من بين المهمات الصعبة التي تكلف بها المرأة الماكثة بالبيت، هي غسل الزرابي، والتي عادة ما تتطلب جهدا كبيرا، كما أنّ بعض النسوة لا يجدن الأماكن المناسبة لغسلها، ما يجعلهن يلجأن إلى محلات تنظيف الملابس، هذا قبل أن توفر محطات غسل السيارات لتلك النسوة خدمة غسل الزرابي كذلك. لقد صار بعض أصحاب محطات غسل السيارات يقدمن خدمة غسل الزرابي كذلك، بعضهم يفعل ذلك طلبا لربح أكبر، خاصّة وإن يستدعي غسل الزربية نفس العناء الذي يستدعيه غسل السيارة، كما أن حاجة ربات البيوت على تقديم هذه الخدمة كبيرة، وزادت طلباتهن، كما أنّ بعض المحطات تشتكي من ندرة الزبائن، وبالتالي السيارات، ما يجعلها تلجأ إلى غسل الزرابي حتى تعوض بعض الخسارة التي قد تتكبدها. هذه الظاهرة التي اكتشفناها ونحن نقصد مستودعا لغسل السيارات بدالي إبراهيم، حيث وجدنا صاحبه منكبا على غسل زربية من الحجم الكبير، فاستغربنا الأمر، وظننا في البداية أنها له أو لعائلته تطوع لغسلها، لكن لم تكن الوحيدة، وكانت زرابي أخرى تنتظر الغسيل، وكان علينا أن ننتظر دورنا وراء الزرابي، ولما استفسرنا العامل عن تلك الزرابي، قال إنها أفضل من السيارات، وأنها تدر عليه أموالاً لا يربحها من غسله للسيارات، التي أصبح أصحابُها، وكما وصفهم شحيحين، قال ذلك مازحا، قبل أن يخاطبنا بلهجة جادة: »لا شك أنك توافقني الرأي، لا يأتيني في اليوم إلاّ عددا قليلا من السيارات، والتي لا يكفي ثمن غسلها ما أنفقه في الماء وفي أجرة العمال، حتى أنني استغنيت على خدمات اثنين منهم، وصرت أعمل بنفسي في المستودع، حتى أعوض ما أصرفه، ولهذا كله قررت أن أقدم هذه الخدمة التي تزيد في أرباحنا وتساعد ربات البيوت اللائي فرحنّ كثيرا بالفكرة، ورحن يتهافتن علي حاملات الزرابي لكي أغسلها، خاصة منهن من لا تملك مساحات لتفعل ذلك، ولتغسل براحة، فكثيرا ما أراهنّ يتشاجرن مع جاراتهن، حيث غسلت إحداهن زربيتها، وتركتها تتدلى على بيت الثانية، الأمر الذي يحدث شجارا لا بداية ولا نهاية له، وهو الأمر الذي جعل كل قاطنات الحي يلجأنّ إلي، لينتهين من تلك المشاكل، كما أنّ السعر الذي أطلبه ليس إلاّ ثمنا رمزيا، مقارنه بالعناء والجهد الكبير الذي سيتجنبنه«. وفعلا، فرغم استغرابنا من الفكرة في البداية إلاّ أنها بدت لنا عملية، خاصة بعدما تحدثنا إلى بعض النسوة، واللائي أكدن لنا بدورهن أنهن أعجبن بالأمر، فقالت لنا فوزية: »لقد علمت بهذه الفكرة المبتكرة من عند إحدى جاراتي، والتي غسلت زربيتها عند مستودع الحي، وقد شككت في الأمر، وخشيت من أن تكون طريقة الغسل فيها مجازفة، إلا أنني بعدما رأيت زربية جارتي، والتي كانت نظيفة بشكل جيد، بعدما رأيتها قررت أن أفعل مثلها، وشيئا فشيئا صرت أحمل كل زرابي البيت إلى المستودع الموجود في الحي«، الأمر نفسه قالته لنا حميدة، وأضافت:»إنّ غسل الزربية في البيت يستدعي وقتا طويلا، وكذلك جهد لا تقدر عليه إلاّ المرأة قوية البنية، ولأنني لست كذلك فقد كنت أغسل زرابي البيت في محل غسل الملابس، والذي كان يطلب مقابل ذلك مبالغ ضخمة، خاصّة بالنسبة للزرابي كبيرة الحجم، أما مستودع غسل السيارات، فلا يأخذ إلاّ 300 دج عن الزربية الواحدة، أو ربما أكثر، لكن هذا لا يهم لأنه يقوم بعمله على أكمل وجه، وهو الأمر الذي يجعلني لا اصطدم مع جاراتي وأنا أنشر وأغسل الزربية في الشرفة، حيث صرت أطلب منهن الإذن في كل مرة أنوي فيها غسل زرابي البيت، حتى يغلقن شرفاتهن، فلا تحدث مشاكل بيننا«.