كانت المرأة مخلوقا مهمشا عبر العصور الى أن كرمها الإسلام، وأعطاها حقها وجعل منها كائنا محترما له كيانه وشخصيته، وحقه في التعليم وإبداء الرأي، لكن ورغم النجاحات التي وصلت إليها أنها مازالت لحد الساعة تتخبط في كابوس إسمه العنف، هذا العنف الذي عندما نتحدث عنه فإننا نتحدث عن أحزان وآلام ونتائج سيئة لبدايات خاطئة، نتحدث عن أسر تتصدع ومجتمع متأثر يكاد ينتكس تحت وطأة هذه الظاهرة، إذ تزداد القضية تعقيدا وإشكالا حين تكون أطراف المشكلة من الأقارب أو المحارم لما يجعل من المرأة تعاني الويلات بصمت في كيان أسرتها يكون السبب في ذلك رجلا، أبا، أخا، إبنا أو زوجا وفي بعض الأحيان يتجاوز التعنيف الدائرة الأسرية ليصل الشارع والطرقات، فتعنف بذلك على يد غرباء. وللعنف أسباب عديدة ومتعددة تعتبر الدافع الرئيسي لإستفحال هذه الظاهرة التي تنخر بأساس المجتمع، منها تدهور الجو الأسري الذي يجعل من العلاقات داخل العائلة أكثر تعقيدا سواء بالمدن أو الأرياف، هذا التدهور الذي يأتي نتيجة للحياة الإجتماعية الصعبة التي يعيشها الفرد من غلاء المعيشة حيث أن هناك العديد من أرباب الأسر يعتمدون على دخل ضعيف جدا في جلب القوت لأطفالهم الذين يحتاجون للكثير من متطلبات الحياة من ملبس وكتب ولقمة عيش، هذا كما أن لضيق السكن أو إنعدامه سلبياته داخل المجتمع حيث يعتبر العامل الأساسي في هذا التصرف المخزي ضد المرأة لما ينتجه من إحساس بعدم الإستقرار والإطمئنان الذي يؤدي الى ظواهر إجتماعية أخرى تعتبر خطيرة على الفرد، منها تفشي ظاهرة الأحياء القصديرية التي تفتقد لأدنى شروط الحياة، هذه الأحياء التي يلجأ إليها معظم تقطعت بهم السبل ولم يجد حلا لمشكلته، هذا كما يتخذ آخرون بيوتا فوق سطوح العمارات من أجل أن يحظى هو وعائلة بالأمن والأمان حيث أن غلاء الكراء لا يساعد هذه الفئة من المجتمع بقدر ما يخدم ملاكه، هذه كلها أسباب تتفاقم معها نبرات الغضب والنرفزة لتحط أثقالها على ظهر إمرأة في آخر المطاف. والى جانب كل هذه الأسباب هناك سببا إضافيا هو البطالة التي تؤثر سلبا على المعتدين هي إحتساء المشروبات الكحولية وتناول كل أنواع المخدرات من أجل الهروب من الواقع المر والتي لا تعتبر حلا بل هي رجس من عمل الشيطان ووسيلة إفساد يوقع العداوة والبغضاء، حيث يقتل المتعاطي نفسه وينتحر إنتحارا بطيئا، وبذلك تتصاعد حدة المشاكل لتدفع المرأة الفاتورة على مرأى من الأطفال الذين يسبب لهم ذلك آثارا نفسية قد تلازمهم حتى نضجهم وهم بدورهم يأخذون سلوك الخشونة والضرب الى بيوتهم عندما يكبرون. ولدى تسليطنا على الموضوع أردنا أن نجعل من الأرقام دليل على إرتفاع معدلات العنف ضد المرأة، فحسب خلية الإعلام والإتصال التابعة لمديرية الأمن لولاية وهران فقد بلغ عدد المعنفات خلال سنة 2011 نحو 851 إمرأة، أما المعتدون فوصل عددهم الى حد الدهشة، فعدد الأبناء المعتدين هو 76 إبنا عنفوا أمهاتهم هذه الأم التي سهرت الليالي وذبلت بذبول وليدها، وغابت بسمتها إن غابت ضحكته، وحرمت نفسها الطعام والشراب، وتحملت الذل والشقاء أمثال الجبال كي يحيى سعيدا وقد تمرض بسببه وتغفر وتعفو حتى وإن كان كل شيء على حساب صحتها، أما الأزواج فبلغ عددهم 204 زوج معتدي، وإذا ما حللنا الظاهرة نجدها لأتفه الأسباب مثل غسل الملابس وزيادة أو نقص ملح الطعام والتأخر في تحضير أي شيء يطلبه الزوج، ومع مرور السنين تفك الرابطة الزوجية ويتشرد إثرها الأطفال الأبرياء. كما أن للزيجات السريعة التي أطرافها غير متلائمة نصيب في العنف، بالإضافة الى ظاهرة الزواج العرفي التي عرفت رواجا كبيرا في بلادنا، حيث يكتفي الطرفان بقراءة الفاتحة دون اللجوء الى الجهات الرسمية لتوثيق هذه الرابطة المقدسة، فتكون بذلك المرأة مصبا للإهانات لحد لا يمكن تصوره، لأنها لا تملك أي حق قانوني ولا وثيقة تثبت بأن زوجها عنفها، كما تلعب الخيانة الزوجية دورا كبيرا في