لقد قررت (هي) زيارة وادي سوف.. وأصرت أن يرافقها (هو) ولكنّه حاول أن تعفيه من هذه الرحلة الاستثنائية.. فلم تجبه بل خاطبته قائلة أتعرف يا حبيبي حكاية ومثل «معزة ولو طارت» أي «عنزة ولو طارت»!!.. فأجابها أعرف المثل ولا أعرف الحكاية.. فقالت له اسمع ما يلي معزة ولو طارت أو عنزة ولو طارت عبارة عن مثل وحكاية.. خرج رجلان للصيد فشاهدا سوادا من بعيد فقال الأول: انه غراب.. وقال الآخر انه عنزة.. وأصر كل منهما على رأيه وعندما إقتربا من هذا الشيء الأسود.. واذا به غراب، فطارها ربا.. فقال الأول: ألم تقتنع؟ ألم أقل لك أنه غراب؟ فأصر الثاني على رأيه وقال: عنزة ولو طارت.. وأنا يا عمري.. هذا الثاني أفهمت؟ .. وقبل أن يركب معها سيارتها.. قدمت له «كتاب الجزائر» لأحمد توفيق المدني ليقرأ عن «وادي سوف» الذي ختمه المؤلف بهذا النداء ليكون مسك الختام ببرقية مفتوحة هذا نصها الحرفي ..أنت سليل الأبطال.. وفي عروقك يجري دم عظماء الرجال.. فارفع جزائرك عالية، وسربها، والله يرعاك في طريق النهضة الكبرى النهضة القومية العربية الإسلامية، واذا ما هتف الناس بحياة أوطانهم، فلترفع الرأس شامخا، والعزة والكرامة ملء جوانحك ولتهتف على رؤوس الملأ بصوت يسمعه كل الناس.. لتحيا الجزائر الخالدة.. .. وقل الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.. هذا وقد كان الفراغ من الكتاب في 27 رجب 1350ه 1931م والحمد لله رب العالمين. ... إلتفتت (هي) إليه.. وخاطبته. هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر * هذه الدنيا وصال أنت فيها العمر هذه الدنيا عيون أنت فيها البصر * هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر وبصدق وبشوق وهو يتأمل جمالها.. ويعشق عنادها معزة ولو طارت هذا شعارها واسمعها ما يلي: أولى بهذا القلب أن يخفقا** وفي ضرام الحب ان يحرقا ما أضيع اليوم الذي مرّبي** من غير أن أهوى وأن أعشقا فعلقت إستمرفي عشقك.. واحتراقك.. دون نسيان قراءة الكتاب الذي بين يديك إسمعني.. ونحن في طريقنا الى وادي سوف هذا الصيف 2012م كيف كان وضع الموقع سنة 1931م فكان لها ما طلبت وما أرادت لنتابع المشهد بنصه الحرفي وادي سوف بلاد واحات شاسعة مترامية الأطراف جنوب مقاطعة قسنطينة، تمتد من بلاد الجريد التونسية الى وادي الشبكة ميزاب وتشمل قرى كثيرة جميلة أهمها الواد وقمار وأغلب أهل سوف من قبيلة زيانة البربرية، وقد استعربوا إستعرابا تاما.. وان بقيت البعض من قراهم تتكلم اللغة البربرية. داخل جدران المنزل، وقلّ أن نجد فيها أميا لأن التعليم منتشر فيها انتشارا غريبا بفضل المؤدبين وبعض الزوايا وأهل سوف كلهم لا يتجاوزون 65 ألفا من الأنفس، وواحتهم تشمل (300) ألف نخلة تنتج التمر المشهور ب دڤلة نور ويغرس بها أيضا الدخان وهو ينتج نوعا حارّا يعرف ب الدخان السّوفي ويستعمل على الأكثر في السعوط النفة أو الشّمة.. عشق بلا نفاق.. وشوق بلا فراق!! ... ومن أغرب عوائد خصوصا في نواحي قمار ان النساء لا يتحجّبن مطلقا فيها، وأن الفتيات عندما يبلغن سنّ الزّواج يتجمّلن ويلبسن أجمل أثواب الزينة، وكذلك الفتيان، ويتلاقى الجميع في الشوارع، وبين نخيل الواحات وعند آبار المياه، فيقع التعارف، ويتمكن الإتفاق على الزواج بين الصبية والفتى رأسا، ويشتهر ذلك فلا يرى فيه أهل الفتى، وأهل الفتاة من عضاضة بل يقوم الفتى الى دار مخطوبته فتخرج اليه جهارا، ويذهبان الى الفسحة او يتلاقى وإياها عند آبار المياه، فيتبادلان أحاديث اللطافة، والنكت العذبة، ويبالغ القوم هناك فتيانا وفتيات في العفاف وقلّ وندر ان تقع حادثة خيانة.. واذا اشتهر عن شاب انه خدع خطيبته فإنه يقاطع مقاطعة تامة، وينبذ، ولا ترضى أي فتاة ان يغدوا لها خطيبا و«أهل سوف» كثيرو الهجرة المؤقتة الى جهات تونسوالجزائر لطلب الرزق بالعمل، ثم يعودون الى وطنهم ويشتغلون على الأكثر بنسج الصوف والحرير، وصناعة الزرابي البديعة. وهنا توقف عن القراءة.. فقالت (هي) له.. هنا (المفارقة) وهنا المقارنة بين عام 1931 و2012 حيث توسع العمران وتبدلت المقاييس وتغيرت التقاليد لكن مع ذلك بقيت فعالية أصالة الأمس بذوق اليوم.. ... ويظل الثنائي الجامع بين هو..وهي أي العاشق والعاشقة يختلفان في كل شيء الا في العشق.. والشوق.. فهما (معا) من المنبع للمصب.. ومن الألف للياء