الشباب هم قادة الغد وأمل المستقبل وعلى أكتافهم تقام حضارات، وترفع أمجادا، ولقد اهتم الإسلام بالشباب اهتماما جادا ووجه حميتهم توجيها سديدا. ولقد كان من أشد أعداء الإسلام شيوخ مكة ووجهاؤها وعلى رأسهم أبوجهل بن هشام والوليد بن المغيرة وأبولهب وعتبه وشيبه ابنا ربيعة. وكان أول من آمن برسول الله بعد زوجه خديجة علي بن أبي طالب وكان صبيا صغيرا نام في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة وهو يعلم أنه مقتول لا محالة، ثم أبو بكر الصديق الذي أسلم في عمر الثامنة والثلاثين وأنفق ماله كله في سبيل الدعوة الإسلامية. وعمر بن الخطاب الذي كانت قريش توفده إلى القبائل الأخرى للتباحث معها، أسلم في السادسة والعشرين وكان إسلامه، وهاهو سعد بن أبي وقاص الذي رمى أول سهم في الإسلام، أسلم وعمره سبعة عشر عاما وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: ''فداك أبي وأمي أرم أيها الغلام الحذور''، ثم الزبير بن العوام ابن عمة رسول الله صفية (الذي أسلم وعمره ستة عشر عاما) الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''إن لكل نبي حواريا وحواريي الزبير''، ورفيق الزبير طلحة بن عبيد الله الذي أسلم في السابعة عشرة وكان من أشد المدافعين عن رسول الله في أحد والذي سماه رسول الله بطلحة الفياض أو طلحة الخير، ثم عبد الرحمن بن عوف في الثلاثين، وأبوعبيدة بن الجراح في الثانية والثلاثين، ومن ينسى أسامة بن زيد الذي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مرض الموت بعد أن أكثر المنافقون في الاعتراض على قيادته للجيش وهو دون العشرين. فانظر كيف قام الإسلام وانتشرت دعوته على يد هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان دائما ما يستشيرهم في الأمور المهمة وكان ينزل على رأيهم، كما أخذ بمشورة الحباب بن المنذر في غزوة البدر، ونزل على رأي الشباب في الخروج لملاقاة المشركين في غزوة أحد. وكان دائما ما يوجههم إلى سبل الخير ويسدى لهم النصائح النافعة، عن رَافِعِ بْنِ عَمْرو الْغِفَارِيِّ ، قَالَ: كُنْتُ وَأَنَا غُلاَمٌ أَرْمِي نَخْلَنَا، أَوْ قَالَ : نَخْلَ الأَنْصَار، فَأُتِيَ بِيَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا غُلاَمُ (وَقَالَ ابْنُ كَاسِبٍ: فَقَالَ: يَا بُنَيَّ) لِمَ تَرْمِي النَّخْلَ ؟ قَالَ: قُلْتُ: آكُلُ، قَالَ: فَلاَ تَرْم النَّخْلَ، وَكُلْ مِمَّا يَسْقُطُ فِي أَسَافِلِهَا، قَالَ: ثُمَّ مَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ. أخرجه أحمد. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ الله ، صلى الله عليه وسلم، يَوْمًا فَقَالَ: يَا غُلأَمُ، إني أعلمك كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إذا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللَّهَ، وإذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بشيء، لَمْ يَنْفَعُوكَ إلا بشيء قَد كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشيء، لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الاقْلأَمُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ. أخرجه أحمد وعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ. أخرجه أحمد والدارِمِي والبُخَارِي ومسلم. ولقد اهتم علماء السلف بالشباب، فها هو ابن شهاب الزهري يقول: ''لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان، واستشارهم يبتغي حدة عقولهم''. وإذا أردت أن تعرف ماهية الأمة وحقيقة أمرها، فلا تسأل عن ذهبها ونشبها وبترولها ورصيدها المالي، ولكن انظر إلى شبابها، فإن رأيته شبابا متدينا متمسكا بقيمه الأصيلة منشغلا بمعالي الأمور، قابضا بأذيال الكمال وأهداب الفضائل فاعلم أنها أمة جليلة الشأن، رفيعةُ القدر والجاه، قوية البناء، مرفوعة العلم لا ينال منها عدو، ولا يطمع فيها قوى. وإذا رأيت شباب الأمة هابط الخلق والقيم، منشغلا بسفاسف الأمور، يتساقط على الرذائل