الملف الأمني يرفع شعبية ساركوزي... تواجه الحكومة الفرنسية جدال حول احتمال وجود ثغرات في مراقبة أجهزة الاستخبارات الفرنسية لمحمد مراح المشتبه به في تنفيذ جرائم تولوز ومونتوبان والذي قتل الخميس برصاص وحدة النخبة من الشرطة الفرنسية، لا سيما وأنه زار أفغانستانوباكستان. فقد أعلن رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون أمس أنه لم يكن هناك أي عنصر يبرر القبض على محمد مراح منفذ هجمات تولوز التي قتل فيها سبعة أشخاص في جنوب غرب فرنسا، قبل ارتكابه تلك الجرائم، لأن فرنسا دولة قانون. وصرح فيون لإذاعة ار.تي.ال لم يكن هناك أي عنصر يبرر القبض على محمد مراح قبل تحركه مؤكدا ليس لدينا الحق في بلدنا أن نراقب باستمرار وبدون قرار قضائي شخصا لم يرتكب جريمة (...) إننا في دولة قانون. ويأتي هذا الرد الحكومي بعد أن تصاعدت الدعوات لفتح تحقيق بشأن إخفاقات محتملة لقوات الشرطة الفرنسية الخاصة التي لم تتمكن من إلقاء القبض على محمد مراح حيا. وانتقد كريستيان بروتو، القائد السابق لقوات التدخل الخاصة التابعة للدرك الوطني، في مقابلة نشرتها صحيفة وست فرانس المحلية أمس، الاستراتيجية التي اعتمدتها قوات الشرطة الخاصة خلال اقتحامها للشقة التي كان يتواجد فيها محمد مراح، وتساءل عن السبب الموضوعي الذي حال دون القبض عليه حيا. إدارة العمليات دون استراتيجية مسبقة : وقال كرستيان بروتو: طبعا أنا مندهش جدا. كيف لم تتمكن كتيبة كاملة من الشرطة القبض على شخص واحد معزول. كان من المفروض مهاجمته بواسطة القنابل المسيلة للدموع لكي يفقد الوعي, لكن عوض ذلك، تمت مهاجمته بعدد كبير من القنابل اليدوية، مما زاد خوفه وجعله يطلق النار بكثافة غير عادية على رجال الأمن. وأضاف مؤسس القوات الخاصة التابعة للدرك الوطني: عادة في مثل هذه الظروف نقوم أولا بإجلاء سكان الحي قبل بدء العمليات، لكن أعتقد أنه تم إدارة هذه العملية دون أية استراتيجية مسبقة. وهنا تكمن المشكلة. وأضاف بروتو كان بإمكان قوات الشرطة أن تستدرج محمد مراح إلى الخارج وتوقعه في فخ ثم تقبض عليه حيا. ربما قد تعتبر هذه الخطة صعبة التطبيق وغير واقعية، لكن أريد أن أؤكد أن عندما كنت على رأس القوات الخاصة التابعة للدرك الوطني قمنا ب64 عملية مماثلة دون أن نسجل سقوط قتيل واحد. خرق القانون الجنائي الفرنسي: ومن جهته تساءل البير شنوف والد الجندي المقتول على يد محمد مراح لماذا لم يتم توقيف هذا المعتدي في وقت سابق، خاصة وأن الاستخبارات الفرنسية كانت، حسب تعبيره، على علم بسفره إلى باكستانوأفغانستان وبالخطر الذي كان يمثله على الأمن العام. وقال البير شنوف في تصريح لجريد لوبرزيان: طبعا، أنا لست متخصص في الشؤون الأمنية، لكن أشعر بأن بعض الأخطاء ارتكبت خلال عملية الاقتحام وآلان جوبيه وزير الخارجية الفرنسي كان على صواب عندما طرح نفس السؤال. ولم تنحصر الانتقادات في الأوساط الأمنية والعسكرية فقط، بل تعدت ذلك النطاق لتصل أيضا إلى عالم السياسة, حيث انتقدت إيفا جولي، مرشحة حزب الخضر للانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة، إشراف وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان شخصيا على عملية تولوز واتهمته بخرق القانون الجنائي الفرنسي. وقالت جولي: ماذا كان يفعل وزير الداخلية في عين المكان؟ ماهو دوره؟ إنه خرق للقانون الجنائي. وأضافت في حديث مع إذاعة الشرق: لقد عملت قاضية لمدة عشرين سنة وقمت بقيادة مثل هذه العمليات مع القوات الخاصة. طبعا أنا أثق في هذه القوات، لكن كنت أنا التي تقود العمليات وليس وزير الداخلية. وواصلت: للمواطنين الحق اليوم أن يتساءلوا لماذا لم يتم القبض على محمد مراح أثناء خروجه من مسكنه ولماذا استخدمت كل هذه القوة والإمكانيات المادية والبشرية عودة اللا أمن إلى الواجهة الانتخابية؟ ومن جهتها، اتهمت مرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبان على أثير إذاعة فرانس أنفو الاستخبارات الفرنسية بالتقاعس في مراقبة محمد مراح، فيما أكدت أن سلسلة الإجراءات الجنائية والقانونية التي اقترحها نيكولا ساركوزي أمس الخميس لمحاربة التطرف العقائدي في فرنسا لن تكون مجدية. وقالت لوبان: يبدو أن الرئيس الفرنسي بدأ يكتشف أننا سمحنا لأئمة أجانب بالدخول إلى أراضينا للترويج لأعمال العنف والفتنة. ويرى بعض متتبعي الشؤون الفرنسية أن عملية تولوز ستؤثر بصورة أو بأخرى على الحملة الانتخابية وأن العامل الأمني، الذي كان يحتل مرتبة متأخرة في اهتمامات الناخبين الفرنسيين، سيعود إلى الواجهة السياسية والانتخابية مثلما كان ذلك في 2007 إرتفاع شعبية ساركوزي: أظهر استطلاع رأي جديد ارتفاع شعبية الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بعد انتهاء أزمة محمد مراح ومقتله يوم أمس في مداهمة لقوات مكافحة الإرهاب لشقة في مدينة تولوز. وكشف الاستطلاع الذي أجرته BVA نجاح ساركوزي في تقليص الفارق بينه وبين مرشح الحزب الإشتراكي فرانسوا أولاند إلى نقطة و نصف من خمس نقاط، حيث حصل ساركوزي على 28 بالمائة بينما بقي أولاند متصدراً ب 29.5 بالمائة. وتأتي نتائج الاستطلاع بعد أن استأنف الرئيس ساركوزي حملته الانتخابية يوم أمس بخطاب متلفز إلى الشعب الفرنسي عقب مقتل مراح. وقال الرئيس الفرنسي في خطابه من قام بهذه الجرائم هو وحش ومتطرف. الوحش فقط بمقدوره قتل شخص جريح بدم بارد وطفل باكٍ في باحة مدرسة. كما أضاف ساركوزي إنه لا ينبغي البحث عن أي مبرر لما قام به مراح، الذي كان قد قال أنه قتل الفرنسيين السبعة إنتقاما للأطفال الفلسطينيين. وإستطرد ساركوزي: البحث عن تفسير لما قام به هذا الوحش أو التحلي بأي قدر من التفهم أو العذر تجاهه هو خطأ اخلاقي لا يغتفر. ودعا الرئيس الفرنسي شعبه إلى الوحدة، قائلا مسائلة المجتمع وإلقاء اللوم على فرنسا، سياساتها أو مؤسساتها هو أمرٌ مخزٍ و لا يعكس تفكيراً مسؤولاً في الوقت الذي تحتاج فيه فرنسا إلى الوحدة. و شملت خطبة الرئيس الفرنسي إعلان إجراءات قانونية جديدة تهدف للحد من التطرف خاصة في السجون أو على الانترنت. وقال الرئيس الفرنسي أنه بموجب هذه الاجراءات ستتم معاقبة من يزورون المواقع الجهادية على الإنترنت أو دول أخرى لأخذ دورات تدريبية أيدولوجية. وأضاف طلبت من وزير العدل أن يبدأ بالتفكير في كيفية انتشار الأيدولوجيات في السجون الفرنسية. تمديد اعتقال: و قد أعلن مصدر قضائي فرنسي تمديد إعتقال ثلاثة أقرباء للفرنسي محمد مراح الذي قتل سبعة اشخاص في جنوب غرب فرنسا ل48 ساعة ليل الخميس فيما يستمر التحقيق معهم. و تأتي هذه التطورات في ظل إزدياد الدعوات لفتح تحقيق في إخفاقات استخبارية محتملة بعد مقتل المهاجم محمد مراح صباح الخميس في مداهمة لشرطة مكافحة الإرهاب الفرنسية في تولوز. ووُجّهت إنتقادات من داخل فرنسا وخارجها الى أجهزة الإستخبارات الفرنسية لأنها لم تراقب مراح عن قرب كاف بشكل سمح لها بالتنبوء بإحتمال قيامه بتلك الهجمات القاتلة. فقد قال مرشح الرئاسة الإشتراكي أولاند إن أجهزة الاستخبارات الفرنسية قامت بواجبها بصورة مثالية على الرغم من وجود أخطاء في عملية مراقبة مراح. وعلّق مرشح الوسط فرانسوا بيرو قائل أن مراح استطاع إيجاد مصادر مالية و أسلحة دون أن يلفت الإنتباه. و ضاعف من الإنتقادات اكتشاف وجود مراح على قائمة الممنوعين من السفر الأمريكية وفشل قوات مكافحة الإرهاب الفرنسية في إعتقاله حيا. الأصولية والإرهاب: لكن رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون دافع عن أجهزة الإستخبارات في مقابلة إذاعية صباح يوم الجمعة قائلا أنه لم يكن هناك أي مبرر يسمح بالقاء القبض على محمد مراح. و أضاف لا يمكننا في بلد مثل بلدنا أن نقوم بمراقبة شخص لم يرتكب جنحة بصورة دائمة دون وجود أمر قضائي بذلك، نحن نعيش في دولة حقوق. وقال الإنتماء إلى منظمة سلفية ليس تهمة بحد ذاتها ولا ينبغي علينا أن نخلط بين الأصولية الدينية والإرهاب على الرغم من معرفتنا الجيدة بإرتباطهما ببعضهما البعض. وتعهد فيون بالعمل على إعادة ما سماه الشباب الضائع إلى رشده قائلا ما نريد فعله هو إرسال إشارة الى الشباب الضائع والذين قد يتعرضون لإغراءات للقيام بمثل هذه المغامرات. لكنه أضاف أنه ينبغي التفريق بين من يزورون هذه البلدان لأسباب دينية أو لغرض الالتحاق بجماعات إرهابية. كما شدّد على إنه بالرغم من وحشية ما قام به محمد مراح، من الممكن أن يقوم هذا بدفع شباب لأن يرغبوا في فعل نفس الشيء.