ضرب حواء إذ أن الأخصائيون دقوا ناقوس الخطر بسبب هذا التصرف الغريب الذي دخل على مجتمعنا الجزائري. أما عدد الإخوة والأقارب فوصل الى 163 فرد وكلهم إعتدوا على نساء يبلغن ما بين 18 سنة الى 35 سنة وأكثرهن مراهقات تعرضن لإصطدام في الآراء التي يمثلها الأب أو الأخ منتقدين تصرفاتها أو لبسها أو حتى رفقتها، ولأن الذهنيات تختلف وكل ممنوع مرغوب فتصل بذلك الى ما لا يحمد عقباه من ضرب وجرح يوصلها الى المستشفى في بعض الأحيان. كما برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة أخرى وهي تعنيف المرأة على يد غرباء وبالأماكن العمومية أو الشارع ليتعدى عليها شباب غير واع سيطرت عليه الحبوب المهلوسة وأفقدته عقله فيلحق الأذى به وبالآخرين وأولهم المرأة حيث أحصى نفس المصدر إعتداء 408 شخص »غريب« على النساء. لكن حواء لا تشتكي كون المعتدي من أصولها وهي تخشى ردة فعله لعدم توفر الحماية لها، وبذلك هي تنتشر على ما لحق بها من أذى خوفا من الفضيحة أو الطلاق أوالإنتقام، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على واقع ذهنيات متجذرة في مجتمعنا تجاه المرأة والسيطرة الذكورية عليها وتصورات وصور عن العلاقة بين الجنسين التي تحكمها الفوقية والتحتية رغم كل النجاحات التي وصلت إليها، والسبب أن الأسر الجزائرية مازالت تقبع في طابوهات تمنع المرأة من أن تشتكي من إعتداء نفسي أو جنسي . وحسب تحقيق أجراه مركز البحث والأنثروبولوجيا الإجتماعية والثقافية بوهران شمل 2000 أسرة أظهرت نتائجه أن 15٪ فقط من النساء اللائي تعرضن للعنف قد تجرأن على تقديم شكوى. قصص من الواقع إلتقينا بالسيدة (ع.خيرة) بمصلحة الإستعجالات هي إمرأة ذات 54 سنة متزوجة منذ حوالي 34 سنة لها ولدان وبنت وكلهم كبار، لكن زوجها ومنذ بداية حياتها كانت تتحمل تسلطه وخروجه الدائم من البيت وأشياء أخرى كانت تضايقها وعندما يلازم البيت يأمرها بدون نهاية وهي تنفذ كالخادمة حتى سئمت الوضع وأصبحت لا تحاوره ولا تجادله خوفا من الضرب والعقاب، وتقول أنه اليوم يبلغ ال 60 سنة إلا أنها مازالت تتحمل همجيته لها ولإبنتها التي ملت وأصبحت تهدد والدتها بالهروب من المنزل لأنها لا تجد حلا لما تكابده وتتقاسمه مع أمها. سيدة أخرى جاءت الى مقر الجمهورية تشتكي زوجها الذي طلقها هي السيدة صابري.خ البالغة 61 سنة، جاءت رفقة إبنتها البالغة 24 سنة لتسرد حكاية عشرة دامت 44 سنة لتجد نفسها في آخر المطاف عرضة للشارع، وبما أن أولادها كلهم كبار فليس لها حق الحضانة أو السكن، وهي التي شاركت زوجها السراء والضراء، فلا عمل تستطيع أن تأكل لقمة عيش من وراءه لأنها متقدمة في السن ولن تجد عملا أو مؤسسة أو حتى بيتا يوفر لها ذلك، وليس لها سكن يأويها وأبناءها من الضياع وهي التي ربت أجيالا وكرست حياتها من أجلهم تجد نفسها اليوم في الشارع. هي شهادات حيّة وأرقام مخيفة لقضايا العنف بمختلف أنواعه إلا أنه لا يعبر عن حقيقة وضعية المرأة داخل المجتمع هذه التي لا الدين، ولا العقل، ولا القانون ولا العادات ولا العرف يسمح بأن تعامل بهذه الطريقة، فهي قبل كل شيء أما، أختا وزوجة وتبقى دائما المرأة الشخص الذي توجه له أصابع الإتهام ويلقى كل اللوم عليها وكأنها خلقت لتعيش معاناة لا ذنب لها فيها، ولن تحل هذه المعضلة إذا لم توفر مراكز لحماية المرأة، أو أرقاما هاتفية توضع في خدمتها من أجل السيطرة على الوضعية قبل أن تصل الى الإنفصال العائلي، وكذا القيام بحملات تحسيسية في الجامعات والمؤسسات التربوية لردع ظاهرة الإعتداء على المرأة ولكن وبما أننا نعاني متاعب الحياة ونعيش في مجتمع صعب فيه العيش بسبب تدني القدرة الشرائية وتدني المستوى المعيشي وإزدياد الضغوطات اليومية فإن حواء ستستمر في معاناتها وأحزانها بصمت، وهي التي أوصى بها خير الأنام سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام قائلا: » إستوصوا بالنساء خيرا« .