كما يتساقط الذباب على جيف الفلاة، فاعلم أنها أمة ضعيفة البناء مفككة الأوصال هشة الإرادة، سرعان ما تنهار أمام عدوها، فيستلب خيراتها، ويحقر مقدساتها، ويهين كرامتها، ويشوه تاريخها وثقافتها. إنَّ تعليم الشاب أحكام الدين وشرائعه، وكذلك تعزيز روح الإيمان والأخلاق في نفسه، لهما أثرين كبيرين عليه، الأول : إرضاء الحسّ الديني الفطري لدى الشاب، والثاني: جعل هذا الحس قادراً على كبح سائر الرغبات الطبيعية والغريزية في أعماق الشاب، والحؤول دون تمرّدها وطغيانها، وذلك لإنقاذه من الضلالة والانحراف. قال تعالى: ''لقد خَلَقنا الإنسانَ في أحْسَنِ تَقْويم ثُمَّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلينَ ، إلا الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون'' سورة التين . وكل إنسان سوف يسأل عن فترة شبابه يوم القيامة، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ''لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع .. عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به ( رواه الترمذي). فعلينا أن نولي الشباب اهتمامنا، وأن لا نجعل بيننا وبينهم حواجز تمنعنا من التواصل معهم والإنصات إليهم، ومشاركاتهم مشاعرهم وأفكارهم. لمن كان له قلب حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ليس من شك في أن طريق الجنة ليس ميسورا لكل أحد، يستوي الناس في سلوكه، بل لا بد من تعب وابتلاء، ونصب ومشقة، ليتبين الصادق في إيمانه من الكاذب، وليعلم العقلاء أن الراحة الكبرى والنعيم المقيم، لا بد له من قدر من التعب والمشقة ومجاهدة النفس والهوى: روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ''حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ '' . والمعنى: أن سالك طريق الجنة لا بد وأن يواجه قدر من المشقات والمكاره التي تصعب على النفس، وأن طريق النار مليء بما تشتهيه النفس وتميل إليه. ولهذا قال الشاعر: بَصُرْتَ بالراحةِ الكُبرى فلم تَرَها ... تُنالُ إلا عَلَى جِسْرٍ من التّعَبِ إن إشكالية التعارض بين راحة الدنيا وراحة الآخرة، بين متع الدنيا ونعيم الآخرة، هي إشكالية تتكرر كثيرا، لكنها محسومة بالنسبة للمؤمن الموفق: روى أحمد في مسنده أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: يَا سَامِعَ الْأَشْعَرِيِّينَ؛ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ''حُلْوَةُ الدُّنْيَا مُرَّةُ الْآخِرَةِ وَمُرَّةُ الدُّنْيَا حُلْوَةُ الْآخِرَةِ '' . قال ابن القيم رحمه الله: ''المصالح والخيرات، واللذات والكمالات، كلها لا تُنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب؛ وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأن بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة؛ فلا فرحة لمن لا هَمَّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له؛ بل إذا تعب العبد قليلا استراح طويلا، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة، والله المستعان، ولا قوة إلا بالله. ومن هنا علم العقلاء أن الدنيا دار نصب وتعب، فمهما كان فيها من النعيم والراحة، فهي أشبه بالسجن، بل هي سجن حقيقي، ما دامت تحبسه عن نعيم الجنة: روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ''الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ''. قال الشاعر: إِنَّ لِلَّهِ عِباداً فُطَنا تَرَكوا الدُنيا وَخافوا الفِتَنا نَظَروا فيها فَلَمّا عَلِموا نَّها لَيسَت لِحَيٍّ وَطَنا جَعَلوها لُجَّةً وَاِتَّخَذوا صالِحَ الأَعمالِ فيها سُفُنا غير أن العاقل الموفق يوازن بين حاجات الدنيا، ومصالح الآخرة؛ فيعطي كل ذي حق حقه، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ويضبط سيره بحدود الله التي حدها لعباده؛ فما فاتك من الدنيا لأجل ما أنت فيه من التزامك بأمر دين ، أن الله تعالى بمنه وكرمه يعوضك من نعيم الدنيا والآخرة، ما هو خير منه وأعظم قدرا.