء سأئلا الله من فضله، يسأله كلّ شيء حتى ملح طعامه. فالله الله الله فحتى بعد انسلاخ رمضان داوموا على رفع اكف الدعاء، فإنّه سلاح الأنبياء، وتُرس المؤمنين الصّلحاء الأتقياء، وعمود الدين، والحصن الحصين، ونور السموات والأرضين، ومفاتيح الجنان وسبب لنيل جوار النبي العدنان .