حاول الكاتب المصريّ الأنيق المهندس ياسر أبو الحسب في بداية مُؤَلفَه «مهندسو الخيال» بناء جسر تواصل يربط أدب الخيال العلمي مع العلوم، وبالأخص علم الفضاء، حيث اعتبر أن التقدّم التكنولوجي حافز قوّي لولادة أدب الخيال العلميّ، بالرغم من أن الطبيعة التي يُعرف بها العلم وتجاربه طبيعة جافة؛ تتعارض كثيرا مع منطلقات وفضاءات الخيال الرطبة. وجانب الخيال في هذا النوع الأدبي عبارة عن جُرعات متفاوتة من نصّ لآخر، فكلما نجح الكاتب في خلق ألفةٍ بين ما هو «خيال» و«علم» ، ضمن حبكة متقنة ،ومجانبة للواقع كلما كان كاتباً ناجحاً. وأما عن نسب مبيعات هذه الكتب في أوساط المجتمعات المتقدمة ، فهي إيحاء صريح على مدى تقبّل البيئة الغربية لفكرة الخيال العلميّ؛ ومع المُرونة التي يتسم بها فكرهم ورغبتهم الشديدة في اكتشاف الجديد ، صاروا يواكبون أحدث التقنيّات ويتوقعون ما هو أكثر ابتكارً وغرابة وتطوراً، عكس ما تجده في المجتمعات التي تعاني أميّة علميّة، حيث تتعامل مع هذا النوع الأدبي بنوع من الاحتقار اللامبرّر، وتراه مجرد عبثٍ على الورق. وتحدث الكتاب « ياسر أبو الحسب « عن نسبيتيّ ألبرت آينشتاين العامة والخاصة، وعن فيزياء نيوتن الكلاسيكية والثقوب الدودية، وعن السفر عبر الزمن والجاذبية والزمكان بشكل مبسّط وميّسّر، وتطرق في ذات السياق لبراعة كتّاب الخيال العلمي في استغلال هذه النظريات والاكتشافات وجعلها مادة دسمة لقصصهم ورواياتهم، وكيّف أنّهم نجحوا في نسج إبداعات فنية من وحيّ الخيال؛ وصلت لأن تكون دافعاً يحفّز علماء الفلك وينير عقولهم وتمكّنوا من معرفة توقعات عامة الناس تجاه موضوع الفلك والسفر عبر الزمن، وأعطى أدب الخيال العلميّ فرصة ثمينةً لأولئك الفلكيين من أجل الاطلاع على أماني وتوقعات متلقيّ العلوم بشأن هذا الموضوع. أعطت فصول وصفحات «مهندسو الخيال» بسخاء حقّ أغلب كتّاب وفنانيّ الخيال العلمي، وكان الإيطالي «ليوناردو دافنشي» من بينهم، بشخصيّته الفذّة التي ملكت الفنّ مع العلم والخيال الخصب، وأبدعت في الخيال العلمي عبر الرسومات التي تطلق العنان لخيال المتلقيّ؛ الذي سيسّرح في فضاءات وعوالم لم تكن حينها لتخطر على بال بشر، عادا «دافنشي». أدب الخيال ملهم حقيقيّ لعلماء الفضاء، على سبيل المثال الكاتب الفرنسيّ السهير «جول فيرين» الذي خطّ رائعته «من الأرض للقمر» قبل موعد صعود نيل أرمسترنج إلى القمر بسنوات عديدة؛ وكاتب الخيال العلمي الروسي «قنسطنطين تسيولكوفسكي» الذي قال: «إن السبيل الوحيد نحو الفضاء لن يكون إلا عبر الصواريخ» في كتابه «اكتشاف الفضاء الكوني من خلال أجهزة نفاثّة»، وذلك سنة 1903، كما تحدّث فيه عن استخدام الأكسجين والهيدروجين وقودا للصاروخ بدلاً من البارود المعروف آنذاك، وكل ذلك قبل نصف قرن من أول تجسيد لتكهناته، كل هذا وغير يؤكد للمتتبّع أنّ مصدر إلهام عديد العلماء كان خيال هؤلاء الكتّاب. والمعروف أن بعد صدور رواية «حرب العوالم» لجورج ويلز عام 1897، انتعش المجالان العلمي والصناعي في أوروبا عامة وبريطانيا خاصة، وظهرت نظريات فيزيائية غيّرت مسار العلوم كنسبيّة آينشتاين مثلا، وكأن صدور الرواية كان بشرى خير لمستقبل العلوم حينها، وتعتبر قد مهدت لما بعدها بتقديم نظرة استشراف مستقبلية، وللمقطع الروائي الذي اقتبسته إذاعة أمريكا من فصولها قصة غريبة مع المستمعين آنذاك. وجاء من ضمن ما سمّاه الكاتب أفكارً فضائية غريبة أقرب للأوهام منها إلى الحقيقة، كونها كانت تتنبأ بما لا يتقبله العقل العلميّ أحياناً ، وبما عجزّ عن استيعابه أحياناً أخرى كالقصة الخيالية الغريبة لعالِمنا المسلم «ابن سينا»؛ عن سكان الكواكب، أين تقاطع فيها خيالهُ مع خيال الكاتب البريطاني ويلز بخصوص طبيعة سكان كوكب المريخ. أما في فصليّ «الغرق في الخيال» و«أعطني حريّتي»، فقد تعمق الكاتب في موضوع الذكاء الاصطناعي وتاريخ تطوّره، والعقبّات التي تقف في وجّه ابتكار روبوت ذكيّ قادر على مجاراة ذكاء البشر، ووصل بنا في آخر الفصلين إلى أن عظمة تأثير الخيال في تاريخ البشرية موضوع لا جدل فيه. «ساحر الفضاء»: فصلٌ كامل خصصه المؤلف لكاتّب كبير يستحق أكثر بكثير من تلك الصفحات؛ فخيال «آرثر كلارك» وشغفه بكل ما تعلّق بالفضاء قاده لتأليف روايته الناجحة «أوديسا الفضاء 2001» التي تحوّلت إلى فيلم حقق نجاحاً باهراً، وقبل ذلك خاض «ساحر الفضاء» كما سمّاه المؤلف تجارب قصصية وصلت به إلى توقّع أقمار صناعية تدور حول الأرض، وتؤدي وظائف عديدة، وبعد عقدين من الزمن تجسّد خياله في أقمارٍ حقيقية تدور في مدارات ثابتة بالنسبة للأرض، سُميت باسمه تكريماً له، بالإضافة إلى تحيّله نظام حماية الأرض من الأجرام الفضائية وتوقعه لحواسيب بحجم أصغر، ومصعد نحو الفضاء وغيرها مما جادت به مخيّلته، هذه الأخيرة جعلت منه ملكاً على عرش أدب الخيال العلمي في القرن ال 20. وقد فصّل مؤلفنا أبو الحسب في تأثير كتّاب الخيال العلمي على تقدم عجلة العلم والفلك وكيف أن إبداعات أدبية كانت ولا تزال مصدرًا لإلهام العديد من علماء و وكالات الفضاء.